فرح المسلمون في مدينة ستراسبورغ الفرنسية بتدشين مسجدهم الكبير يوم الخميس بحضور ممثلين عن الديانتين المسيحية واليهودية. وفرحت السلطات المحلية بإتمام مشروع من شأنه تعزيز الصلة والروابط بين مواطني المنطقة.
"وأخيرا تحقق الحلم..." عبد الله بوصوف تحدث
إلينا في هذا اليوم (الخميس) المشرق والدموع تغمر عينيه، فهو بالكاد يصدق
بأن الحلم أصبح حقيقة. فرحته كانت عارمة وفخره كبيرا بين مواطنيه الفرنسيين
وإخوانه المسلمين بمدينة ستراسبورغ (نحو 500 كلم شرقي باريس) الذين
توافدوا لحضور تدشين المسجد الكبير. يتحدث عبد الله بهدوء، مستمتعا بهذه
اللحظات الجميلة، مسترجعا ذكرياته بانفعال جلي.
نساء يتبرعن بما يملكن من ذهب وفضة لتمويل أولى خطوات المشروع
يقول إن المشروع بدأ قبل 30 عاما يومها كان طالبا
مغربيا في العشرين من عمره، لينجز وهو في الخمسين. بوصوف، الذي أصبح في
2007 رئيسا لمجلس الجالية المغربية في الخارج، كان على رأس اتحاد جمعيات
إسلامية تفرغت لمشروع لعبت فيه نساء ستراسبورغ المسلمات دورا رئيسيا، حيث
أنهن تبرعن بما كن يملكن من ذهب وفضة لتمويل أولى خطوات البناء.
وعلى غرار عبد الله بوصوف، يرى مسلمو هذه المنطقة في
إنجاز مشروع مسجد ستراسبورغ الكبير تعويضا تاريخيا معنويا لطول انتظارهم
وكثرة تشردهم. فازداد اعتزازهم واطمأنت ضمائرهم وهو يتأملون هذه التحفة
المعمارية التي صممها المهندس الإيطالي باولو برتوغيزي، مصمم مسجد روما.
بناية جميلة حديثة بدون أعمدة، قبتها نحاسية ترتفع إلى 20 مترا، مزينة
بزخارف داخلية أنجزها نحو 500 عامل جاءوا من مدينة فاس المغربية.
تضامن اليهود والمسيحيين مع المسلمين
مسجد بداخله قاعة صلاة تبلغ مساحتها 1050 مترا مربعا
تتسع لنحو 1500 مصل. وكلفته تعدت 10 ملايين يورو دفع المغرب حصة قدرت بنحو 4
ملايين يورو وساهمت السعودية بـ 900 ألف يورو والكويت بـ 500 ألف يورو،
فيما وصلت تبرعات المواطنين إلى مليونين ونصف المليون يورو، وأنفقت السلطات
المحلية نحو مليوني يورو.
ولأن المبنى بسيط منسجم تماما في المشهد العام
التقليدي لمدينة ستراسبورغ ولمنطقة الألزاس، أعربت السلطات المحلية عن
فخرها لمشاركتها ماديا في المشروع، آملة في أن يساهم ذلك في تعزيز الصلة
والروابط بين مواطني المنطقة وبين الأديان.
وحرص الجميع على التذكير بأن المسيحيين، كاثوليك
وبروتستانت، واليهود وقفوا إلى جانب المسلمين في سعيهم لبناء المسجد، وتقدم
روني غوتمان وهو حاخام الراين الأسفل أمام الحضور متحدثا باسم ديانات
المنطقة مشيرا إلى أن ممثلي اليهود والمسيحيين دعموا المشروع في رسالة
مكتوبة إلى بلدية ستراسبورغ في العام 1998. وقال غوتمان لفرانس 24 إن "أضعف
الإيمان أن نتضامن مع المسلمين وهذا حقهم أن يكون لهم مكانا لائقا
للعبادة".
مريم تتأسف لجمع الفرنسيين غير المسلمين بين الإسلام والإرهاب
من جهته، وعلى خلفية تداعيات فيلم "براءة المسلمين"
المسيء للإسلام، شدد مانويل فالس وزير الداخلية الفرنسي خلال كلمته على عزم
الدولة الفرنسية على "حماية كل المواطنين على أراضيها وحماية كل الأديان
ومحاربة المتطرفين في أي جانب كانوا"، موضحا أن لفرنسا "حق وواجب إبعاد
المتشددين" عن أراضيها.
المتشددون؟ تعترف مريم بأنهم مسيئون للدين الإسلامي،
ولكنها تضيف أنهم قلة قليلة، مبدية أسفها للخلط السائد داخل المجتمع
الفرنسي بين المسلمين والإرهاب. مريم شابة في الواحد والعشرين من العمر،
وهي ابنة إمام نانسي المجاورة لستراسبورغ. قالت إن "تدشين المسجد خبر سعيد
لكل مسلمي المنطقة".
وتابعت مريم، التي حضرت حفل التدشين برفقة والديها
وزوجها، إن المسلمين طالما عانوا التمييز والتهميش والتشكيك الدائم في
وطنيتهم وحبهم لفرنسا. "ولكن الأمور تحسنت، وبدأ غالبية سكان ستراسبورغ
يفهمون أن المسلمين ليسوا تهديدا لحياتهم، بل هم مواطنون كغيرهم، لديهم من
الحقوق ما عليهم من الواجبات".
علي حاج تونسي متقاعد يعيش مع فرنسية مسيحية...
وما يخشاه البعض أن يكون مسجد ستراسبورغ الكبير مسجدا
لمسلمي شمال أفريقيا فقط مثل الأتراك الذين لديهم مسجدهم في مكان آخر من
المدينة. ولكن علي، وهو تونسي متقاعد يعيش في ستراسبورغ منذ 1967 ومتزوج من
فرنسية مسيحية، يقلل من خطورة الأمر. وبالنسبة إليه، تجمع المسلمين حسب
جنسياتهم يعود إلى غياب مسجد كبير يقصده الجميع من دون أي فكرة مسبقة.
أما السيدة سبينغا، وهي أستاذة في ثانوية "باستور"
القريبة من المسجد، فأعربت عن إعجابها بالمسجد. وإذ تعترف بوجود نوع من
الانزواء لدى تلاميذها من أصل عربي، إلا أنها متفائلة بالمستقبل، قائلة إن
ثمة مبالغة في كل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين بفرنسا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات