النهار اللبنانية
GMT 1:12:00 2011 الخميس 24 نوفمبر
أول ثورة ضد "الاخوان المسلمين"
جهاد الزين
كيف تتشكّل دينامية الاعتراض على "الإخوان المسلمين" داخل الثورة الثانية في ميدان التحرير؟
ما يحدث في "ميدان التحرير" ظاهرهُ الاعتراض على ديمومة المجلس العسكري على رأس السلطة المصرية و"باطنهُ" هو محاولة وقف الصعود السياسي لـ"حركة الاخوان المسلمين" المتوقع نحو السلطة والمنتظر تكريسه مع المرحلة الاولى من الانتخابات التشريعية المفترض ان تجري يوم الاثنين في الثامن والعشرين من هذا الشهر اذا لم تحصل مفاجآت.
لهذا يمكن اعتبار ما حدث ويحدث في الايام الاخيرة في القاهرة مع انعكاساته في بعض المدن المصرية الأخرى بأنه اول "ثورة" ذات طابع جماهيري ضد "الاخوان المسلمين" تجري منذ اندلاع "الربيع العربي". بهذا المعنى تُكرس مصر طليعيتَها المحتملة كـ"نموذج" للمستقبل رغم كل مظاهر الفوضى الخطرة حتى التفكك التي تعيشها منذ سقوط الرئيس مبارك لأنها تؤكد مبكرا ان نخبتها الواسعة جدا في القاهرة اساسا والمدن الكبرى حاملة الثقافة ذات المزيج الليبرالي العلماني والمتوزعة على خليط يساري، يميني، محافظ متحرر اجتماعيا لن تستسلم سياسا وثقافيا للتيارين الاصولي الاخواني والسلفي.
انها جماهير نخبوية ولكنها تمثل اقلية في المجتمع، كبيرة ولكن اقلية وبصورة خاصة في صناديق الاقتراع. صحيح ان شعبية حزب الوفد تمثل حالة متداخلة من الليبرالي والمحافظ و المسلم والقبطي بحكم الارث التكويني الذي يحمله منذ العشرينات من القرن المنصرم، والمتوقع له ان يأتي بكتلة كبيرة بل الثانية او الثالثة بعد الاسلاميين في الانتخابات، لكن الفرز العام الثقافي السياسي هو بين اصوليين من جهة وخليط علماني من جهة مقابلة. الفئة الاولى الاصولية تحظى بالاغلبية الاجتماعية في الظروف المصرية الراهنة لاسباب معروفة يطول شرحها والفئة الثانية تحظى بأغلبية "نخبوية" من حيث انها الأفعل في اوساط المثقفين والناشطين في المسمى "المجتمع المدني" والصحافة والاعلام وطبعا الشعر والرواية والمسرح والرسم والسينما. انها نخبة "مقاتلة" فكريا وسياسيا منذ شكلت قبل الثورة بسنوات حركات اعتراض مهمة التأثير كحركة "كفاية" في تشكيل مزاج سياسي قِيَمي مصري وعربي ودولي ضد النظام السابق الى ان رفدتها "قوى الانترنت" الاجتماعية الشبابية المتشكلة منذ التسعينات بديناميكية جديدة وحاسمة. صحيح ان النظام كان يركز آلته القمعية على "الاخوان المسلمين" لحوالي ثلاثة عقود الا ان هذه الفئات النخبوية كان لها دائما مكانها البارز في واجهة النضال السلمي الديموقراطي ("شعراء ومغنون وأحلى أغانيهم على الارض السلامْ"... كما كتب مرة محمد الفيتوري قبل اربعين عاما).
هذه هي النخبة الجماهيرية المتعارف على اعتبارها الفئات المدينية من الطبقة الوسطى المصرية... التي تقوم باول اعتراض من نوعه على المستقبل المصري كما تتصور ان "الاخوان المسلمين" يريدون صناعته بعد توليهم قريبا السلطة. من هنا الرمزية المدهشة لـ"ميدان التحرير الثاني" ومعه تستعيد النخبة المصرية "العلمانية" أو تؤكد طليعيتها عبر الثورة داخل الثورة وبالاتجاه العميق للحداثة. انها محاولة لتعديل مبكر للنمط "الاصولي" للديموقراطية مع كل اكلافه المحتملة على الحريات الاجتماعية حتى لو ان بدايات التجربة التونسية تدل لدى الاسلاميين التونسيين وبالذات "حركة النهضة" عن روحية تصالحية بدأت في التوزيع الأولي للرئاسات والتي تحترم او المفترض أن تحترم التراكم الاجتماعي للعلمانية التونسية وهو ما لا يبدو مضمونا في مصر ليس من ناحية الحريات السياسية وانما من ناحية الحريات الاجتماعية الثقافية، وهذه مسألة جوهرية بل هي "السياسة العليا" لأنها تتعلق بنمط الحياة.
ستظل تفاجئنا النخبة المصرية التي صنعت الثورة الاولى... بالمعنى الإيجابي حيث الطليعية هي ليس فقط الاضاءة على المستقبل بل الانتقال اليه ولو اسراءً...
انه مستقبل ما بعد الانتخابات التي ستأتي بـ"الاخوان" حتى لو كانت "القطبة المخفية" في "برنامج" الثورة الثانية في ميدان التحرير هي السعي لتأجيل الانتخابات...!
جهاد الزين
كيف تتشكّل دينامية الاعتراض على "الإخوان المسلمين" داخل الثورة الثانية في ميدان التحرير؟
ما يحدث في "ميدان التحرير" ظاهرهُ الاعتراض على ديمومة المجلس العسكري على رأس السلطة المصرية و"باطنهُ" هو محاولة وقف الصعود السياسي لـ"حركة الاخوان المسلمين" المتوقع نحو السلطة والمنتظر تكريسه مع المرحلة الاولى من الانتخابات التشريعية المفترض ان تجري يوم الاثنين في الثامن والعشرين من هذا الشهر اذا لم تحصل مفاجآت.
لهذا يمكن اعتبار ما حدث ويحدث في الايام الاخيرة في القاهرة مع انعكاساته في بعض المدن المصرية الأخرى بأنه اول "ثورة" ذات طابع جماهيري ضد "الاخوان المسلمين" تجري منذ اندلاع "الربيع العربي". بهذا المعنى تُكرس مصر طليعيتَها المحتملة كـ"نموذج" للمستقبل رغم كل مظاهر الفوضى الخطرة حتى التفكك التي تعيشها منذ سقوط الرئيس مبارك لأنها تؤكد مبكرا ان نخبتها الواسعة جدا في القاهرة اساسا والمدن الكبرى حاملة الثقافة ذات المزيج الليبرالي العلماني والمتوزعة على خليط يساري، يميني، محافظ متحرر اجتماعيا لن تستسلم سياسا وثقافيا للتيارين الاصولي الاخواني والسلفي.
انها جماهير نخبوية ولكنها تمثل اقلية في المجتمع، كبيرة ولكن اقلية وبصورة خاصة في صناديق الاقتراع. صحيح ان شعبية حزب الوفد تمثل حالة متداخلة من الليبرالي والمحافظ و المسلم والقبطي بحكم الارث التكويني الذي يحمله منذ العشرينات من القرن المنصرم، والمتوقع له ان يأتي بكتلة كبيرة بل الثانية او الثالثة بعد الاسلاميين في الانتخابات، لكن الفرز العام الثقافي السياسي هو بين اصوليين من جهة وخليط علماني من جهة مقابلة. الفئة الاولى الاصولية تحظى بالاغلبية الاجتماعية في الظروف المصرية الراهنة لاسباب معروفة يطول شرحها والفئة الثانية تحظى بأغلبية "نخبوية" من حيث انها الأفعل في اوساط المثقفين والناشطين في المسمى "المجتمع المدني" والصحافة والاعلام وطبعا الشعر والرواية والمسرح والرسم والسينما. انها نخبة "مقاتلة" فكريا وسياسيا منذ شكلت قبل الثورة بسنوات حركات اعتراض مهمة التأثير كحركة "كفاية" في تشكيل مزاج سياسي قِيَمي مصري وعربي ودولي ضد النظام السابق الى ان رفدتها "قوى الانترنت" الاجتماعية الشبابية المتشكلة منذ التسعينات بديناميكية جديدة وحاسمة. صحيح ان النظام كان يركز آلته القمعية على "الاخوان المسلمين" لحوالي ثلاثة عقود الا ان هذه الفئات النخبوية كان لها دائما مكانها البارز في واجهة النضال السلمي الديموقراطي ("شعراء ومغنون وأحلى أغانيهم على الارض السلامْ"... كما كتب مرة محمد الفيتوري قبل اربعين عاما).
هذه هي النخبة الجماهيرية المتعارف على اعتبارها الفئات المدينية من الطبقة الوسطى المصرية... التي تقوم باول اعتراض من نوعه على المستقبل المصري كما تتصور ان "الاخوان المسلمين" يريدون صناعته بعد توليهم قريبا السلطة. من هنا الرمزية المدهشة لـ"ميدان التحرير الثاني" ومعه تستعيد النخبة المصرية "العلمانية" أو تؤكد طليعيتها عبر الثورة داخل الثورة وبالاتجاه العميق للحداثة. انها محاولة لتعديل مبكر للنمط "الاصولي" للديموقراطية مع كل اكلافه المحتملة على الحريات الاجتماعية حتى لو ان بدايات التجربة التونسية تدل لدى الاسلاميين التونسيين وبالذات "حركة النهضة" عن روحية تصالحية بدأت في التوزيع الأولي للرئاسات والتي تحترم او المفترض أن تحترم التراكم الاجتماعي للعلمانية التونسية وهو ما لا يبدو مضمونا في مصر ليس من ناحية الحريات السياسية وانما من ناحية الحريات الاجتماعية الثقافية، وهذه مسألة جوهرية بل هي "السياسة العليا" لأنها تتعلق بنمط الحياة.
ستظل تفاجئنا النخبة المصرية التي صنعت الثورة الاولى... بالمعنى الإيجابي حيث الطليعية هي ليس فقط الاضاءة على المستقبل بل الانتقال اليه ولو اسراءً...
انه مستقبل ما بعد الانتخابات التي ستأتي بـ"الاخوان" حتى لو كانت "القطبة المخفية" في "برنامج" الثورة الثانية في ميدان التحرير هي السعي لتأجيل الانتخابات...!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات