الهجوم الذي تعرضت له وحدة عسكرية مصرية على الحدود مع قطاع غزة وإسرائيل مساء الأحد على يد مسلحين جهاديين وأوقع 16 قتيلا من قوات الشرطة والجيش المصريين أعاد للواجهة مرة أخرى وبقوة مسألة الانفلات الأمني في شبه جزيرة سيناء المصرية.
تشهد شبه جزيرة سيناء، المنطقة الحيوية
والإستراتيجية، منذ سقوط نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك حالة من
عدم الاستقرار الأمني كما أصبحت مرتعا لعدد من الجماعات المسلحة المحسوبة
على تيار الإسلام السياسي المتشدد وينسبها البعض إلى تنظيم "القاعدة". وفي
ظل حالة الاستقطاب السياسي والصراع على السلطة، بين الإسلاميين والجيش
والتيارات الليبرالية، الذي تشهده مصر تطرح مجموعة من الأسئلة الشائكة بهذا
الخصوص تحتاج إلى إجابات واضحة ومحددة لاسيما وأن هناك اتهامات من العيار
الثقيل موجهة للرئيس المصري محمد مرسي وحزبه، الحرية والعدالة الذراع
السياسية لجماعة "الإخوان المسلمون"، الذي يحكم مصر حاليا
من يقف وراء هذه الأحداث التي تقع في سيناء؟
اللواء طلعت مسلم، الخبير العسكري والإستراتيجي، يقول
إن "ما حدث في سيناء الأحد لا يمكن فصله عما يدور فيها منذ عامين تقريبا
ولا يمكننا اعتباره أيضا نهاية ولابد لنا من التسليم بداية بوجود انفلات
أمني حقيقي حدث بعد انهيار سلطة الدولة والشرطة في ثورة يناير 2011. وهذه
الأحداث هي نوع من التمرد الذي يقوم به طرفان تضمهما مصلحة واحدة الطرف
الأول مجموعة من بدو سيناء والطرف الآخر يأتي من قطاع غزة ومصلحتهما هي في
انفصال سيناء عن مصر وإقامة إمارة إسلامية."
ولكن من الذي سمح لهذه القوى بالتمدد هكذا في صحراء سيناء وأين كانت في عهد النظام السابق؟
اللواء مسلم يجيب قائلا: في عهد مبارك أيضا كان هناك
اضطرابات في سيناء ولكنها لم تصل إلى هذا الحد من الانفلات لأنه كان هناك
سلطة ممثلة في الدولة والحزب الوطني تقوم بعملية الردع أما الآن فغياب
السلطة والقيادة السياسية أدى إلى نوع من التجرؤ على هيبة الدولة خاصة بعد
أن أصبح الوجود الأمني هزيلا إضافة إلى فقدان الشرطة الاستعداد للمخاطرة في
المواجهة خشية تعرضها للحساب العسير والمحاكمة
إذن من يتحمل المسؤولية؟
السياسي
المصري وعضو مجلس الشعب السابق مصطفى بكري حمل "الإخوان المسلمون" صراحة
جزءا من المسؤولية عن تردي الأوضاع في سيناء وقال في تغريدة له على موقع
تويتر: "الإخوان منهمكون في أخونة الدولة وتركوا سيناء للفوضى والانفلات
الأمني" كما أضاف قائلا، في مكالمة هاتفية مع فرانس 24، "سيناء لم تكن يوما
على رأس أولويات الرئيس محمد مرسي الذي تولى منذ شهرين تقريبا حكم مصر
وجرى فيها عدد من الحوادث منها تفجير خط الغاز ولم يلفت ذلك انتباه الرئيس
الذي انهمك تقريبا مع مكتب الإرشاد في سياسة أخونة الدولة والصراع بين
مؤسسة الرئاسة والحكومة.
الإخوان يريدون السيطرة على المؤسسات الصحفية عبر مجلس
الشورى الذي يحوزون فيه الأغلبية بإقالة مديري ورؤساء تحرير الصحف القومية
وإلغاء المجلس الأعلى للصحافة، كما أنهم أخذوا منصب وزير الإعلام الذي
يشغله الآن وزير لا ينتمي للوسط الإعلامي بأي شكل من الأشكال وتهديدهم على
لسان وزير الاستثمار الجديد بسحب رخص القنوات الفضائية التي تنشر الشائعات
وهي كلمات مطاطة هدفها الضغط على كل من يقوم بانتقاد الإخوان والرئيس
وإضافة لكل ذلك سيطروا على وزارات مهمة كوزارة الشباب ووزارة القوى العاملة
حتى يتمكنوا من اختراق الأوساط الطلابية والعمالية والسيطرة عليها.
كما حمل أيضا، بكري، الجهات الأمنية، الشرطة والقوات
المسلحة، المسؤولية عما حدث في سيناء لانشغالها بالشأن السياسي الداخلي
وترك سيناء فريسة للقوى المتطرفة فقد كان واجبا عليها القيام بدوريات أمنية
مشتركة وتعزيز تواجدها هناك ومحاربة بؤر الإجرام.
بيد أن حمدي حسن القيادي بحزب "الحرية والعدالة"، الذراع السياسية
لجماعة "الإخوان المسلمون"، يرى أن هذه اتهامات مرسلة وليس لها أي قدر من
المصداقية لأن "الإخوان المسلمون" لم يمر على فوزهم في الانتخابات الرئاسية
عدة أسابيع، وقال لفرانس 24، "سيناء مهملة منذ زمن طويل والنظام السابق هو
المسؤول عن هذا الإهمال بسبب سياساته المتعنتة بحق أبناء سيناء وبسبب
الاتفاقات التي وقعها مع إسرائيل وغلت يد مصر في حماية هذا الجزء".
كما يرى أن المسؤول عما حدث هو حالة التراخي التي يمر
بها الجيش المصري نظرا لانشغال قياداته بالشأن السياسي الداخلي وكذلك تخطي
أعمار معظمهم السبعين عاما ولهذا يجب استبدال هذه القيادات العجوز بأخرى
شابة لتجديد دماء الجيش، ويضيف بأن هناك تقصيرا أيضا من أجهزة المخابرات
المصرية
اللواء مسلم، الخبير العسكري، لا يتفق مع هذا القول
ويشرح قائلا "إن وجود القوات المصرية في سيناء محدد تماما في اتفاقية
السلام، وحسب هذه الاتفاقية فإن المنطقة (ج) المجاورة للحدود مع سيناء ليس
بها أسلحة ثقيلة ولا قوات جيش وإنما قوات شرطة، ولا أعتقد أن هناك تأثيرا
يذكر لانشغال القوات المسلحة بالشأن الداخلي على هذا الموضوع لأنه كان من
واجبها أن تتدخل لحماية الوطن في وقت ما"
من المستفيد مما يحدث في سيناء وتأثير ذلك على الأوضاع الإقليمية؟
اتفق جميع محدثينا تقريبا على أن إسرائيل هي المستفيد
الأول، ولكن كان لكل واحد منهم مبرراته. حمدي حسن، القيادي الإخواني، يرى
أن إسرائيل هي من تقف مباشرة وراء هذه الأعمال وهي المستفيد الأول منها
لإضعاف دور مصر في سيناء وفرض سيطرتها هي عليها، وأن الفلسطينيين لا يمكن
منطقيا أن يقوموا بمثل هذه الاعتداءات ضد دولة وحكومة قدمت لهم تسهيلات لم
تتوافر لهم من قبل ووعدتهم بتقديم المزيد وبالتالي ينتفي الدافع لديهم وأما
إسرائيل فهي من لديها وحدات المستعربين وكل الإمكانات للقيام بمثل هذه
العمليات.
أما اللواء مسلم فيرى أن من يقفون وراء هذه العملية هم المستفيدون لأن ضعف مصر يمثل قوة لهم، ويرى أن إسرائيل تستفيد استفادة غير مباشرة، ورغم اعترافه بأنه لا مصلحة لتل أبيب في دعم هذا النوع من العمليات لأنها مضرة بأمنها إلا أنها ستستفيد من تداعياتها. فقيام إمارة إسلامية في سيناء سيبرر تدخلها هناك.
مصطفى بكري شرح قائلا "بأن إسرائيل ستستغل هذه
الأحداث لإقامة الشريط الأمني الحدودي الذي تحلم به منذ وقت طويل كما أن ما
يحدث ربما يكون مقدمة لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء والتخلص نهائيا من
صداع القضية الفلسطينية".
وأخيرا، لا شك أن ما حدث في سيناء أمر خطير بكل
المقاييس ويستدعي بالضرورة إعادة التفكير في كامل المنظومة الأمنية المصرية
المتواجدة هناك، ولا شك أيضا أن المسؤولية تحملها أطراف عديدة، سياسية
وعسكرية، ولكن ليس من السهل على المخطئين الاعتراف بخطئهم وإن كان من السهل
تحميل الآخرين مسؤولية هذه الأخطاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات