October 18th, 2011 11:22 am
الحمد لله الذى لا يُحمد على المجلس العسكرى سواه.
انتهت الفقرة الإعلانية وعُدنا كما وعدناكم بقهر لا ينقطع وحاكم لا يرتدع ومطالب لا يُستجاب لها. عدنا وإياكم لكى نجلس أمام التليفزيون نتفرج كل ليلة على أمهات المخطوفين والمختفين والمجروحين والشهداء وهن يبكين بالدموع، ويناشدن السيد القائد الأب أن يرق قلبه لحال أبنائهن، ثم عندما يرق قلبه ويرى أحد أبنائهن النور، نَسحّ جميعا فى الدموع ونحن نراه يجرى بالحركة البطيئة متجها إلى حضن أمه على أنغام موسيقى حزينة، قبل أن يتواصل تعذيب الاثنين على الملأ بأسئلة من نوعية «تقول إيه لماما.. إيه رأيك يا حاجة فى حضن ابنك؟»، نفس الأسئلة التى كانت تلقى على ضحايا العهد البائد الذين يجدون سبيلا إلى وسائل الإعلام بطريقة أو بأخرى، وكلها شهور أو سنين الله أعلم، ويعود إلى قائمة الأسئلة السؤال الوحيد الذى لم نعد نسمعه أبدا «تحب تقول إيه لسيادة الريس؟».
هذه الأيام أصبح معدو برامج التوك شو يتفننون فى عمل تشكيلات من ضحايا القمع فى ظل العهد البائد وفى ظل العهد البائخ. تابعونا اليوم فى لقاء حصرى نجمع فيه أم الشهيد خالد سعيد مع أم الشهيد مينا دانيال، وغدا سنحضر لكم عائلة الشهيد محمد محسن فى لقاء خاص مع عائلة الشهيد السيد بلال. نفس القصص الحزينة، نفس الأسى، نفس وجع القلب، نفس الصحراء التى يرمون فيها الضحايا، نفس العصابة التى يظنون أنها ستغطى على الحقيقة، كل ما استجد أننا أصبحنا نقرأ بيانا من جهاز الأمن الوطنى ينفى فيه صلته باختفاء فلان أو علان وأنه صار جهازا مهذبا وقام بتحويل أماكن الاعتقال لديه إلى استراحات مكيفة يأخذ فيها ضباطه القيلولة. لذا ليس أمامنا إلا أن نضرب أخماسا فى أسداس ونحن نخمن اسم الجهة التى تختطف الناس فى هذه الأيام التى اتسع فيها الخرق على الراتق، وفاض القمع من القامع فأصبح لدينا تنوع فى اختصاصات الأجهزة القمعية، ربما جعلنا لا نطلب فى الفترة القادمة مكسبا سوى توحيد جهات القمع كلها فى جهاز واحد نسميه «الجهاز المركزى لقمع الثورة المصرية»، بحيث تتوجه أمهات وخطيبات وزوجات الناشطين المختفين والمحتجزين إليه ويتجمعن أمامه حرصا على وقت السادة معدى القنوات الفضائية وتوفيرا لحق المشاهد الشريف فى معرفة أن هناك أجهزة عليا تعمل بدأب من أجل أن يحس أن الدولة المصرية بخير وما زالت محتفظة بقدرتها على إنتاج الأصناف الفاخرة من القهر.
إياك أن تظن أن من تشاهد ذويهم فى برامج التوك شو هم الوحيدون الذين تعرضوا للقمع، هؤلاء فقط هم المحظوظون الذين وجدوا طريقا إلى وسائل الإعلام. تحكى لى الناشطة منى سيف من مجموعة (لا للمحاكمات العسكرية) عن نماذج مَنسيّة ينفطر لها القلب: شريف زينهم شاب عشرينى من السكان الأصليين لمصر وجد نفسه فى ميدان التحرير، لدرجة أنه بدأ يتعلم القراءة والكتابة خلال الفاعليات التى يلتقى فيها نشطاء شَعَر معهم بمواطنته للمرة الأولى، شريف كان يمشى دائما وهو يحمل فى جيبه شهادة التجنيد فقد كانت دليله الوحيد على كونه مواطنا شريفا، لكنها لم تنفعه عندما قبضت عليه الشرطة العسكرية وهو يقف إلى جوار صديقه مصطفى يوسف الذى سألهم لماذا لم يعتقلوه أيضا، فكان الرد لأن شكل مصطفى يدعو للاشتباه فيه، أو على حد تعبير منى «عشان شريف شكله فقير ومش مسنود ومصطفى شكله مرتاح وليه ناس تجيب له حقه».
ياسر محمد توفيق مواطن أسوانى لديه 38 سنة، أب لأربعة أطفال أكبرهم لديه 11 سنة وأصغرهم لديه سنتان، خريج سياحة وفنادق، والده مهندس معمارى لديه مكتب هندسى فى أسوان ووالدته مهندسة معمارية، جاء إلى القاهرة مع عائلته ليقضى إجازة العيد لدى أخته المقيمة بالقاهرة، فى أثناء سيره مع أخيه إلى جوار مديرية أمن الجيزة لاحظ وجود حريق يتم إطفاؤه فيها، ولأنه مصاب بلعنة حب التصوير فقد وقف يصور المشهد، جاء إليه ضابط ومنعه من إكمال التصوير وطلب منه أن يأتى معه إلى مكتبه لكى يتأكد من إلغاء الصور، ذهب ياسر بحسن نية وطلب من أخيه أن ينتظره لمدة خمس دقائق، ومن ساعتها لم يعد ياسر لأنهم أخذوه إلى النيابة العسكرية. محمد عادل شعبان توفيق من بولاق الدكرور لديه 16 سنة، كان يمارس هواية الصيد تحت كوبرى الجامعة يوم اقتحام السفارة الإسرائيلية، وتم القبض عليه فى حملة الاعتقالات العشوائية التى كانت موجودة فى المكان، تقول منى «محمد السنة اللى فاتت قدم طلب تطوع للخدمة بالقوات المسلحة وكان فخورا بالطلب جدا وشايله معاه، والسنة دى اللى قبض عليه ظلم همّ نفس الناس اللى كان بيحلم يتطوع معاهم». محمد عادل وشريف زينهم ضمن 80 شخصا منهم تسعة قُصّر تحت 18 سنة تم القبض عليهم يوم السبت 10 سبتمبر ويحاكمون عسكريا، أما ياسر توفيق فهو ضمن 38 شخصا ثلاثة منهم قُصّر تم القبض عليهم يوم الجمعة 9 سبتمبر، وحتى الآن لم يتم القبض على الدكتور عصام شرف الذى احتفى بمحاولة اقتحام السفارة الأولى لتنجح المحاولة الثانية تحت شرفه وتحت رعاية الأجهزة العليا التى قدمت هؤلاء الشباب كبش فداء لمد حالة الطوارئ التى كان المجلس العسكرى قد تعهد بإلغائها فى الإعلان الدستورى.
فى يوم الجمعة 30 سبتمبر قبضت الشرطة العسكرية على ثلاثة شباب هم: المعتز بالله أسامة مهندس بشركة بترول، ومحمد عماد الدين على محاسب، ويحيى أحمد الشافعى طالب بكلية الطب، لأنهم فى أثناء سيرهم بشارع الخليفة المأمون وجدوا سيارة للشرطة العسكرية قبضت على شباب آخرين، وطلب منهم هؤلاء الشباب أن يبلغوا ذويهم بما جرى لهم، وتم القبض عليهم فى أثناء تقديمهم يد العون لهؤلاء الشباب، وعُرضوا على النيابة العسكرية وفوجئوا بأنهم سيحاكمون عسكريا بتدمير محطة مترو الأنفاق وتخريب ممتلكات عامة والتعدى على أفراد الأمن. وفى نفس اليوم تم اعتقال عدد آخر من الشباب الذين كانوا يقفون فى مكان بعيد عن وزارة الدفاع يهتفون بسقوط حكم العسكر من بينهم أحمد على طالب بكلية الهندسة قسم هندسة طيران، وخالد صلاح مهندس إلكترونيات بشركة متعددة الجنسيات ويحضّر دكتوراه فى تخصصه ومتزوج ولديه طفل، وقد كانا من أبطال الثورة فى يوم موقعة الجمل، كان الاثنان يقفان فى جزيرة فى منتصف الشارع، لكن أحدهما وهو خالد ارتكب جرما شنيعا هو أنه رد على ضابط شرطة عسكرية بشكل لم يعجب الضابط، فأهانه الضابط وقبض عليه تعسفيا، وتتم إحالته هو وزميله إلى المحاكمة العسكرية.
القصص كثيرة وكلها توجع القلب، ولا أحد يعلم مصير أبطالها، فالملايين الثائرة عادت للطناش والصبر أملا فى انتهاء العهد البائخ، والقوى السياسية مشغولة بالانتخابات، والصحف تزف إلى قرائها تصريحات للمشير طنطاوى عن إلغاء المحاكمات العسكرية، بينما يبقى هؤلاء الشباب فى السجون يحلمون بالخروج إلى الحرية. وأنا أعلم أن سطورى هذه لن تكون لها نتيجة، فأختمها بهتاف أدارى به بؤسى وقلة حيلتى: الحرية لضحايا المحاكمات العسكرية.. الحرية لضحايا العهد البائخ.
انتهت الفقرة الإعلانية وعُدنا كما وعدناكم بقهر لا ينقطع وحاكم لا يرتدع ومطالب لا يُستجاب لها. عدنا وإياكم لكى نجلس أمام التليفزيون نتفرج كل ليلة على أمهات المخطوفين والمختفين والمجروحين والشهداء وهن يبكين بالدموع، ويناشدن السيد القائد الأب أن يرق قلبه لحال أبنائهن، ثم عندما يرق قلبه ويرى أحد أبنائهن النور، نَسحّ جميعا فى الدموع ونحن نراه يجرى بالحركة البطيئة متجها إلى حضن أمه على أنغام موسيقى حزينة، قبل أن يتواصل تعذيب الاثنين على الملأ بأسئلة من نوعية «تقول إيه لماما.. إيه رأيك يا حاجة فى حضن ابنك؟»، نفس الأسئلة التى كانت تلقى على ضحايا العهد البائد الذين يجدون سبيلا إلى وسائل الإعلام بطريقة أو بأخرى، وكلها شهور أو سنين الله أعلم، ويعود إلى قائمة الأسئلة السؤال الوحيد الذى لم نعد نسمعه أبدا «تحب تقول إيه لسيادة الريس؟».
هذه الأيام أصبح معدو برامج التوك شو يتفننون فى عمل تشكيلات من ضحايا القمع فى ظل العهد البائد وفى ظل العهد البائخ. تابعونا اليوم فى لقاء حصرى نجمع فيه أم الشهيد خالد سعيد مع أم الشهيد مينا دانيال، وغدا سنحضر لكم عائلة الشهيد محمد محسن فى لقاء خاص مع عائلة الشهيد السيد بلال. نفس القصص الحزينة، نفس الأسى، نفس وجع القلب، نفس الصحراء التى يرمون فيها الضحايا، نفس العصابة التى يظنون أنها ستغطى على الحقيقة، كل ما استجد أننا أصبحنا نقرأ بيانا من جهاز الأمن الوطنى ينفى فيه صلته باختفاء فلان أو علان وأنه صار جهازا مهذبا وقام بتحويل أماكن الاعتقال لديه إلى استراحات مكيفة يأخذ فيها ضباطه القيلولة. لذا ليس أمامنا إلا أن نضرب أخماسا فى أسداس ونحن نخمن اسم الجهة التى تختطف الناس فى هذه الأيام التى اتسع فيها الخرق على الراتق، وفاض القمع من القامع فأصبح لدينا تنوع فى اختصاصات الأجهزة القمعية، ربما جعلنا لا نطلب فى الفترة القادمة مكسبا سوى توحيد جهات القمع كلها فى جهاز واحد نسميه «الجهاز المركزى لقمع الثورة المصرية»، بحيث تتوجه أمهات وخطيبات وزوجات الناشطين المختفين والمحتجزين إليه ويتجمعن أمامه حرصا على وقت السادة معدى القنوات الفضائية وتوفيرا لحق المشاهد الشريف فى معرفة أن هناك أجهزة عليا تعمل بدأب من أجل أن يحس أن الدولة المصرية بخير وما زالت محتفظة بقدرتها على إنتاج الأصناف الفاخرة من القهر.
إياك أن تظن أن من تشاهد ذويهم فى برامج التوك شو هم الوحيدون الذين تعرضوا للقمع، هؤلاء فقط هم المحظوظون الذين وجدوا طريقا إلى وسائل الإعلام. تحكى لى الناشطة منى سيف من مجموعة (لا للمحاكمات العسكرية) عن نماذج مَنسيّة ينفطر لها القلب: شريف زينهم شاب عشرينى من السكان الأصليين لمصر وجد نفسه فى ميدان التحرير، لدرجة أنه بدأ يتعلم القراءة والكتابة خلال الفاعليات التى يلتقى فيها نشطاء شَعَر معهم بمواطنته للمرة الأولى، شريف كان يمشى دائما وهو يحمل فى جيبه شهادة التجنيد فقد كانت دليله الوحيد على كونه مواطنا شريفا، لكنها لم تنفعه عندما قبضت عليه الشرطة العسكرية وهو يقف إلى جوار صديقه مصطفى يوسف الذى سألهم لماذا لم يعتقلوه أيضا، فكان الرد لأن شكل مصطفى يدعو للاشتباه فيه، أو على حد تعبير منى «عشان شريف شكله فقير ومش مسنود ومصطفى شكله مرتاح وليه ناس تجيب له حقه».
ياسر محمد توفيق مواطن أسوانى لديه 38 سنة، أب لأربعة أطفال أكبرهم لديه 11 سنة وأصغرهم لديه سنتان، خريج سياحة وفنادق، والده مهندس معمارى لديه مكتب هندسى فى أسوان ووالدته مهندسة معمارية، جاء إلى القاهرة مع عائلته ليقضى إجازة العيد لدى أخته المقيمة بالقاهرة، فى أثناء سيره مع أخيه إلى جوار مديرية أمن الجيزة لاحظ وجود حريق يتم إطفاؤه فيها، ولأنه مصاب بلعنة حب التصوير فقد وقف يصور المشهد، جاء إليه ضابط ومنعه من إكمال التصوير وطلب منه أن يأتى معه إلى مكتبه لكى يتأكد من إلغاء الصور، ذهب ياسر بحسن نية وطلب من أخيه أن ينتظره لمدة خمس دقائق، ومن ساعتها لم يعد ياسر لأنهم أخذوه إلى النيابة العسكرية. محمد عادل شعبان توفيق من بولاق الدكرور لديه 16 سنة، كان يمارس هواية الصيد تحت كوبرى الجامعة يوم اقتحام السفارة الإسرائيلية، وتم القبض عليه فى حملة الاعتقالات العشوائية التى كانت موجودة فى المكان، تقول منى «محمد السنة اللى فاتت قدم طلب تطوع للخدمة بالقوات المسلحة وكان فخورا بالطلب جدا وشايله معاه، والسنة دى اللى قبض عليه ظلم همّ نفس الناس اللى كان بيحلم يتطوع معاهم». محمد عادل وشريف زينهم ضمن 80 شخصا منهم تسعة قُصّر تحت 18 سنة تم القبض عليهم يوم السبت 10 سبتمبر ويحاكمون عسكريا، أما ياسر توفيق فهو ضمن 38 شخصا ثلاثة منهم قُصّر تم القبض عليهم يوم الجمعة 9 سبتمبر، وحتى الآن لم يتم القبض على الدكتور عصام شرف الذى احتفى بمحاولة اقتحام السفارة الأولى لتنجح المحاولة الثانية تحت شرفه وتحت رعاية الأجهزة العليا التى قدمت هؤلاء الشباب كبش فداء لمد حالة الطوارئ التى كان المجلس العسكرى قد تعهد بإلغائها فى الإعلان الدستورى.
فى يوم الجمعة 30 سبتمبر قبضت الشرطة العسكرية على ثلاثة شباب هم: المعتز بالله أسامة مهندس بشركة بترول، ومحمد عماد الدين على محاسب، ويحيى أحمد الشافعى طالب بكلية الطب، لأنهم فى أثناء سيرهم بشارع الخليفة المأمون وجدوا سيارة للشرطة العسكرية قبضت على شباب آخرين، وطلب منهم هؤلاء الشباب أن يبلغوا ذويهم بما جرى لهم، وتم القبض عليهم فى أثناء تقديمهم يد العون لهؤلاء الشباب، وعُرضوا على النيابة العسكرية وفوجئوا بأنهم سيحاكمون عسكريا بتدمير محطة مترو الأنفاق وتخريب ممتلكات عامة والتعدى على أفراد الأمن. وفى نفس اليوم تم اعتقال عدد آخر من الشباب الذين كانوا يقفون فى مكان بعيد عن وزارة الدفاع يهتفون بسقوط حكم العسكر من بينهم أحمد على طالب بكلية الهندسة قسم هندسة طيران، وخالد صلاح مهندس إلكترونيات بشركة متعددة الجنسيات ويحضّر دكتوراه فى تخصصه ومتزوج ولديه طفل، وقد كانا من أبطال الثورة فى يوم موقعة الجمل، كان الاثنان يقفان فى جزيرة فى منتصف الشارع، لكن أحدهما وهو خالد ارتكب جرما شنيعا هو أنه رد على ضابط شرطة عسكرية بشكل لم يعجب الضابط، فأهانه الضابط وقبض عليه تعسفيا، وتتم إحالته هو وزميله إلى المحاكمة العسكرية.
القصص كثيرة وكلها توجع القلب، ولا أحد يعلم مصير أبطالها، فالملايين الثائرة عادت للطناش والصبر أملا فى انتهاء العهد البائخ، والقوى السياسية مشغولة بالانتخابات، والصحف تزف إلى قرائها تصريحات للمشير طنطاوى عن إلغاء المحاكمات العسكرية، بينما يبقى هؤلاء الشباب فى السجون يحلمون بالخروج إلى الحرية. وأنا أعلم أن سطورى هذه لن تكون لها نتيجة، فأختمها بهتاف أدارى به بؤسى وقلة حيلتى: الحرية لضحايا المحاكمات العسكرية.. الحرية لضحايا العهد البائخ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات