الأقسام الرئيسية

د.محمد البرادعى يكتب: سنوات الخداع (29)

. . ليست هناك تعليقات:

  October 14th, 2012 10:12 am


29
 
 
اقترحت على سولانا أن يعقد لقاء منفردا مع لاريجانى يتم خلاله الاتفاق على أربعة مبادئ تكون إطارا عامًّا يسير فيه التفاوض، الأول: أن تقوم إيران بوقف التخصيب خلال المفاوضات. والثانى: أن يقوم الأوروبيون والأمريكيون بوقف العقوبات المقررة من قِبل مجلس الأمن خلال تلك الفترة. والثالث: تأكيد حق إيران وفقا لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية فى استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية فى إشارة إلى أن وقف التخصيب ليس دائما. ورابعا: احترام سيادة إيران واستقلالها السياسى. وفى حال ما تم الاتفاق على ذلك يمكن لوزراء خارجية مجموعة الـ«5+1» أن يجتمعوا ويعلنوا أن هذه المبادئ هى أساس المفاوضات.

وقد بدا لى أن ذلك يوفر مَخْرجا مشرفا لكل من الإيرانيين بحيث يكون بإمكانهم أن يقولوا إن الوقف هو لفترة المفاوضات فقط، وللأمريكيين بحيث يمكنهم القول بأنهم يحضرون الاجتماع بعد أن تأكدوا من موافقة إيران. وكنت مقتنعا بأهمية مشاركة رايس فى الحوار كدليل على الجدية.. ولتحفيز إيران.

وتحدثتُ فى الأمر مع لاريجانى قبل أن يقرر هو وسولانا الالتقاء فى سبتمبر. وتحدثت فيه أيضا مع أنان الذى كان يعتزم القيام بزيارة لطهران فى نفس الوقت تقريبا.

كانت إيران تلتزم بضبط النفس. ولم تكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد لاحظت وجود تقدم كمى أو كيفى يُذكر فى برنامج إيران للتخصيب أكثر من المئة والأربعة والستين جهاز طرد التى كانت موجودة من قبل. وكانت المواد النووية تُستخدم من حين إلى آخر لفترات قصيرة، ولم تكن تلك هى الطريقة المناسبة لاكتساب خبرات التخصيب لو كان ذلك هو هدف الإيرانيين حقًّا. ولم نتمكن من معرفة ما إذا كان هذا التقدم البطىء راجعا إلى مشكلات فنية أم إلى خيار سياسى. لكن برنامج إيران كان على أى حال لا يزال فى مراحله الأولية.

وفى 5 سبتمبر اتصلت بى كوندوليزا رايس لتسأل عن مجموعة المبادئ التى أبلغها بها السفير شولتى. قلت لها إن إيران لا تستطيع أن تقبل وقف التخصيب كشرط مسبق لأن ذلك فى نظرهم بمثابة انتحار سياسى. كما أنهم سيحتاجون إلى بيان ما بشأن أمن إيران. قالت: «إن ذلك يبدو شبيها بما فعلناه مع كوريا الشمالية»، الأمر الذى فسرته بأنها على استعداد لبحث المبادئ الأربعة، وهو ما كان يمثل تغيرا فى الموقف الأمريكى الذى لا يتزعزع حول التخصيب الإيرانى. ثم قالت إنه «قد تكون هناك صعوبة فى إعطائهم ضمانات أمنية». قلت: «ليكن إعلانا لحُسن النوايا إذن». ووافقت رايس على الأقل على أن تفكر فى الأمر، ثم عادت وقالت: «أنت تعلم أننا لا نستطيع أن نجلس مع إيران حتى يصبح الوقف ساريا، وربما استطاع الأوروبيون، وربما يكون معهم الروس والصينيون، أن يجتمعوا بهم أولا. وبعد إصدار إعلان المبادئ والتحقق من الوقف تستطيع الولايات المتحدة أن تنضم إليهم».

وبينما كنت متوجها لإنجلترا لزفاف ابنتى ليلى، اتصل بى السويدى بيتر كاستنفلت ليخبرنى بأنه يريد أن يتحدث معى «للضرورة القصوى»، وبالفعل وصل إلى الفندق حيث كانت أسرتا العروسين قد اجتمعتا من القاهرة ونيويورك وبلاد أخرى كثيرة، وبينما نحن نستعد للعشاء، وصل ليتحدث معى حول إيران؛ ولم تكن ليلى بالطبع سعيدة بذلك وقالت لى إنها تأمل أن يكون لديه شىء هام للغاية يستدعى أن يفسد هذا التجمع العائلى.
وجلست إلى كاستنفلت الذى كان قد جاء لتوه من طهران، وكان يستمع إلىَّ أكثر مما يتحدث، وسألنى إذا ما كان يمكن أن يقوم الإيرانيون بوقف جزئى للتخصيب. قلت له إن هذا صعب، وإن عليه أن يبلغ الإيرانيين بأن الوقت آخذ فى النفاد. وقلت له إنه لو لم يتم الاتفاق، فإن الولايات المتحدة والأوروبيين سيذهبون إلى مجلس الأمن ليطلبوا المزيد من العقوبات، وإنه حتى لو جاءت هذه العقوبات مخففة، فإن طهران ستضطر إلى الرد، وسيدخل الأمر فى سلسلة من الفعل ورد الفعل، وربما يصل إلى المجابهة، دون التوصل إلى حل، وكان كاستنفلت يدون بعض الملحوظات مما كنت أقوله له.. ثم انصرف.

وفى الثامن من سبتمبر، احتفلنا بزواج ابنتى ليلى لشاب بريطانى مسلم هو نييل بيزى. وكانت لحظات رائعة، ذكّرتنى بعبارة قلتها لدى تسلمى جائزة نوبل للسلام، وأثّرت فى ليلى إلى درجة البكاء، حيث أشرت إلى أننى أشعر بالسعادة أن ابنى وابنتى لا يتعاملان مع الناس من منظور اللون ولا الجنسية، ولكنهما يتعاملان مع الناس بوصفهم بشرا متساوين. كما تذكرت أيضا القلق الذى كانت ليلى تستشعره وهى تحاول أن تقدم لى نييل بوصفه الرجل الذى تعتزم الزواج منه، وفى إطار ما كانت تعرفه بأننى كنت أتمنى بصورة أو أخرى أن تتزوج مصريّا، لكنها حصلت على موافقتى ودعائى بالسعادة؛ لأننى كنت مؤمنا بأننا جميعا من أسرة إنسانية واحدة، بغض النظر عن اختلاف الثقافات.

وفى نفس هذا اليوم، كان سولانا ولاريجانى يلتقيان فى ڤيينا فى اجتماع وصفه لاريجانى فى ما بعد بأنه اجتماع إيجابى، باستثناء أن أمر وقف تخصيب اليورانيوم بقى العقبة الأساسية التى كان لاريجانى يعلم تماما صعوبة التعاطى معها نتيجة تخوف بعض الدوائر السياسية فى إيران من العقبات السياسية الدولية الكبيرة التى يمكن أن تواجههم إذا ما أرادوا استئناف عملهم فى دورة الوقود النووى بعد موافقتهم على وقف التخصيب.

وفى ما بعد اقترحت، لتسهيل الأمر على لاريجانى، أن يكون الحديث عن وقف التخصيب فى سياق أوسع يشمل حصول إيران على مفاعلات طاقة للاستخدامات السلمية من الغرب، واحترام حقوق إيران وفقا لمعاهدة حظر الانتشار، أو أن يتم وقف التخصيب فعليّا دون الحاجة إلى الإعلان عنه. وكان من الواضح أنه يشعر بالإحباط ويحاول الوصول إلى حل مبتكر للمسألة، وقال إنه تحدث فى كثير من هذه الأمور مع سولانا.

وأصر لاريجانى على أنه فى حالة موافقة إيران على تعليق أى أنشطة خاصة بدورة الوقود النووى، فإن الجهة الوحيدة التى ستقرر مدى التزام إيران بما يتم الاتفاق عليه من عدمه هى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على الرغم من مطالبات الأوروبيين بأن يكون للدول المتفاوضة رأى سياسى فى ما إذا كانت إيران قد حققت القدر اللازم من الثقة بها. ولكن لاريجانى لم يكن مستعدّا على الإطلاق لمناقشة هذا الأمر، وإن كان منفتحا على نقاش حول الأوضاع الإقليمية مثل العراق وأفغانستان ولبنان، وهو ما كان يرغب فيه الأوروبيون أيضا.
من ناحيته، كان سولانا يريد أن يعرف ما قاله لى لاريجانى، وكان يعلم أن النتيجة التى وصل إليها غير مُرضية للأمريكيين. والحقيقة أن سولانا كان فى وضع صعب؛ لأن لديه ست دول تُلح عليه كلٌّ فى تفصيلة ما. وفى النهاية حاول سولانا أن يجمع الجميع حول قاسم مشترك كان بالضرورة أقل ما يمكن التفاوض عليه. ومن جانبى، اقترحت عليه إعادة صياغة المقترح المقدم إلى إيران بصورة أكثر إحكاما ليتركز حول عنصرين؛ أحدهما يتعلق بالبرنامج النووى لإيران وحقوقها وواجباتها القانونية ذات الصلة ومسألة وقف التخصيب. والثانى يتعلق بالالتزام بالتفاوض حول جملة من القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية، بما فى ذلك إعلان حُسن النوايا من جانب الأمريكيين بما يدل على أن إيران لن تواجَه بمحاولات لتغيير النظام فيها، أو استخدام القوة ضدها، وعرضت على سولانا تقديم أى مساعدة من ناحيتى قد يراها مفيدة. وفى التاسع عشر من سبتمبر، التقت رايس مع باقى وزراء خارجية مجموعة الست، وأخبرونى بأنهم سيمنحون إيران فرصة حتى أوائل أكتوبر للاتفاق حول كيفية وقف التخصيب كجزء من عملية التفاوض. وكان من المفترض أن تبدأ المحادثات دون الولايات المتحدة، وأن يتزامن وقف إيران للتخصيب مع وقف العقوبات المفروضة من مجلس الأمن، على أن يعقب ذلك دخول الولايات المتحدة الأمريكية على خط التفاوض. ورغم أن جريدة «الواشنطن بوست» قالت إن الأوروبيين بذلك يمنحون إيران مهلة للمرة الرابعة فى أربعة أشهر. وكان هذا صحيحا فى الواقع، إلا أن ذلك كان يرجع فى الحقيقة إلى عدم رغبة، أو عدم قدرة، أىٍّ من الطرفين بدرجة كافية على الوصول إلى حل وسط.

ومع نهاية سبتمبر؛ خلال المؤتمر العام للوكالة، عقدتُ اجتماعا مع نائب الرئيس الإيرانى والمسؤول عن الطاقة النووية فى إيران غلام آغازاده؛ الذى كان الشخص الوحيد الذى عاصر الموضوع منذ بدايته الذى لا يزال باقيا فى منصبه على الجانب الإيرانى. ولم يكن الاجتماع سلسا، لأن آغازاده كان مستاء من أن تقارير الوكالة لم تعبر عن التقدير لتعاون بلاده معها عبر أربع سنوات، وهو ما اضطرنى إلى الرد عليه بالحديث عن التناقضات التى كثيرا ما شابت المواقف الإيرانية، والمعلومات المقدمة من قِبل طهران، فضلا عن الأسئلة المعلقة التى لا تزال دون إجابة. وعقب ذلك، بعث لى آغازاده بخطاب شخصى غريب، مشيرا إلى أنه يرسل لى هذا الخطاب بوصفه صديقا. وفى هذا الخطاب، أعرب المسؤول الإيرانى عن اعتقاده بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تعتزم أبدا إغلاق الملف الإيرانى، مشيرا إلى أن التعاون الإيرانى مع الوكالة قُوبل بمزيد من الأسئلة من قِبل مفتشى الوكالة. وقال آغازاده إننى لا أحظى بتقدير كبير فى أوساط القيادة الإيرانية، واختتم بأنه لا ينتظر منى ردّا على هذا الخطاب. ولم تكن لهجة الخطاب مبشرة بأى خير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer