الأقسام الرئيسية

الفيزيائيون فلاسفة أيضًا، عن ازدراء العلماء للفلسفة

. . ليست هناك تعليقات:
الفيزيائيون فلاسفة أيضًا، عن ازدراء العلماء للفلسفة
translated content
التاريخ
08/05/2015
الكاتب
فيكتور شتينجر، جايمز ليندزي، بيتر بوغوسيان
فيكتور شتينجر (1935-2014) أستاذ فخري للفيزياء في جامعة هاواي وأستاذ مساعد في الفلسفة في جامعة ولاية كولورادو. وهو مؤلف الكتاب الاكثر مبيعا من النيويورك تايمزا،God:The Failed Hypothesis: How Science Shows That God Does Not Exist. وأحدث مؤلفاته كتاب God and the Multiverse: Humanity’s Expanding View of the Cosmos. جيمس أ. ليندسي الحاصل على دكتوراه في الرياضيات ومؤلف كتابGod Doesn't; We Do: Only Humans Can Solve Human Challenges و Dot، Dot، Dot: Infinity Plus God Equals Folly. بيتر بوغوسيان هو أستاذ مساعد في الفلسفة في جامعة ولاية بورتلاند وعضو هيئة التدريس التابعة لها في ولاية أوريغون للصحة والعلوم في شعبة الطب الباطني العام. وهو مؤلف من أكثر الكتب مبيعاA Manual for Creating Atheists.
قبل وفاته بوقت قصير في أغسطس الماضي عن عمر يناهز الـ 79، قام الفيزيائي المرموق والمفكر العام فيكتور شتنجر بكتابة مقال لمجلة ساينتفيك أمريكان مع اثنين من المؤلفين المشاركين. في ذلك المقال، قام شتنجر والمؤلفان المشاركان بتناول آخر اندلاع للمنازعة التاريخية الطويلة، ألا وهي الجدال بين الفيزيائيين والفلاسفة حول طبيعة مناهجهم وحدود العلم. هل تستطيع الأدوات والتجارب (أو المنطق المطلق والنماذج النظرية) أن تكشف الطبيعة المطلقة للواقع؟،  هل يستطيع الانتصار الحديث للفيزياء أن يجعل الفلسفة مهملة؟، ما هي الفلسفة التي يتبناها علماء الفيزياء الحديثة، إن وجدت؟. يقوم شتنجر والمؤلفان المشاركان بطرح ومناقشة كل هذه الأسئلة العميقة في هذا المقال المدروس، ويسعى لمعالجة الانقسام المتزايد بين مدرستي الفيزياء والفلسفة العظيمتين. يكتب شتنجر أنه عندما يقوم الفيزيائيون بطرح مزاعم بشأن الكون، فإنهم يقومون بالمشاركة في تقليد فلسفي كبير يرجع أصله إلى آلاف السنين. بالتأكيد، العلماء يعدون فلاسفة أيضًا. وفيما يلي نورد المقال الأخير لـشتنجر كاملاً. (ملحوظة المحرر)

في إبريل 2012، تم الضغط بشدة على الفيزيائي النظري وعالم الكونيات والكاتب الأكثر مبيعًا لورنس كروس في مقابلة مع روس أندرسن لموقع «ذا أتلانتك» بعنوان «هل أدت الفيزياء إلى إهمال الدين والفلسفة؟». كان رد كروس على هذا السؤال مفزعاً للفلاسفة لأنه قال: «كانت الفلسفة مجالًا ليس له أي محتوى»، وتابع قائلاً:
«للأسف، الفلسفة مجال يذكرني بتلك الدعابة القديمة التي قالها وودي آلن،«أولئك الذين لا يستطيعون أن ينتجوا، يدرسون، وأولئك الذين لا يستطيعون التدريس، يصبحون مدرسي لياقة بدنية». وأسوأ جزء في الفلسفة هو فلسفة العلم؛ لا أستطيع أن أفكر في قارئين آخرين لأعمال فلاسفة العلم غير فلاسفة العلم الآخرين. ليس لها أي تأثير على الفيزياء مطلقًا وأشك في أن الفلاسفة الآخرين يقومون بقراءتها لأنها مليئة بالتفاصيل العلمية. وبناءً على ذلك فإنه من الصعب جدًا أن نفهم ما يبررها. ومن ثم أود أن أقول أن هذا التوتر يحدث لأن الفلسفة تشعر الناس بأنهم مهددون ولديهم كل الحق في أن يشعروا بالتهديد، لأن العلم يتطور والفلسفة لا تتطور».
في وقت لاحق من ذلك العام، أجرى كراوس مناقشة ودية مع الفيلسوف جوليان باجيني لصالح «ذا أوبزرفر»، وهي مجلة إلكترونية تابعة لصحيفة الجارديان. على الرغم مما ظهر من الاحترام الكبير للعلم والاتفاق مع كراوس ومعظم علماء الفيزياء وعلماء الكونيات الآخرين على أنه ليس هناك «المزيد في الكون لنعرفه أكثر من المتعلق بالعلوم الطبيعية»، وتذمر باجيني بشأن أن كراوس يبدو مشاركًا بعض «طموحات العلم الأمبريالية». وعبر باجيني عن رأي عام بقوله: «هناك بعض قضايا الوجود الإنساني التي ليست علمية فقط. فعلى سبيل المثال، لا أدرك كيف تستطيع مجرد الحقائق المطلقة أن تحسم جدلية ما هو صحيح أم خطأ أخلاقيًّا».
هناك بعض قضايا الوجود الإنساني التي ليست علمية فقط. فعلى سبيل المثال، لا أدرك كيف تستطيع مجرد الحقائق المطلقة أن تحسم جدلية ما هو صحيح أم خطأ أخلاقيًّا.
لا يرى كراوس الأمور بهذه الطريقة، بل كان يميز بين «تلك الأسئلة التي نستطيع الإجابة عليها والأخرى التي لا نستطيع إجابتها»، وتلك التي نستطيع الاجابة عليها تقع معظمها في «مجال المعرفة التجريبية، وتعرف أيضًا باسم العلم». أما بالنسبة للمسائل الأخلاقية، فيزعم كراوس أنها يمكن الاجابة عنها فقط بـ«المنطق، الذي بدوره مبني على الأدلة التجريبية». لا يستطيع باجيني أن يرى كيف يمكن لأي «اكتشاف واقعي أن يقوم بتسوية مسألة الحق والباطل».
ومع ذلك، يعرب كراوس عن تعاطفه مع موقف باجيني قائلًا، «أعتقد أن النقاش الفلسفي يمكن أن نصل منه ،إلى صناعة القرار عن طريق وسائل كثيرة مهمة، وذلك بالسماح بالانعكاس على الحقائق، ولكن المصدر الوحيد للحقائق في نهاية المطاف هو عبر الاستكشاف التجريبي».
أزعجت مقابلة «ذا أتلانتك» الكثير من الفلاسفة المرموقين، بما في ذلك دانيال دينيت من جامعة تافتس الذي كتب ،إلى كراوس. ونتيجة لذلك، كتب كراوس شرحًا أكثر دقة من موقفه الذي تم نشره في مجلة «ساينتفيك أمريكان» في عام 2014 تحت عنوان «التعزية في الفلسفة». وكان في تلك المقال أكثر سخاءً تجاه مساهمة الفلسفة في تخصيب فكره الخاص، بالرغم من احتفاظه بجزء من رأيه الأساسي:
«بكوني فيزيائي متمرس، أنا، ومعظم الزملاء الذين ناقشت هذه المسألة معهم، قد وجدنا أن المضاربات الفلسفية حول الفيزياء وطبيعة العلم ليست بالضرورة مفيدة، وكانت عديمة أو قليلة التأثير على التقدم في مجال عملي. حتى في العديد من المجالات المرتبطة بما يمكن تسميته فلسفة العلم، فقد وجدت انعكاسات علماء الفيزياء أكثر فائدة».
كراوس ليس وحده من بين علماء الفيزياء في ازدرائه للفلسفة. في سبتمبر 2010، أطلق علماء الفيزياء ستيفن هوكينج وليوناردو ملودينوف طلقة سمع دويها في العالم كله، وليس فقط في العالم الأكاديمي. على الصفحة الأولى من كتابهم، «التصميم العظيم» (The Grand Design) كتبوا: «ماتت الفلسفة»؛ لأن «الفلاسفة لم يواكبوا التطورات الحديثة في العلوم، ولا سيما الفيزياء. أصبح العلماء حاملي شعلة الاكتشاف في رحلتنا للسعي إلى المعرفة».
الفلاسفة لم يواكبوا التطورات الحديثة في العلوم، ولا سيما الفيزياء. أصبح العلماء حاملي شعلة الاكتشاف في رحلتنا للسعي إلى المعرفة.
ترد الأسئلة التي لم تعد الفلسفة قادرة على التعامل معها (إن كانت قد تعاملت معها أبدًا). فيما يلي: كيف يتصرف الكون؟، ما هي طبيعة الواقع؟، من أين أتى كل هذا؟، هل الكون بحاجة إلى خالق؟. وفقًا لهوكينج وملودينوف، فقط العلماء، وليس الفلاسفة، بإمكانهم أن يوفروا الإجابات.
وقد انضم عالم الفيزياء الفلكية الشهير ومعمم العلوم نيل ديجراسي تايسون إلى النقاش. في مقابلة بإذاعة «ذا نيردست» في مايو 2014، أوضح تايسون: «ما يقلقني هنا هو أن الفلاسفة يعتقدون أنهم في الواقع يطرحون أسئلة عميقة حول الطبيعة. وبالنسبة للعلماء فإنهم يتسائلون: «ماذا تفعلون؟، لماذا تهتمون بمعنى المعنى؟». وكانت رسالته العامة واضحة: العلم يتطور، الفلسفة تبقى غارقة، ليس لها فائدة ولا تأثير.
ومما لا داعي لذكره أن تايسون قد تعرض أيضًا لانتقادات شديدة بسبب آرائه. من الممكن توضيح موقفه بشدة عن طريق مشاهدة فيديو لظهور له في منتدى بجامعة هوارد في عام 2010، حيث كان على المسرح مع عالم الأحياء ريتشارد دوكينز. حجة تايسون واضحة ومباشرة وهي نفسها التي عبر عنها كراوس: زعم الفلاسفة من زمن أفلاطون وأرسطو أن المعرفة بالعالم يمكن الحصول عليها عن طريق التفكير النقي وحده. كما أوضح تايسون، لا يمكن الحصول على هذه المعرفة من قبل شخص بمجرد الجلوس على كرسي. يمكن فقط اكتساب هذه المعرفة عن طريق الملاحظة والتجربة. وكان ريتشارد فاينمان قد عبر عن رأي مماثل حول «فلاسفة الكراسي». وافق دوكينز تايسون، لافتًا الانتباه، إلى أن الانتقاء الطبيعي تم اكتشافه من قبل اثنين من علماء الطبيعة، تشارلز داروين وألفريد راسل والاس، اللذين كانا يعملان على جمع البيانات الميدانية.
ما نراه هنا ليس ظاهرة حديثة. في كتابه المنشور عام 1992 «أحلام لنظرية نهائية» (Dreams of a Final Theory)، الحائز على جائزة نوبل، كتب ستيفن واينبرج فصلًا كاملًا بعنوان «ضد الفلسفة». وفي إشارة، إلى الملاحظة الشهيرة للحائز على جائزة نوبل للفيزياء، يوجين فيغنر، عن «الفعالية المفرطة للرياضيات، يحتار واينبرج بشأن «عدم الفعالية المفرطة للفلسفة».
لا يقوم واينبرغ بإهمال الفلسفة بشكل تام، ولكن فقط فلسفة العلوم، مشيرًا إلى أن مناقشاتها الغامضة لا تحظى باهتمام عدد كبير من العلماء. ويشير إلى المشاكل مع الفلسفة الوضعية، على الرغم من أنه يوافق على أنها لعبت دورًا في التنمية المبكرة لنظرية النسبية وميكانيكا الكم. ولكنه يزعم أن الفلسفة الوضعية قد تسببت بضرر أكثر من المنفعة. ومع ذلك، أوضح أن: «التركيز الوضعي على الأشياء التي يمكن ملاحظتها، مثل أوضاع الجسيمات والعزم، أعاقت طريق التفسير الواقعي لميكانيكا الكم، حيث الدالة الموجية هي الممثل للحقيقة الملموسة».
ربما كان الفيلسوف الوضعي الأكثر تأثيرًا هو الفيلسوف والفيزيائي الراحل إرنست ماخ في أواخر القرن الـ19، الذي رفض قبول النموذج الذري للمادة لأنه لا يمكن أن نرى الذرات. اليوم يمكننا أن نرى الذرات بمجهر المسح النفقي، ولكن لدينا نماذج لا تزال تحتوي على مكونات غير مرئية مثل الكوارك. لا يأخذ الفلاسفة وكذلك علماء الفيزياء الفلسفة الوضعية على محمل الجد، ولم يعد لها أي تأثير على الفيزياء، سواء بالإيجاب أو بالسلب.
ومع ذلك، فإن معظم الفيزيائيين يتفقون مع كراوس وتايسون في مسألة أن الملاحظة هي المصدر الوحيد الموثوق به للمعرفة عن العالم الطبيعي. يميل البعض، وليس الكل، نحو الذرائعية، وهي أن النظريات هي مجرد أدوات مفاهيمية لتصنيف وتنظيم وتوقع البيانات الرصدية. ويمكن أن تشمل هذه الأدوات المفاهيمية الأشياء غير الملحوظة مثل الكواركات.
حتى وقت قريب جدًا في التاريخ، لم يتم التمييز بين الفيزياء والفلسفة الطبيعية. يعتبر «تاليس ميليتس» (Thales of Miletus) (حوالي 624-546 ق.م.) الفيزيائي الأول وكذلك الفيلسوف الأول على الطراز الغربي. سعى تاليس نحو التفسيرات الطبيعية للظواهر التي لم تكن مستندة إلى الأساطير. على سبيل المثال، أوضح تاليس أن الزلازل هي نتيجة لاستناد الأرض على المياه التي تحدث موجات فتهتز الأرض. لقد استنتج ذلك من الملاحظة، وليس محض الفكر: تحاط الأرض بالمياه، ولاحظ أن القوارب تهتز في المياه من الموجات. على الرغم من أن تفسير تاليس للزلازل لم يكن صحيحًا، فإنه كان يعتبر تحسنًا عن الأساطير التي زعمت أن سبب الزلازل هو الإله بوسيدون الذي يقوم بضرب الأرض بشوكته الثلاثية.
اشتهر تاليس بتنبئه بكسوفٍ للشمس، استطاع علماء الفلك الحديثين تحديد حدوثه في أنحاء آسيا الصغرى يوم 28 مايو، 585 ق.م. ومع ذلك، يشك معظم المؤرخين اليوم في حقيقة هذه القصة. وكانت مساهمة تاليس الأكثر أهمية هي اقتراح أن تكون جميع المواد المادية مكونة من مادة بدائية أساسية، وهي المياه. وفي حين كون تاليس (على نحو عقلاني) مخطئًا بشأن كون المياه المادة البدائية الأساسية، يمثل اقتراح تاليس المحاولة الأولى المسجلة -على الأقل في الغرب- لشرح طبيعة المادة دون ذكر الأرواح الخفية.
تاليس وغيره من الفلاسفة الأيونيين الذين تبعوه تبنوا وجهة نظر للواقع تسمى اليوم بالوحدة المادية، حيث كل شيء مكون من المادة ولا شيء غير ذلك. لا تزال وجهة النظر هذه هي السائدة بين علماء الفيزياء، الذين لا يجدون حاجة لإدخال عناصر خارقة للطبيعة في نماذجهم، والذين توصف كل ملاحظاتهم حتى الآن بالنجاح.
تشكل الصدع الذي كان يشير له تايسون عندما بدأت الفيزياء والفلسفة الطبيعية في التباعد لتصبح تخصصات منفصلة في القرن الـ17 بعد أن عرض جاليليو ونيوتن المبادئ التي تصف حركة الأجسام. استطاع نيوتن أن يستنتج قوانين حركة الكواكب من المبادئ الأولى التي اكتشفها كبلر سابقًا. أظهر التنبؤ الناجح لعودة مذنب هالي في عام 1759 مدى قوة هذا العلم الجديد للجميع.
فتح نجاح الفيزياء النيوتونية آفاقًا للموقف الفلسفي الذي أصبح يعرف باسم الكون المنتظم، أو العالم النيوتوني الآلي. ووفقًا لهذا المخطط، تحدد قوانين الميكانيكا كل ما يحدث في العالم المادي. على وجه الخصوص، لا يوجد مكان للإله الذي يلعب دورًا نشطًا في الكون. كما بيّن عالم الرياضيات والفلك والفيزياء الفرنسي بيير لابلاس، كانت قوانين نيوتن في حد ذاتها تكفي لتفسير حركة الكواكب على مر التاريخ. وهو ما أدى به إلى اقتراح فكرة متطرفة رفضها نيوتن وهي أنه لا يوجد حاجة إلى أي شيء بجانب الفيزياء لفهم الكون المادي.
في حين تم إبطال نموذج الكون المنتظم بتطبيق مبدأ الشك لهايزنبرج لميكانيكا الكم، لا تزال ميكانيكا الكم مستعصية التفسير فلسفيًّا. فبدلًا من أن نقول أن الفيزياء تتفهم الكون، من الدقيق بشكل أكبر أن نقول إن نماذج الفيزياء ما زالت كافية لوصف العالم المادي كما نلاحظه بالعين المجردة والأدوات.
في الجزء القادم من المقال سنبدأ في الحديث عن دور الفلسفة في النظرية النسبية وميكانيكا الكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer