الأقسام الرئيسية

النهضة باتت تخشى على تماسك تنظيمها في ظل غرق الأحزاب السياسية في أزمات داخلية

. . ليست هناك تعليقات:
الغنوشي يضبط اهتزازات النهضة بين الديني والسياسي
 
جهود الغنوشي منذ خسارة انتخابات 2014 يبدو أنها أثمرت تهدئة بين السياسيين والعقائديين لمصلحة الوجه الجديد للنهضة.
 
ميدل ايست أونلاين

تونس – من منور المليتي

رهان على الواجهة السياسية
أقر قيادي محسوب على الجناح السياسي في النهضة بأن الحركة وقفت خلال الأشهر الماضية على مشارف الانشقاق نتيجة نوع من الحرب بين "القيادات العقائدية" و"القيادات السياسية"ما دفع برئيسها راشد الغنوشي إلى التدخل المباشر للتخفيف من حدة الحرب مستفيدا من سطوته الروحية والسياسية على الشقين.
يأتي ذلك في وقت باتت فيه العديد من القيادات تقر بوجود خلافات بين "الإخوة" سواء بشأن إدارة قيادة الحركة للملفات الداخلية العقائدية منها والسياسية والتنظيمية أو بشأن تموقعها ضمن مشهد اجتماعي وسياسي ملغم بخصوم علمانيين شرسين حاصروا محاولات تسللها إلى خارطته.
ولا تجاهر تلك القيادات بعمق الخلافات إلى حد الانشطار التنظيمي، مكتفية بالحديث عن وجود "خلافات عادية" شأنها في ذلك شأن الأحزاب السياسية بل وتشدد على أن رهان خصوم النهضة على انشقاقها هو رهان فاشل.
وكان راشد الغنوشي أقر في مارس/اذار 2016 في تصريحات صحفية بأن النهضة باتت تخشى على تماسك تنظيمها في ظل غرق الأحزاب السياسية في أزمات داخلية من خلال تسلل تلك الأزمات إلى مفاصل تنظيم الحركة.
ولم يخف رئيس الحركة آنذاك مخاوفه من انشقاق النهضة وفقدانها لتماسكها ووحدتها في ظل مشهد سياسي متحرك لم تتشكل تضاريسه دون أن يقر بأن تصاعد منسوب "عمق الخلافات" بات يهدد تماسك التنظيم.
وتسللت الخلافات إلى المؤسسات التنظيمية للنهضة وفي مقدمتها مجلس الشورى الذي بات يتجاذبه العقائديون يمينا والسياسيون يسارا.
غير أن القيادي المحسوب على الجناح السياسي كشف أن "الشيخ" أنقذ تنظيم النهضة من انشطاره إلى شقين أولهما مستميت في التمسك بالمرجعية العقائدية وثانيهما يدفع باتجاه الانفتاح الفكري والسياسي على القوى العلمانية.
وأضاف القيادي الذي رفض الكشف عن هويته أن الغنوشي يقود منذ نتائج انتخابات خريف 2014 التي منيت فيها النهضة بخسارة لم تكن تتوقعها جهودا، مضنية لقطع الطريق أمام أي شكل من أشكال تصدع الحركة أو نزيف من استقالات كاد يجرف قيادات وكوادر متنفذة تنظيميا وسياسيا.
وكانت هزيمة الانتخابات أججت احتقانا سياسيا كبيرا في صفوف قيادات النهضة وكوادرها وقواعدها بلغ حد الانتفاضة على القيادة على خلفية احتكارها لمواقع صناعة القرار مطالبة بإشراكها ووضع حد لتهميشها.
وبدت تلك الانتفاضة التي تكتمت عليها النهضة، كما ذهب إلى ذلك متخصصون في جماعات الإسلام السياسي، مؤشرا قويا على أن الحركة تتجه نحو "حرب لا تخلو من الشراسة بين العقائديين والسياسيين".
وكشف القيادي أن الغنوشي اختار الانتصار الضمني للقيادات السياسية الأكثر قابلية للتفاعل مع القوى السياسية والمدنية العلمانية والانفتاح على المجتمع والأكثر أداء في تقديم "صورة نهضة سياسية" على حساب "صورة نهضة عقائدية" منطوية كثيرا ما ساهمت في توجس غالبية التونسيين منها.
وشدد القيادي على أن "إقالة القياديين العقائديين الحبيب اللوز والصادق شورو من المكتب التنفيذي للنهضة في أبريل 2015 شكلت خطوة الغنوشي الأولى باتجاه إنقاذ النهضة من الانشطار حيث أضعفت الإقالة سطوة العقائديين وخففت من ضغوطهم على السياسيين الذين يقودون حاليا جهودا سياسية وإعلامية تروج لـ"صورة نهضة ديمقراطية" قبيل مؤتمرها القادم.
ويعد كل من اللوز وشورو القياديين الأكثر تشددا وتنفذا تنظيميا وعقائديا وهما يجاهران بمطالبتهما باعتماد الشريعة مصدرا أساسيا للتشريع ويرفضان أي شكل من أشكال التقارب مع العلمانيين، ويرتبطان بعلاقات قوية مع الجماعات السلفية المتشددة وأيضا مع عدد من الدعاة المشارقة.
وأشرت إقالة الصقرين آنذاك إضافة إلى منعهما من الترشح لانتخابات 2014 على أن الغنوشي تحسس جيدا شدة المخاطر وأن إنقاذ النهضة تنظيميا وسياسيا لا يمكن في ظل أصوات مستميتة في رفض الحركة لانفتاح مدروس على الخارطة السياسية كما لو أنها طائفة دينية.
ورأى العقائديون في إقالة كل من اللوز وشورو ضربة موجعة لهم تهدف إلى استبعادهم من الواجهة السياسية للحركة ما أثار نوعا من الانتفاضة على السياسيين وتململ قواعد نهلت من كتابات حسن البنا وسيد قطب وأبو الأعلى المودودي وابن تيمية أكثر مما نهلت من فقها تونس المستنيرين وفي مقدمتهم عبد العزيز الثعالبي والطاهر بن عاشور.
وشدد القيادي السياسي على أن العقائديين شرعوا آنذاك في قيادة جهود لبناء تيار متمرد على السياسيين الأمر الذي دفع الغنوشي إلى المسارعة بإقناع كل من اللوز والصادق شوروا بأن إقالتهما لا تستبطن أي تهميش لهما بل على العكس من ذلك تهدف إلى مراهنة الحركة عليهما في تغذية الواجهة السياسية للحركة بعمل دعوي عقائدي بما من شأنه أن يوسع أنصار الحركة.
وتظهر قراءات أن استبعاد العقائديين من واجهة النشاط السياسي حقق للغنوشي هدفين، أولهما تخفيف ضغط تلك القيادات الشرسة عليه ما ساعده على استعادة صورته التي اهتزت دون المساس بسطوته الروحية والسياسية.
أما الهدف الثاني فإنه يتعلق بمراهنته على القيادات السياسية وغالبيتها من جيل ثان براغماتي جامعي متخصص في الحقوق والعلوم الطبية والهندسية لرسم صورة "سياسية مدنية" لنهضة جديدة تكون قادرة على امتصاص توجس القوى السياسية والمدنية العلمانية وجزء من الرأي العام من صدقية خطابها.
وأرجع القيادي السياسي قرار النهضة بإبقاء الغنوشي رئسا لها خلال المؤتمر القادم إلى المخاوف من الانشقاق، نظرا لما يتمتع به من "هالة روحية" في جماعة إسلامية تفاضل البيعة والولاء الروحي على العملية الديمقراطية والولاء السياسي خاصة في ظل غياب أي قيادي يرقى إلى مستوى منافسته.
وخلافا لما تداولته تقارير صحفية، قال القيادي السياسي إن قرارات النهضة سواء منها المتعلقة بشأنها الداخلي أو بالشأن العام تتدارسها مؤسساتها وفي مقدمتها مجلس الشورى، غير أنه أكد بالمقابل أن موقف الغنوشي يبقى هو الموقف الحاسم والكلمة الأخيرة في ظل خلافات تشنج العلاقة بين الجناحين.
ويقول المتخصصون في جماعات الإسلام السياسي إن أداء المؤسسات التنظيمية لتلك الجماعات يكاد يكون لا معنى له من الناحية السياسية أمام النفوذ الروحي الذي يتمتع به زعيمها خاصة إذا كان من المؤسسين والآباء.
ويضيف الأخصائيون أن بيعة قيادات النهضة وكوادرها وقواعدها لإبقاء الغنوشي رئيسا لها يعد إقرارا بأن انشقاقها من عدمه مرتبط شديد الارتباط بمكانته في الأذهان كـ"شيخ ملهم" أكثر مما هو مرتبط بأداء مؤسسات الحركة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer