آخر تحديث: الثلاثاء، 28 أغسطس/ آب، 2012، 17:32 GMT
إذ كانت الصحفية ميشلين عازر، مراسلة قناة "الدنيا"، أول صحفية تذهب الى البلدة الصغيرة بجنوب غرب دمشق في مهمة مرافقة للجيش السوري.
وأظهر التقرير مشاهد مؤلمة لجثث رجال وسيدات وأطفال قتلوا بالرصاص، فيما دخلت الصحفية بصحبة المصور المرافق لها الى المقابر، حيث وجدت سيدة تستند الى شاهدة أحد القبور وبدت في حاجة ماسة الى علاج طبي.
وبادرتها عازر بالسؤال قائلة: "ماذا فعل بك الارهابيون؟" رغبة منها في تأكيد بشاعة ما ارتكبته "الجماعات المسلحة"، بحسب تعبير الحكومة، من جرائم في داريا.
وربما كانت أكثر الفقرات الصادمة في تقرير عازر هي تلك الفقرة التي حاورت فيها طفلة في الرابعة من عمرها وجدتها ترقد الى جانب جثة امها في مؤخرة احدى الشاحنات.
وهمت الصحفية بسؤال الطفلة، بعد ان وصفت حالها، وقالت "من هذه السيدة؟ اين كنتم ذاهبتين؟"
وردت الطفلة التي بدت عليها امارات الهلع والصدمة في صوت هامس "انها امي".
وأكدت الصحفية ان العديد من السوريين ممن أجرت معهم احاديث انتابتهم صدمة ازاء ما حدث في بلدة داريا، غير ان تقرير قناة (الدنيا) كان له بالغ الاثر في زيادة حدة الغضب لديهم، وبدا الامر بالنسبة للعديد يعني انعدام الرحمة في التعامل مع سكان البلدة لاسيما الاطفال.
حرصت ميشلين عازر على ابراز دور الجيش السوري ومساعدته للمدنيين ونقلهم الاهالي لتلقي الرعاية الصحية وغيرها من الاشياء، بيد أن أهالي دمشق سمعوا واحيانا شاهدوا قصف داريا من جبل قاسيون المطل على البلدة.
لم تجد الاسر في داريا سوى قضاء أيام في مخابئ تحت الارض هربا من القصف، الذي ما أن انتهى حتى وجه نشطاء المعارضة اتهامات للحكومة السورية وحملوها مسؤولية المذبحة التي اسفرت عن مقتل اكثر من 300 شخص، في الوقت الذي انحت الحكومة باللائمة في المذبحة على عصابات مسلحة.
ورود مقابل الرصاص
واذا كانت القصة الكاملة للمذبحة لم يكشف عنها بعد، الا أن بلدة داريا ليست غريبة عن الاحتجاجات والقمع.ففي عام 2003 بدأت مجموعة من الشباب حركة تهدف الى تنظيف شوارع داريا ورفع الوعي بين المواطنين ازاء مكافحة الفساد، ما دفع السلطات إلى اعتقال 24 شخصا والحكم بسجن 11 منهم لمدة اربع سنوات.
وعندما دبت حركة الاحتجاج ضد حكم الرئيس السوري بشار الاسد في داريا، قدمت البلدة مثالا يحتذى لانشطة المعارضة السلمية في شتى ارجاء البلاد.
وكان من بين الشخصيات المؤيدة للديمقراطية خياط يدعى غيث مطر يبلغ من العمر 26 عاما، قدم مثالا للشاب السوري الذي يحتج دون اللجوء لاعمال العنف.
كان مطر أول من اطلق مبادرة اعطاء الجنود، عند دخولهم داريا، وردة وزجاجة مياه، وهي مبادرة شجعت العديد من البلدات والمدن السورية على الاحتذاء بها، لكن ورداتهم قوبلت بوابل من الرصاص.
وفي مطلع سبتمبر/أيلول قتل مطر وعثر على جثته مشوهة ومذبوحة.
كانت زوجة مطر البالغة من العمر عشرين عاما حبلى عندما قتل، وخلال مراسم العزاء ارتدت فستانا ابيض وقدمت القهوة لكل من جاء يشاطرها الاحزان.
وارتسمت على وجه الزوجة الشاحب ابتسامة صغيرة تخفي وراءها احزانا، فيما كانت والدته التي امسكت بمسبحة صلاة تستقبل السيدات اللائي جئن لتقديم واجب العزاء.
وطلبت الام من الجميع مداومة الزيارة ودعم غيث الصغير عندما يولد.
لكن الحياة اليوم بدت صعبة على الطفل الصغير، بعد أن لقي اصحابه الاطفال مصرعهم وربما فقد اقاربه وجيرانه ايضا.
لم يكن قصف داريا الاخير سوى دفعة للعديد من الشباب في سوريا ممن ساروا على خطى غيث في الاحتجاج السلمي وتحولهم الى المقاومة المسلحة كسبيل وحيد امامهم لمواصلة مسيرتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات