الأقسام الرئيسية

وقوف الدولة الإسلامية على أسوار بغداد يمنع تحرير الموصل

. . ليست هناك تعليقات:
 
من سوء حظ العاصمة العراقية أن التنظيم الإرهابي يستخدم المزارع القريبة ليضعها تحت تهديد أمني مستمرّ، استحال التعامل معه عسكريا.
 
ميدل ايست أونلاين

فكرة تشييد سور عازل مرفوضة من السنّة
بغداد ـ يشن تنظيم الدولة الإسلامية منذ بداية أبريل/نيسان، هجمات منسّقة ضد قوات الجيش العراقي وعناصر الحشد الشعبي (الشيعي) المكلفة بحماية ضواحي بغداد، وأدت إلى مقتل وإصابة العشرات منهم، بينما حذر مسؤولون عراقيون وقادة أمنيون من انهيار الوضع الأمني في هذه المناطق.
ويقاوم الشيخ عثمان الجنابي مع عائلته المكونة من تسعة أفراد وإخوانه وأقربائه قساوة الأوضاع الأمنية في منطقة اليوسفية جنوب بغداد منذ سنوات. فهذه المدينة التي اصبحت عنوانا بارزا في وسائل الإعلام ليس لاحتضانها مهرجانا شعبيا، أو احتوائها على موقع اثري، بل لأنها ساحة حرب متواصلة لا تنعم بالسلام إلا في أوقات مستقطعة.
ويقول الجنابي عن القضية "في آخر عشر سنوات من حياتي خسرت ولدين وزوجتي ومزرعتي بسبب أعمال العنف، قتل احد أولادي في اشتباكات مسلحة جرت في المنطقة، أما الآخر قتل بانفجار عبوة ناسفة كانت مزروعة في احد الطرق وماتت زوجتي حزنا عليهما، ولم اعد استطيع الزراعة في بستاني، ولكني ارفض مغادرة منزلي الذي بنيته بيدي، ولن اهجر منطقتي التي ترعرعت فيها منذ الصغر".
تقع اليوسفية في ضواحي بغداد الجنوبية مثل مناطق اللطيفية والمدائن وعرب جبور جنوبي بغداد، وابو غريب غربيها، والمشاهدة والطارمية والتاجي شمالا، وتمثل جميعها ما يسمى بحزام بغداد الذي يحيط بها من كل جانب.
وكانت هذه المناطق وما تزال تعيش ظروفا أمنية سيئة منذ سنوات، لكونها ملاذا آمنا للجماعات المسلحة المتشددة، في السابق تنظيم القاعدة وحلفائه من الفصائل السنية العراقية، واليوم تنظيم الدولة الإسلامية.
في الجانب الآخر من شمال بغداد عند منطقة الطارمية، يعيش الأستاذ الجامعي كريم المشهداني منذ عشرين عاما، ويعاني المأساة نفسها التي يعيشها عثمان الجنابي في اليوسفية. فمنطقته غير مستقرة وتخضع لعمليات عسكرية متواصلة منذ سنوات فشلت جميعها في فرض الامن.
ويقول المشهداني إن "القوات الأمنية لا تثق بالسكان وتعتبرهم إرهابيين لان هناك مسلحين يختبئون في المزارع الشاسعة في المنطقة ويهاجمون القوات الأمنية بشكل متواصل، ولكن السكان يدفعون الثمن".
والأسبوع الماضي، حصلت سلسلة تفجيرات انتحارية في منطقتي عرب جبور والرضوانية جنوب بغداد استهدفت مساجد للشيعة أدت الى مقتل وإصابة العشرات، كما حصلت تفجيرات أخرى في منطقة الطارمية شمالي بغداد.
وقال زعيم فصيل "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي في 7 نيسان/ابريل ان "الوضع الأمني شهد في الآونة الأخيرة بعض العمليات التي قام بها داعش في محافظات جنوب العراق ومحيط العاصمة بغداد".
وأضاف خلال كلمة تلفزيونية بعد أيام على مقتل عدد من مقاتلي فصائل الحشد الشعبي في أطراف العاصمة ان "حماية ضواحي بغداد أكثر أهمية من تحرير مدينة الموصل التي تبعد آلاف الكيلومترات عن العاصمة.. الآن الدولة الإسلامية يستخدم الضواحي معسكرا لمئات المقاتلين مع عدد كثير من الانتحاريين والسيارات المفخخة".
ويقول النائب عن كتلة بدر حسن الساعدي إن "داعش بدأ بالعودة الى ضواحي بغداد بعد تعرضه لهزائم في الأنبار وصلاح الدين.. والآن يريد تهديد بغداد وإجبار القوات الأمنية والحشد الشعبي على الانسحاب نحو بغداد وترك الجبهات البعيدة".
مدينة بلا أسوار
وتعتبر بغداد المدينة الوحيدة في العراق التي ليست لها حدود واضحة أو أسوار أمنية محصنة. ومن سوء حظ المدينة ان حدودها الجغرافية ذات طابع زراعي ترتبط بشكل مباشر مع أربع محافظات هي الأنبار وبابل وصلاح الدين وديالى. ويستخدم المسلحون المساحات الشاسعة من المزارع أماكن للاختباء والتخطيط لشن هجمات على مركز العاصمة.
ومن مناطق سبع البور وإبراهيم بن علي والصبيحات في مدينة الفلوجة التابعة لمحافظة الانبار، توجد طرق زراعية خفية مرتبطة مع مناطق التاجي وابو غريب واليوسفية في بغداد.
ومن منطقة جرف الصخر في محافظة بابل، توجد طرق أيضا مرتبطة مع مناطق اللطيفية والمدائن والمحمودية في بغداد. ومن مناطق النباعي والمشاهدة والكسارات في صلاح الدين توجد طرق زراعية خفية ترتبط بمنطقة الطارمية شمالي بغداد.
والمشكلة، ان القوات العسكرية تواجه صعوبة في تأمين المناطق الزراعية في ضواحي بغداد، كما يقول العقيد خضير الخزرجي الذي تعمل وحدته العسكرية عند أطراف بغداد الشمالية.
وقال الخزرجي "منذ أربع سنوات وانا اعمل في ضواحي بغداد، خسرت فيها العديد من جنودي الذين قتلوا بعبوات ناسفة او اغتيالات مباشرة.. المشكلة أن العجلات العسكرية لا تستطيع الدخول الى المناطق الزراعية".
ويضيف الخزرجي "هناك غابات من البساتين في ضواحي بغداد، ويستطيع المسلحون الاختباء لشهور دون أن يعرف احد بهم، ومن هذه المناطق يخططون لشن الهجمات على بغداد".
والمشكلة الأخرى التي يعاني منها الخزرجي هي الطبيعة الديموغرافية للسكان.
ومن المفارقات الغريبة ان الغالبية العظمى من سكان ضواحي بغداد هم من الطائفة السنية، ولهذا يجد المسلحون تعاطفا في هذه المناطق.
ولم تكن مصادفة أن يكون غالبية سكان ضواحي بغداد من الطائفة السنية. فالمسألة بدأت منذ سبعينات القرن العشرين عندما نفذ نظام حزب البعث تغييرا ديموغرافيا في هذه المناطق عندما جاء بآلاف السكان السنة وأسكنهم في هذه المناطق بعد أن كانت منذ عشرات السنين مناطق مختلطة من العشائر السنية والشيعية.
ويقول عباس التميمي الذي يسكن في احد المجمعات السكنية الحكومية في منطقة المحمودية جنوب بغداد ان "الإرهابيين يتحصنون في المناطق السنية للأسف.. نحن لا نتهم جميع السكان السنة بمساعدة الإرهابيين ولكن البعض منهم يتعاون معهم".
ويضيف التميمي ان "الإرهابيين غرباء لا يعرفون المناطق جيدا ولكنهم يحصلون على التعاون من بعض السكان المحليين في معرفة هذه الأمور وينفذون هجمات مسلحة بدقة".
وليست القوات الأمنية العراقية لوحدها التي تواجه صعوبة في فرض الأمن في ضواحي بغداد، بل حتى القوات الأميركية التي كانت موجودة في البلاد قبل سنوات واجهت الصعوبة نفسها.
وتشير ملفات المخابرات العراقية إلى ان القوات الأميركية نفذت نحو خمس عمليات عسكرية كبيرة لفرض الأمن في هذه المناطق أبرزها عملية "شبح الرعد" عام 2007، ولكنها لم تنجح هي الأخرى في فرض الأمن كما يقول ضابط في جهاز المخابرات العراقية طلب عدم الإفصاح عن اسمه.
ويقول الضابط أيضا ان "الملفات الأمنية الاستخباراتية المتعلقة بضواحي بغداد مثيرة جدا، وتشير الى ان القوات الأمنية اعتقلت المئات من قادة التنظيمات المسلحة المتشددة في هذه المنطقة أبرزهم زعيم تنظيم أنصار السنة سابقا، وثلاثة قادة بارزين في تنظيم القاعدة.
وهناك العشرات من الوثائق المهمة التي عثر عليها خلال المداهمات في هذه المناطق، تتضمن خطط هذه التنظيمات وأسماء عناصرها والشفرات التي يتبادلونها وأهدافهم المستقبلية، كما يضيف الضابط.
وبعد الهجوم الواسع الذي شنه تنظيم الدولة الإسلامية صيف 2014 على العراق واستطاع خلاله السيطرة على محافظتي صلاح الدين والانبار ووصل الى ضواحي بغداد، كلّفت الحكومة العراقية آنذاك الفصائل الشيعية في حماية هذه المناطق، ونجحت في منع الدولة الإسلامية من احتلال هذه المناطق ولكن برزت مشكلات أخرى.
إنها المشكلات ذاتها التي يعاني منها العراق منذ سنوات. فالقوات الامنية والفصائل الشيعية عندما تدخل مناطق سنية تحصل مشكلات طائفية، إذ لا تثق هذه القوات بالسكان وتعتبرهم إرهابيين، اما السكان فيخافون من هذه القوات ويعتبرونها طائفية.
ونجحت الفصائل الشيعية خلال السنتين الماضيتين في فرض الأمن في هذه المناطق بالقوة. وحصلت عمليات قتل غير إنسانية ضد السكان من قبل أفراد من هذه الفصائل، وبعد انسحاب بعض وحدات الفصائل الشيعية من هذه المناطق في مارس/آذار بسبب قطع رواتبهم ظهر تنظيم الدولة الإسلامية مجددا.
وغالبا ما تفرض القوات الامنية الامن بالقوة، ولهذا فان الاستقرار الذي تحققه يكون مؤقتا ومعرضا للانهيار في أي لحظة وهي معضلة لم تستطع الحكومة العراقية حلها، لأن أفراد القوات الامنية المحلية في هذه المناطق لا يثق بهم احد، وبعضهم تعاون في السابق مع المسلحين.
أما السكان المحليون فلهم معاناتهم الخاصة. فهم يخشون من دخول المسلحين المتشددين إلى مناطقهم وتهديدهم بالقتل إذا تعاونوا مع القوات الأمنية وفي الجانب الآخر تعتبرهم القوات النظامية متعاونين مع الإرهابيين.
سور بغداد
بعد عشر سنوات من العمليات والخطط العسكرية، تحولت ضواحي بغداد إلى ثكنة عسكرية تعج بآلاف الجنود، بعد ان كانت في السابق مناطق زراعية يطلق عليها السكان "البقرة الحلوب"، لأنها كانت توفر الخضراوات والفواكه ومنتجات الحليب والألبان والدواجن.
وكان البغداديون سابقا يهربون من صخب مدينتهم وضوضائها إلى الضواحي لقضاء بعض الوقت وسط المزارع والبساتين والأجواء النقية، ويكون في استقبالهم سكانها الريفيون أما اليوم فيتجنب البغداديون الذهاب إلى هذه المناطق بسبب خطورتها.
والدخول الى هذه المناطق ليس سهلا، بسبب الإجراءات الأمنية الصارمة، وتنتشر العشرات من نقاط التفتيش التي لا تبعد إحداها عن الأخرى سوى مسافة 500 متر، وعلى الرغم من ذلك ما زالت غير امنة، ولهذا تفكر الحكومة العراقية في بناء سور امني لحماية العاصمة بعد فشل خططها السابقة.
فقد قررت الحكومة العراقية في شباط /فبراير بناء سور امني حول ضواحي بغداد، يتضمن وضع حائط من الحواجز الكونكريتية يعلو 3 أمتار وبجانبه خندق بعمق ثلاث أمتار ايضا، في محاولة جديدة لتأمين بغداد، ولكن الفكرة لم تنفذ.
ويقول المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد سعد معن ان "هناك قوات امنية كافية تنتشر في ضواحي بغداد، ولا يوجد خوف من اختراقها من قبل الدولة الإسلامية، ولكن تحصل في بعض الأحيان بعض الخروقات ولكنها تحت السيطرة".
ويضيف ان "بناء سور امني في هذه الضواحي سيقلص عدد القوات الأمنية الموجودة هناك ويمكن الاستفادة من هؤلاء الجنود في المعارك ضد الدولة الإسلامية.. السور الأمني سيتم تزويده بكاميرات مراقبة سيغلق الطريق أمام الإرهابيين في استخدام طرق خفية لنقل المتفجرات الى مركز العاصمة".
ولا تعتبر فكرة بناء سور امني جديدة، بل ان القوات الأميركية في عام 2006 اقترحت مثل هذه الفكرة لحماية بغداد بعد أن قتل العشرات من جنودها في هذه المناطق، ولكن أحزابا سياسية سنية تخوفت من الفكرة ورفضتها واعتبرت ان السور الأمني سيخلق الطائفية ويقتطع أراضي من محافظتي الأنبار وبابل ويضمها إلى بغداد.
والآن أيضا، ترفض هذه الأحزاب بناء السور الأمني، ولهذا لم تطبق الفكرة التي كانت تتضمن رفع الأسوار الكونكريتية التي تفصل بين المناطق السنية والشيعية داخل العاصمة، ونقلها الى الضواحي. (نقاش)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer