Tue, 27/03/2012 - 21:01
أتابع ما يحدث هذه الأيام فأجد المشهد مخيفاً. فالصدام بين طرفى
السلطة خرج للعلن وينذر بالانفجار، وكل طرف منهما على حدة فى صراع مع أغلب
القوى السياسية. فالتراشق بين المجلس العسكرى- رأس السلطة التنفيذية- وحزب
الحرية والعدالة، حزب الأكثرية فى السلطة التشريعية، انتقل إلى مرحلة جديدة
نوعياً تشهد تصعيداً متبادلاً وانتقادات علنية، بعد أن ظل الصراع مكتوماً
لبعض الوقت.
فبعد التهديد بحل البرلمان، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بياناً شديد اللهجة، اعتبرت فيه ذلك التهديد «كارثة» تطرح التساؤلات عما إذا كانت «المحكمة الدستورية خاضعة للسلطة التنفيذية». وانتقد البيان إصرار المجلس العسكرى على الإبقاء على حكومة الجنزورى ووصفه بأنه «يثير الشكوك حول سر هذا التمسك بالفشل والفاشلين وهل هو رغبة فى إجهاض الثورة وتيئيس الناس من قدرتهم على تحقيق أهدافهم، أم رغبة فى تزوير انتخابات الرئاسة» بل والاستفتاء على الدستور. وهى المعانى نفسها التى كررها حزب الحرية والعدالة فى بيانه فى اليوم التالى مباشرة. وقد تكرس التصعيد ببيان المجلس العسكرى الذى أعلن فيه «استياءه» من الطعن فى «نزاهة قصد القوات المسلحة ومجلسها الأعلى»، فضلا عن «التشكيك فى وطنية الحكومة واستقلالية المحكمة الدستورية».
لكن التصعيد بين المجلس العسكرى وجماعة الإخوان لا يمثل الصدام الوحيد المرشح للانفجار فى الأسابيع المقبلة. فكلا الطرفين فى صدام للأسف مع أطراف كثيرة أخرى. فجماعة الإخوان، التى احتدم صراعها مع المجلس العسكرى، فى صراع أيضاً مع حكومة الجنزورى، وفتحت لتوها باباً جديداً للصدام مع أغلب القوى السياسية عشية تشكيل الهيئة التأسيسية. والمجلس العسكرى الذى استعدى أغلب القوى السياسية فى الفترة الماضية أكمل الدائرة بصدامه مع الإخوان فصار يقف فى ناحية، والغالبية الساحقة من القوى السياسية فى الناحية الأخرى، فضلاً عن أن الاثنين فى معركة مع الإعلام باعتباره محرضاً ومؤججاً للفتنة.
ورغم أن الخطأ الفادح الذى وقعت فيه الأغلبية فى البرلمان هو المنطق الذى بنت عليه تشكيل الهيئة التأسيسية، إلا أن الذين رفضوا تشكيل تلك الهيئة رفضوه من على أرضية ذلك المنطق المعيب نفسه. فلأن الدساتير تقوم فى كتابتها على التوافق، فإن معيار اختيار من يكتبه عادة ما يكون البحث عن الأكثر قدرة على تحقيق ذلك التوافق. لكن هذا المعيار غاب تماماً عن تشكيل الهيئة التأسيسية، حيث تم تقسيم أعضائها المائة إلى نسب مئوية وحصص لكل فئة أو هيئة أو حزب. وبدلا من أن يرفض المعارضون منطق الحصص أصلاً، إذ بهم يرفضون حجم الحصة التى حصل عليها كل طرف! وإصرار المعارضين على أن المشكلة فى حجم الحصص لا فى نظام الحصص ذاته معناه أنهم قبلوا ضمنياً أن تتخذ الهيئة التأسيسية قراراتها بالأغلبية لا بالتوافق، وهو الذى يعنى أن مناخ عدم الثقة والصدام بين القوى السياسية سيظل قائماً حتى لو تمت مراجعة نسبة كل فريق.
كل هذه الصدامات التى تبدو كالقنابل الموقوتة تجرى وقائعها بينما ترتع رموز النظام السابق بكل حرية ويعيثون فى الأرض فساداً باعتراف حكومة الجنزورى، التى لو كانت لديها فعلا الصلاحيات الكافية لما طالبت بتدخل الحاكم العسكرى ضد هؤلاء فى أزمة السولار وغيرها. ومع كل ما يعانيه المصريون هذه الأيام فإن أنين هذا الشعب سيزداد حدة بالتأكيد إذا ما انفجرت تلك القنابل الموقوتة فى وجوهنا. وسط كل هذا الجنون، أبحث بين أطراف الصراع عمن يتوقف قليلا ليتأمل الوضع كله، فينتبه إلى حجم الخطر المحدق بمصر. فكيف يمكن لأمة أن تبنى ذاتها بعد سنوات من الخراب وهى منقسمة على نفسها بهذا الشكل المخيف؟ وكيف لبلد أن يدار بكفاءة بعد أن وصل الأمر فيه لمسيرات حاشدة ضد البرلمان المنتخب، ولتهديدات من حزب الأكثرية فى البرلمان بمليونية ضد المجلس العسكرى، شريكه فى الحكم؟ وكيف يمكن إقامة ديمقراطية حقيقية بينما فشلت الأغلبية فى بناء الثقة مع أطراف اللعبة السياسية؟
الأخطر من هذا كله، والجدير بالتأمل حقاً، هو أن القوى والتيارات السياسية كلها دون استثناء لم تستوعب الدرس المهم على الإطلاق لمرحلة ما قبل الثورة. فمبارك استطاع أن يحكم مصر كل تلك السنوات ليس لأن نظامه كان قوياً لا يقهر، وإنما لأن معارضيه كانوا منقسمين على أنفسهم انقساماً مريراً، حتى إن بعضهم تحالف مع نظامه ضد باقى المعارضين. وللأمانة، أدرك مبارك حقيقة ذلك الانقسام واستغله لصالحه عبر إفساد بعض المعارضين وترويض غيرهم أو عبر استعدائهم على بعضهم البعض. وحين جاءت اللحظة الفريدة التى اتحدت فيها تلك القوى، لم يستغرق سقوط مبارك سوى ثمانية عشر يوماً. ولو أن أحداً استوعب فعلاً ذلك الدرس لما جرى ما جرى فى الفترة الانتقالية.
ففور رحيل مبارك، عادت الفُرقة وعدنا من جديد للمربع صفر. فالتيارات السياسية المختلفة أعادت إنتاج معارك فترة حكم مبارك فاحتدمت الخلافات. ومثلما تصورت بعض القوى أنها تحتمى بنظام مبارك من القوى الأخرى، راحت بعض التيارات بعد الثورة تحتمى بالمجلس العسكرى من تيارات أخرى. وهو خطأ فادح يقوض الديمقراطية لأنه يقبل ضمنياً بهيمنة السلطة التنفيذية على باقى السلطات، لكنه للأسف يتكرر الآن من جديد عبر نداءات للمجلس العسكرى بالتدخل ضد تشكيل البرلمان للهيئة التأسيسية!
ومن لا يستوعب دروس الماضى يعيد إنتاج أخطائه. فلك الله يا وطنى، فأنت تستحق منا أفضل من ذلك بكثير.
فبعد التهديد بحل البرلمان، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بياناً شديد اللهجة، اعتبرت فيه ذلك التهديد «كارثة» تطرح التساؤلات عما إذا كانت «المحكمة الدستورية خاضعة للسلطة التنفيذية». وانتقد البيان إصرار المجلس العسكرى على الإبقاء على حكومة الجنزورى ووصفه بأنه «يثير الشكوك حول سر هذا التمسك بالفشل والفاشلين وهل هو رغبة فى إجهاض الثورة وتيئيس الناس من قدرتهم على تحقيق أهدافهم، أم رغبة فى تزوير انتخابات الرئاسة» بل والاستفتاء على الدستور. وهى المعانى نفسها التى كررها حزب الحرية والعدالة فى بيانه فى اليوم التالى مباشرة. وقد تكرس التصعيد ببيان المجلس العسكرى الذى أعلن فيه «استياءه» من الطعن فى «نزاهة قصد القوات المسلحة ومجلسها الأعلى»، فضلا عن «التشكيك فى وطنية الحكومة واستقلالية المحكمة الدستورية».
لكن التصعيد بين المجلس العسكرى وجماعة الإخوان لا يمثل الصدام الوحيد المرشح للانفجار فى الأسابيع المقبلة. فكلا الطرفين فى صدام للأسف مع أطراف كثيرة أخرى. فجماعة الإخوان، التى احتدم صراعها مع المجلس العسكرى، فى صراع أيضاً مع حكومة الجنزورى، وفتحت لتوها باباً جديداً للصدام مع أغلب القوى السياسية عشية تشكيل الهيئة التأسيسية. والمجلس العسكرى الذى استعدى أغلب القوى السياسية فى الفترة الماضية أكمل الدائرة بصدامه مع الإخوان فصار يقف فى ناحية، والغالبية الساحقة من القوى السياسية فى الناحية الأخرى، فضلاً عن أن الاثنين فى معركة مع الإعلام باعتباره محرضاً ومؤججاً للفتنة.
ورغم أن الخطأ الفادح الذى وقعت فيه الأغلبية فى البرلمان هو المنطق الذى بنت عليه تشكيل الهيئة التأسيسية، إلا أن الذين رفضوا تشكيل تلك الهيئة رفضوه من على أرضية ذلك المنطق المعيب نفسه. فلأن الدساتير تقوم فى كتابتها على التوافق، فإن معيار اختيار من يكتبه عادة ما يكون البحث عن الأكثر قدرة على تحقيق ذلك التوافق. لكن هذا المعيار غاب تماماً عن تشكيل الهيئة التأسيسية، حيث تم تقسيم أعضائها المائة إلى نسب مئوية وحصص لكل فئة أو هيئة أو حزب. وبدلا من أن يرفض المعارضون منطق الحصص أصلاً، إذ بهم يرفضون حجم الحصة التى حصل عليها كل طرف! وإصرار المعارضين على أن المشكلة فى حجم الحصص لا فى نظام الحصص ذاته معناه أنهم قبلوا ضمنياً أن تتخذ الهيئة التأسيسية قراراتها بالأغلبية لا بالتوافق، وهو الذى يعنى أن مناخ عدم الثقة والصدام بين القوى السياسية سيظل قائماً حتى لو تمت مراجعة نسبة كل فريق.
كل هذه الصدامات التى تبدو كالقنابل الموقوتة تجرى وقائعها بينما ترتع رموز النظام السابق بكل حرية ويعيثون فى الأرض فساداً باعتراف حكومة الجنزورى، التى لو كانت لديها فعلا الصلاحيات الكافية لما طالبت بتدخل الحاكم العسكرى ضد هؤلاء فى أزمة السولار وغيرها. ومع كل ما يعانيه المصريون هذه الأيام فإن أنين هذا الشعب سيزداد حدة بالتأكيد إذا ما انفجرت تلك القنابل الموقوتة فى وجوهنا. وسط كل هذا الجنون، أبحث بين أطراف الصراع عمن يتوقف قليلا ليتأمل الوضع كله، فينتبه إلى حجم الخطر المحدق بمصر. فكيف يمكن لأمة أن تبنى ذاتها بعد سنوات من الخراب وهى منقسمة على نفسها بهذا الشكل المخيف؟ وكيف لبلد أن يدار بكفاءة بعد أن وصل الأمر فيه لمسيرات حاشدة ضد البرلمان المنتخب، ولتهديدات من حزب الأكثرية فى البرلمان بمليونية ضد المجلس العسكرى، شريكه فى الحكم؟ وكيف يمكن إقامة ديمقراطية حقيقية بينما فشلت الأغلبية فى بناء الثقة مع أطراف اللعبة السياسية؟
الأخطر من هذا كله، والجدير بالتأمل حقاً، هو أن القوى والتيارات السياسية كلها دون استثناء لم تستوعب الدرس المهم على الإطلاق لمرحلة ما قبل الثورة. فمبارك استطاع أن يحكم مصر كل تلك السنوات ليس لأن نظامه كان قوياً لا يقهر، وإنما لأن معارضيه كانوا منقسمين على أنفسهم انقساماً مريراً، حتى إن بعضهم تحالف مع نظامه ضد باقى المعارضين. وللأمانة، أدرك مبارك حقيقة ذلك الانقسام واستغله لصالحه عبر إفساد بعض المعارضين وترويض غيرهم أو عبر استعدائهم على بعضهم البعض. وحين جاءت اللحظة الفريدة التى اتحدت فيها تلك القوى، لم يستغرق سقوط مبارك سوى ثمانية عشر يوماً. ولو أن أحداً استوعب فعلاً ذلك الدرس لما جرى ما جرى فى الفترة الانتقالية.
ففور رحيل مبارك، عادت الفُرقة وعدنا من جديد للمربع صفر. فالتيارات السياسية المختلفة أعادت إنتاج معارك فترة حكم مبارك فاحتدمت الخلافات. ومثلما تصورت بعض القوى أنها تحتمى بنظام مبارك من القوى الأخرى، راحت بعض التيارات بعد الثورة تحتمى بالمجلس العسكرى من تيارات أخرى. وهو خطأ فادح يقوض الديمقراطية لأنه يقبل ضمنياً بهيمنة السلطة التنفيذية على باقى السلطات، لكنه للأسف يتكرر الآن من جديد عبر نداءات للمجلس العسكرى بالتدخل ضد تشكيل البرلمان للهيئة التأسيسية!
ومن لا يستوعب دروس الماضى يعيد إنتاج أخطائه. فلك الله يا وطنى، فأنت تستحق منا أفضل من ذلك بكثير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات