يبذل الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، في مذكراته التي نُشرت أمس، بعنوان «لحظات حاسمة»، جهوداً جبارة للدفاع عن إرثه السياسي المثير للجدل، وغزوه العراق وأفغانستان، مصراً على رغبته في أن «يكون جزءاً من التاريخ».
وتحدث بوش لصحيفة «ذي تايمز» البريطانية التي نشرت أمس مقتطفات من الكتاب، عن علاقته الوثيقة برئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، و «العلاقة الخاصة» بين الولايات المتحدة وبريطانيا. وأشار الى مواجهة بلير تصويتاً بحجب الثقة عنه في مجلس العموم عشية حرب العراق، لافتاً الى انه عرض عليه التراجع عن المشاركة في الغزو، كي لا يفرّط بـ «حكمته وتفكيره الاستراتيجي بوصفه رئيس وزراء حليف قوي ومهم». لكن بلير أبلغ بوش التزامه المشاركة في الحرب، قائلاً: «إذا كلفني ذلك (سقوط) الحكومة، لا بأس بذلك».
لكن بوش ليس راضياً عن موقف الرأي العام في بريطانيا، خلال حرب العراق وبعدها، إذ قال: «لا يهمّ كيف ينظر إلي الناس في انكلترا. وبصراحة، لم تهمني آراءهم آنذاك في بعض الأحيان».
وينتهز بوش فرصة نشره الكتاب، للدفاع عن غزو العراق وإسقاط الرئيس الراحل صدام حسين، قائلاً عن الأخير: «كان عدواً، واجتاح دولاً، والكلّ اعتقد انه يملك أسلحة دمار شامل، وكان واضحاً انه امتلك القدرة على صنع أسلحة دمار شامل، وأن لديه صلات، ليس بمن قتل أميركيين في (هجمات) 11 أيلول (سبتمبر)، لكن مع شبكات إرهابية».
ويعرب بوش عن «مفاجأته» لعدم العثور على أسلحة دمار شامل في العراق، لكنه يرى أن بقاء صدام في السلطة كان ليؤدي الى «سباق تسلّح نووي»، معتبراً أن «25 مليون» عراقي «يعيشون أفضل من دونه».
ويتحدث بوش في كتابه عن «أخطاء تكتيكية» ارتكبها خلال رئاسته، مثل يافطة «المهمة أُنجزت» التي رُفعت على حاملة الطائرات «يو أس أس ابراهام لينكولن» عام 2003، والتي ينأى بنفسه عنها، والخفض المبكر لعديد القوات الأميركية في العراق بعد الغزو، وفشله في التعامل مع إعصار كاترينا الذي ضرب نيو أورلينز.
وأشار الى عجز القوات الأميركية بعد الغزو، عن مواجهة عمليات النهب وتفجيرات تنظيم «القاعدة»، كما تحفّظ عن إجراءات وقرارات اتُخذت بعد الغزو، خصوصاً منها حلّ الجيش العراقي واجتثاث حزب «البعث». وقال: «شيعة العراق وأكراده – غالبية السكان – رحبوا بالانقطاع التام عن (حقبة) صدام. لكن كان للقرارات تأثير نفسي لم أستشرفه. كثر من السنّة اعتبروها مؤشراً الى لا مكان لهم في مستقبل العراق. وبدل انضمامهم الى الجيش الجديد، انضموا الى المتمردين».
ويرحب بوش بمواصلة خلفه الرئيس باراك أوباما المهمة ضد حركة «طالبان» و «القاعدة» في أفغانستان، وممارسته ضغوطاً على باكستان لتحارب المتطرفين على أراضيها. ويحذر من أن السماح لـ «طالبان» و «القاعدة» باستعادة سيطرتهما على أفغانستان، سيعرّض «أمننا للخطر».
كما يقرّ بأن ثلاثة أشخاص تعرضوا لتقنية الإيهام بالغرق، والتي رفض اعتبارها تعذيباً، مؤكداً أن المعلومات التي انتُزعت من هؤلاء، ومن بينهم خالد شيخ محمد العقل المدبر لهجمات 11 أيلول، «ساهمت في إحباط مؤامرات لمهاجمة منشآت ديبلوماسية أميركية في الخارج، ومطار هيثرو و(منطقة) كاناري وارف في لندن، وأهداف عدة في الولايات المتحدة».
وينتقد بوش زعماء سابقين، إذ يروي في كتابه، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ايهود اولمرت اتصل به ليبلغه أن الاستخبارات الإسرائيلية اكتشفت منشأة نووية قيد البناء في سورية، وطالب الولايات المتحدة بقصفها. لكن واشنطن رفضت ذلك، وبعد ساعات دمّر الطيران الإسرائيلي المنشأة، من دون إبلاغ البيت الأبيض مسبقاً.
وأعاب بوش على المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر ليس فقط ما يراه نكثاً لوعده بدعم غزو العراق، لكن أيضاً عمله في شركة «غازبروم» النفطية الروسية بعد خروجه من السلطة، كما شكّك في «أخلاقية» الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك.
وأشار الى خيبة أمله من رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، إذ بعدما قال انه «رأى روحه» لدى نظره إليه، في حزيران (يونيو) 2001، أعرب عن سخطه لقرار بوتين إرسال قواته الى جورجيا، فيما كانا يجلسان سوياً في افتتاح الألعاب الأولمبية في بكين عام 2008.
ويرفض بوش «انتقاد» أوباما، لكنه ينتقد امتناعه عن الدفاع عن المتظاهرين الإيرانيين المشككين في شرعية إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد عام 2009. كما وصف جناح «حفل الشاي» في الحزب الجمهوري، بأنه مجرد «حركة محبطين».
وكشف بوش أنه أمر وزارة الدفاع الاميركية بـ»درس ما يمكن أن يكون ضرورياً لتوجيه ضربة الى إيران، لوقف مساعيها للحصول على قنبلة نووية».
وقال الرئيس الأميركي السابق إن أكثر ما يقلقه هو «الانعزالية والحمائية والقطرية، ثلاثي الشرّ الذي يهيمن على أميركا»، معرباً عن خشيته من امتناع الولايات المتحدة عن الانخراط في مسائل مثل حقوق المرأة والنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي وحقوق الإنسان.
وعلى رغم صعود الصين، يؤكد بوش أن الولايات المتحدة ستبقى «القوة العظمى الوحيدة» في العالم «لفترة طويلة»، معتبراً أن «المشاكل الداخلية» في الصين تعيقها عن منافسة أميركا اقتصادياً في المستقبل المنظور.
بوش يعلّق أهمية على أن «يعلم الناس الحقيقة»، أكثر من رأيهم به. ويدعوهم الى قراءة كتابه، كي يرى الناس «شخصاً لم يبِعْ روحه من أجل السياسة، وكان مصمماً على التمسك بمبادئه». لكنه يصرّ على أن مكانه في التاريخ، إذ يقول: «أريد أن أكون جزءاً من التاريخ، لأنني أمضيت كثيراً من الوقت في قراءته. آمل بأن يدرك الناس كيف يعمل التاريخ».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات