بقلم د. سعد الدين إبراهيم ٣٠/ ١٠/ ٢٠١٠ |
صرّح أكثر من مسؤول مصرى، بمن فيهم المستشار مُقبل شاكر، نائب رئيس ما يُسمى المجلس القومى لحقوق الإنسان، بأن الحكومة لن تسمح لمُراقبين دوليين بمُراقبة الانتخابات المصرية البرلمانية، التى ستتم فى خلال أسابيع. وكرر السيد صفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى، وأحد أقطاب الحزب الوطنى، الشىء نفسه- أى رفض الرقابة الدولية على الانتخابات. ويقول هذان المسؤولان، تبريراً لذلك: ١ـ إن مثل هذه المُراقبة تُعتبر «تدخلاً فى شؤون مصر المحلية». ٢ـ إن مصر لديها مجلس قومى لحقوق الإنسان، وإنه كفيل بأن يقوم بمُهمة مُراقبة الانتخابات خير قيام. ٣ـ إن «الدول المحترمة»، لا تستدعى ولا تسمح بمثل هذه المُراقبة. ولكن هذه المُبررات الثلاثة التى يسوقها أقطاب النظام المُتحكِم فى مصر- لا يُصدقها أحد، لا فى الداخل، ولا فى الخارج. بل يُجزم كثيرون بأن أقطاب النظام الذين يُرددون هذه المُبررات، هم أنفسهم يعرفون أنهم «يكذبون»، وأنهم يكذبون «كذباً فواحاً». هذا فضلاً عن أن كلاً من المُبررات الثلاثة المذكورة أعلاه مردود عليها بالآتى: ١- أن مصر الرسمية، أى الدولة، قد دُعيت عدة مرات للمُشاركة فى مُراقبة انتخابات بُلدان أخرى، قريبة وبعيدة، مثل السودان، وجنوب أفريقيا، وباكستان، وفلسطين، فهل اتهم أحد فى هذه البُلدان مصر بالتدخل فى شؤونها؟ ٢- أما القول بأن مصر لديها «مجلس قومى لحقوق الإنسان»، وأنه يكفى للقيام بمُهمة مُراقبة الانتخابات على خير وجه، فمردود عليه بأن أعضاء هذا المجلس يتم تعيينهم بواسطة رئيس الجمهورية. أى أن السُلطة التنفيذية هى التى تختارهم، لذلك هناك هواجس كبيرة فى حيادهم وموضوعيتهم، ثم إنه حتى لو لم يكن هناك مثل هذه الهواجس، فما الذى يُضير مصر أن تقطع الشكوك باليقين، فتدعو، أو تسمح لمُراقبين دوليين بأن يأتوا إلى مصر، ولو عملاً بالقول المأثور «زيادة الخير خيرين»! ٣- أما القول بأن «البلاد المُحترمة» لا تسمح لمُراقبين دوليين بمُراقبة انتخاباتها، فإنه ينطوى لا فقط على كذب فواح، ولكن أيضاً على جهل فاضح بمعنى «الاحترام»، وبحقائق الأمور فى البُلدان الديمقراطية. فهذه الأخيرة- مثل الهند وبريطانيا والولايات المُتحدة- هى بُلدان مفتوحة لكل من يُريد الذهاب إليها، ومُراقبة أى شأن من شؤونها، دون حاجة إلى «إذن» أو «دعوة». أكثر من ذلك أن بعضها لا فقط «يسمح»، بل يُشجع من يرغب فى مُراقبة انتخاباتهم. وتحديداً، فإن بلداً مثل الولايات المتحدة، يدعو آلاف المُراقبين من بُلدان العالم الثالث، ومنها مصر، خلال مواسم الانتخابات الأولية والنصفية (أى كل سنتين) لمجلسى الشيوخ والنواب، والانتخابات الرئاسية. وأكثر تحديداً، فإن هناك حوالى خمسين مصرياً، من منظمات المجتمع المدنى المصرية، تمت دعوتها لمُراقبة الانتخابات الأمريكية، التى ستتم فى الأسبوع الأول من نوفمبر ٢٠١٠. والسؤال للأخ المستشار مُقبل شاكر: كيف يُصنّف الولايات المتحدة؟ هل هى ضمن «الدول المُحترمة»؟ أم لا يزال بينها وبين بلد مُحترم، مثل مصر، مسافة طويلة، لا بد أن تقطعها، قبل أن تتوقف أو تكف عن دعوة مُراقبين أجانب لمُتابعة انتخاباتها؟ فليت المستشار مُقبل شاكر يجود علينا بفتوى قانونية انتخابية حول موضوع «الاحترام» هذا، وما إذا كانت أمريكا «بريئة» منه، أو «مُدانة به»! إن ترديد مسؤولين مصريين رفض الرقابة الدولية على الانتخابات البرلمانية القادمة، هو مُقدمة لرفض هذه الرقابة على الانتخابات «الرئاسية»، المُقرر لها نوفمبر ٢٠١١، وربما هذا هو بيت القصيد، مع احتمالات ما يُسمى التوريث. وفى الحالتين لا بد أن هناك نوايا مُبيّتة على «التزوير» أى على اختطاف أو سرقة الانتخابات وإعطائها لغير مُستحقيها. وفى لقاء أخير لمجموعة من النشطاء المصريين فى الولايات المُتحدة، وبحضور ناشطين من مصر، أحدهما وائل نوارة من حزب «الغد»، ومحمود على، الصحفى بصحيفة حزب الوفد-كانت مسألة الانتخابات القادمة فى مصر هى محور لقاءاتنا بهم، وبمنظمات أمريكية مُتخصصة فى مُراقبة الانتخابات- مثل المعهد الديمقراطى الأمريكى (NDI) والمعهد الجمهورى الدولى (IRI)، وشارك فى هذه اللقاءات من الناشطين المُقيمين فى واشنطن كل من مختار كامل، نائب رئيس ائتلاف المنظمات المصرية فى أمريكا الشمالية، وأمين محمود، سكرتير الائتلاف والطبيبان عادل كبيش، ودينا درويش، وطارق خليل، عضو مجلس أمناء الائتلاف وعُمر عفيفى، المتحدث الرسمى باسم الائتلاف. كان هناك إجماع على نقطتين.. الأولى: هى الأهمية القصوى للانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة- فى نوفمبر ٢٠١٠ و٢٠١١، على التوالى. والثانية: أهمية مُراقبة تلك الانتخابات محلياً ودولياً كشرط للإقرار بشرعيتها من عدمه. وتساءل بعض المُشاركين: بما أن احتمالات تزوير الانتخابات قائمة لا ريب فيها، فهل يمكن أن يؤدى ذلك إلى انتفاضة شعبية رافضة- مثلما حدث فى أوكرانيا منذ عدة سنوات، أو مثلما حدث فى إيران عام ٢٠٠٩؟ وانقسم المُشاركون حول الإجابة، رغم أن الأغلبية عبّرت عن تمنياتها أن يحدث ذلك، حتى تكون نهاية هذا النظام. وكان ضمن من رجّحوا حدوث مثل هذه الانتفاضة أحد الضيفين الوافدين من مصر، وذكر فى حيثيات هذا الترجيح، تصاعد عدد مرات الاحتجاجات الشعبية على تجاوزات السُلطة، خاصة عدم تسامح الناس مع تجاوزات واعتداءات رجال الأمن على المواطنين. أكثر من ذلك أطلع الضيفان زملاءهما على ملامح اللائحة التنفيذية الجديدة لقانون الجمعيات والمؤسسات، الذى يُحكِم قبضة السُلطة التنفيذية لا فقط على التصريح بإنشائها، ولكن أيضاً على كل شؤونها الداخلية، وتحريم وتجريم أى أنشطة عامة خارج الإطار «الخيرى» البحت. فلا اجتماعات عامة، أو إبداء رأى، أو مُراقبة مؤسسات الدولة، أو الانتخابات. باختصار تحاول تلك اللائحة أن تقضى على البقية الباقية من حُرية المجتمع المدنى، التى تقلّصت- كما لم يحدث- منذ عام ١٨٤٠، وهو تاريخ إنشاء أول جمعية أهلية. ويبدو أن خوف الحكومة من الشعب ليس له حدود. وهى بالتالى تُريد أن تُخيف الشعب، وتجعل من مصر جمهورية خوف، لا مثيل لها منذ حُكم قراقوش، فلا حول ولا قوة إلا بالله. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات