January 3rd, 2012 9:10 am
ومن قال إن الليبراليين خسروا فى الانتخابات؟
ومن قال إن التيار الليبرالى تلقى هزيمة بعد ثورة يناير رغم أن رموزه وشبابه وقواه الحية هى التى شاركت فى تفجير ثورة يناير؟
الحقيقة أن الليبرالية كسبت فعلا وكثيرا منذ نجاح ثورة يناير وحتى يومنا هذا، كيف؟
إن دخول التيار الإسلامى الملعب الديمقراطى هو انتصار جبار لليبرالية. أن يتجه الإخوان المسلمون إلى تشكيل حزب سياسى يخوضون به الانتخابات، وكذلك نشوء خمسة أحزاب من قوى إسلامية من سلفيين وحتى جماعات إسلامية إرهابية تائبة، فهذا يعنى أن هذه القوى التى كانت -إلا الإخوان- تعادى الديمقراطية وتحرِّمها وتكفِّرها وترفض دخول العملية السياسية بقواعدها التنافسية تراجعت -ولو تكتيكا- وتنازلت عن تطرفها -ولو مؤقتا- ورضيت بالالتزام بقيم الليبرالية، سواء تكوين الأحزاب، أو المنافسة الانتخابية، وقبول المختلفين والمخالفين، والفوز للأغلبية واحترام الأقلية، والاحتكام لصناديق الانتخابات، وكل هذه قواعد ومبادئ الليبرالية السياسية، ومن ثَم هى نجحت منذ اللحظة الأولى، حيث أجبرت أعتى التيارات عدائية لليبرالية وللديمقراطية على القبول بأدواتها والعمل فى إطارها والالتزام بقانونها، وهو ما يؤكد نجاحا حقيقيا لليبرالية فى مصر بعد ثورة يناير.
النجاح الآخر الذى يبدو جليا عفيًّا أنه وقبل ثورة يناير بربع ساعة فقط لم يكن معظم المصريين قد سمعوا بكلمة الليبرالية مرتين ثلاثا فى حياتهم، ولا علقت فى ذاكرتهم ولا يعرفون حتى نطقها ولا ترددت خمس مرات فى خمسة أشهر فى البرامج التليفزيونية، فإذا بها، عقب الثورة، يظهر مصطلح الليبرالية بانتشاره الهائل ووجوده فى الشارع والواقع اليومى العادى، ثم فى الإعلام والبرامج وفى جدل القوى السياسية وحتى عبر الخطاب العدائى الذى يتبناه الإسلاميون للفكرة وأصحابها، فهذا ينقل الليبرالية من كلمة مهجورة وفكرة متروكة ونظرية معزولة إلى اتساع فى الانتشار وقوة فى الظهور وحضور فى الذهن والفكر والجدل، وهذا نجاح غير مسبوق ولم يكن موجودا بهذا البروز حتى فى أعتى فترات الصعود الليبرالى فى مصر بين الثورتين 19 و52.
الجانب الثالث فى نجاح الليبرالية بعد ثورة يناير هو تشكيل أحزاب سياسية واضحة تماما فى التزامها بهذه الأفكار وإعلانها لها وسعيها لسيادة تلك المبادئ والأهداف فى الحياة المصرية، وهو ما يعنى نزولا من مراكز البحث وتجمعات النخبة ودوائر المثقفين إلى شارع العمل الجماهيرى والسعى للسلطة والحكم، وهو ما يشى بأن القوى الليبرالية ليست فكرية فقط ولا مهتمة بالجانب الثقافى والإعلامى فحسب، بل هى مشغولة بعد ثورة يناير بالعمل السياسى والحزبى، وهذا مكسب آخر مضاف ومهم.
ثم هناك المكسب المباشر والعملى وهو نحو عشرين إلى خمسة وعشرين فى المئة من مقاعد البرلمان فى حوزة القوى الليبرالية رغم حداثة معظم أحزابها ورغم كم التشويه والتشهير بالليبرالية والحرب العدوانية التى يشنها الإسلاميون ضد الليبرالية، حتى إلى درجة إخراجها من الملة فإذا بها، رغم كل هذه العوامل، يخرج التيار الليبرالى بهذه النسبة المشابهة لنسبة الإخوان المسلمين فى انتخابات عصر مبارك، فهذا دليل على قدرة كامنة وهائلة لدى الليبرالية فى الشارع المصرى، ولو نجحت أحزابها فى التواصل الأكثر التصاقا واتساقا مع المواطنين ونجح نوابها فى تمثيل كفء لدوائرهم فى البرلمان وخارجه فسوف يحقق التيار الليبرالى بخبراته الجديدة مكاسب أكبر فى المراحل المقبلة.
هناك نجاح مهم كذلك لا يمكن تجاهله وهو قدرة التيار الليبرالى على إخراج قطاع من الأقباط من عزلتهم السياسية، ومن غيابهم عن المشاركة، سواء فى الأحزاب أو فى التصويت فى الانتخابات، وهذه إضافة لمصر كلها.. أن لا يخمل قطاع فيها عن العمل السياسى وأن لا يغيب جزء منها عن صناعة قرار وطنه.
بقى أن أقول لك تعريفى للشخص الليبرالى: هو من وجهة نظرى الشخص الذى يؤمن بأن العقل حر وأن من حق أى مواطن حرية كاملة فى التعبير والرأى وأن الأمة مصدر السلطات، وأن الديمقراطية هى الطريق الوحيد لاختيار الحكام وممثلى الشعب وأن السلطة غير مطلقة، بل مقيدة بإرادة الجماهير وأن السلطة ليست أبدية، بل مؤقتة بمدد محددة فى الحكم، وأن الاقتصاد مع ملكية الدولة لصناعات رئيسية ومرافق حيوية، وخدمات الصحة والتعليم مجانية، وضد الاحتكار، ومع حق العمل الخاص بمنتهى الحرية وفق القوانين مع شفافية مطلقة ومحاسبة كاملة على مصروفات ونفقات الدولة.
ثم إن الليبرالى المسلم هو أقرب فى الفكر إلى المعتزلة أو الأشاعرة (وبالمناسبة الأزهر الشريف أشعرى) وأقرب فى الفقه إلى الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان، وينتمى فى الاقتصاد إلى عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، رضى الله عنهم، ويلتزم منهج وسياسة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فى سيادة القانون وإعلاء قيم العدالة والمساواة، ويؤمن بالانفتاح على الآخرين إيمان ابن رشد وابن سينا والإمام محمد عبده.. ويستشهد فى الميدان من أجل الحرية كما استشهد الحسين بن على، سيد شباب أهل الجنة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات