مسجد جلال في مدينة بن قردان ما يزال شاهدا على أسوإ هجوم إرهابي تتعرض له
المدينة التونسية القريبة للحدود مع ليبيا. أهالي المدينة يحاولون إستعادة
حياتهم الطبيعية تدريجيا بعد أن أبلوا في إفشال مخطط "إمارة داعش" في
مدينتهم.
يتوافد المصلون على مسجد جلال قبالة الثكنة العسكرية في مدينة بن
قردان(جنوب تونس) بشكل طبيعي بينما لا تزال آثار الرصاص بادية على جدران
صومعته بعد نحو أسبوع من مواجهات مسلحة غير مسبوقة في المدينة.وفي هذا المسجد بالذات أدى العشرات من مسلحي تنظيم "الدولة الاسلامية" صلاتهم الأخيرة فجرا قبل أن يعطوا إشارة البدء في الهجوم على ثلاث مقرات أمنية وعسكرية بشكل متزامن مع سلسلة اغتيالات عبر مداهمات لمنازل أمنيين في المدينة التي لا تبعد سوى 25 كيلومترا على الحدود مع ليبيا.
بن قردان تستعيد نسق الحياة تدريجيا
وربما ساورت بعض سكان بن قردان مخاوف بان مدينتهم كانت في طريقها تحت وطأة الهجوم المفاجئ لأن تلقى ذات المصير الذي عرفته مدنا عربية في العراق وسوريا وفي البلد المجاور ليبيا، غير ان رد الفعل السريع لقوات الجيش والأمن وانتفاضة السكان أحبطت جميعها مخطط "داعش" في أول اختبار قوة لها على أرض تونس.
وبعد أسبوع عاصف من المواجهات في الشوارع تبدو المدينة اليوم أكثر قوة وصمودا مع استعادة الشوارع الرئيسية لحركيتها، فيما فتحت المتاجر أبوابها وعادت عجلة الاقتصاد تدريجيا إلى نسقها الطبيعي، لكن حظر التجوال الليلي ما زال قائما والحذر والحيطة تسيطر على تحركات السكان. بينما شكلت وحدات عسكرية وأمنية طوقا حول المدينة وتتمركز في أغلب الطرق والشوارع تحسبا لتسلل فلول الارهابيين إلى خارج المدينة.
ويوضح عبد السلام الرقادي الناشط بالمجتمع المدني في بن قردان لـDW عربية إن الوضع العام في المدينة يتجه إلى الاستقرار، لكن الحذر يظل قائما إذ أن دوي اطلاق النار ما زال يسمع بشكل متقطع ما يؤكد تحصن عدد من المسلحين في مخابئ بعد ان تم تضييق الخناق حولهم.
الكل يشارك في معركة بن قردان
ويتفق الكثير من المحللين في تونس على أن الديمقراطية الناشئة في بلادهم أحدثت مرة أخرى الفارق في المنطقة، ليس فقط في تحجيم طموح "داعش" ولكن الصور التي يتناقلها الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي تبرز أمرا غير مألوف في معارك الشوارع التي دأب العالم على مشاهدتها في حروب الشرق الأوسط.
اذ تدور أغلب عمليات مكافحة الارهاب والمواجهات المسلحة وإيقافات المسلحين المختبئين بحضور واسع لسكان المدينة، وفيهم من يدل قوات الأمن والجيش إلى معاقل الارهابيين وفيهم من يرشد وبعضهم يلتقط الصور وآخرون يشجعون ويطلقون الهتافات.
وعلى الرغم من سقوط عدد غير قليل من الضحايا في المواجهات، حيث بلغ 13 أمنيا وعسكريا وسبعة مدنيين مقابل 49 عنصرا ارهابيا، فإن الأجواء المرافقة للأحداث لا تعكس بالمرة الهالة المعتادة التي رافقت "فتوحات"داعش في أماكن أخرى بالمنطقة وأقربها بليبيا حيث يتحصن "داعش" في معسكرات بمدينة صبراتة القريبة من الحدود التونسية.
ويوضح مصطفى عبد الكبير الخبير الأمني في مدينة بن قردان لـDW عربية بأن ما حصل في المدينة يحمل بوادر مشجعة على اتجاه المعركة ضد الارهاب وضد خطر "داعش"، إذ أن العالم يتحدث اليوم عن فشل التنظيم المتطرف في منطقة صغيرة ببن قردان على الرغم من نجاحاته الكبرى التي حققها في مناطق أخرى شاسعة بذات الوسائل التي استخدمها في بن قردان.
ويمضي عبد الكبير في تحليله لنتائج احداث بن قردان قائلا "كشفت المعركة عن طريقة عفوية في معارك الشوارع التي خاضها الجيش والأمن والمواطنين معا. كما كشفت عن جاهزية عالية ومطمئنة للقوات الأمنية والعسكرية فضلا عن توفر المعلومة من المواطنين وهذا بحد ذاته شكل عنصرا فعالا في كسب المعركة".
لكن مع ذلك يعتبر عبد الكبير وعدد آخر من الخبراء بأنه من السابق لأوانه اعتبار معركة بن قردان حاسمة. فحتى الآن لم تكشف التحقيقات كيف تسلل الارهابيون إلى المدينة الصغيرة بالعشرات وكيف نجحوا في تكديس الأسلحة في مخابئ استعدادا للحظة الصفر وكيف لم يتم التفطن إلى تحركاتهم على الرغم من وجود تسريبات استخباراتية قبل فترة تشير إلى وجود مخطط لتحويل بن قردان إلى إمارة إسلامية خاصة بعد عملية صبراتة الليبية (تبعد 75 كيلومترا على الحدود مع تونس) التي كانت تحضر لإسناد الهجوم.
وفي حديثه مع DW عربية يوضح المحلل السياسي شريف الزيتوني من المنطقة، بأن أغلب المسلحين في الهجوم هم من أبناء الجهة لكن ذلك لا يعني ان بن قردان تمثل حاضنة للإرهاب اذ أن هناك فيما يبدو مسلحين توافدوا في فترات متباعدة من مناطق أخرى على المدينة.
ويفسر الزيتوني بأن "الاعتقاد كان سائدا لدى هؤلاء بأنه سيسهل استقطاب المواطنين عبر اللعب على ملفات التنمية والفقر والتهميش الحكومي للمنطقة. لكن ثبت أن غالبية أهالي بن قردان لا يساومون مع الوطن".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات