الأقسام الرئيسية

إبراهيم عيسى يكتب: عقيدة الجنرالات

. . ليست هناك تعليقات:

أسوأ ما يمكن أن يحدث الآن أن يعتقد المجلس العسكرى أن مرور الأيام يعنى مرور المشكلات!
هدوء نسبى تعيشه مصر عدة أيام أو أسابيع قادمة، فيتخيل المجلس أنه خلاص الموضوع عدى، والأقباط سكتوا وهدؤوا، والرأى العام انشغل بالكأس والدورى، والانتخابات ستدخل حموتها، والإعلام لقى فضيحتين تلاتة يتكلم فيهم، فيظن جنرالات المجلس أن الوضع مستتب، فننتهى إلى مأساة أخرى، تأخذنا إلى ما لا نريده ولا نتمناه، ولكننا -للأسف ننتظره- مصر تستحق أن يفهم المجلس العسكرى فى السياسة أفضل من ذلك، وأن يتخلى الجنرالات عن عقيدة مبارك، وهى الراسخة بوضوح فى جذور تصرفاتهم، وهى عقيدة رفض التغيير والإبقاء على الركود، باعتباره استقرارا، والحفاظ على الفشلة باعتبارهم موضع ثقة!
طبعا لا يمكن تجاهل أن المشير طنطاوى كان فى الحكم وزيرا للدفاع عشرين عاما، لم ير فيها من مبارك إلا هذا السلوك، ولا يمكن التغافل عن أن عددا مهما من الجنرالات فى الحقبة السابعة من أعمارهم، وهو ما يجعلهم إلى جانب طبيعة العمل العسكرى أكثر ميلا للمحافظة وللتحفظ، وأعمق ولاء للثبات والاستقرار، لكن الحقيقة أن هذا ثبات وهمى واستقرار هش، وأنه يجوز جدا أن يحكموا البلد بهذه الطريقة فى أى زمن سابق، لكنهم تحديدا بعد ثورة يناير، وفى مرحلة من السيولة الثورية والسياسية والأخلاقية، يصحبها انفلات أمنى، يبدو متعمدا ومخططا، فمن المستحيل اعتماد هذا المنهج المحافظ فى إدارة البلاد، وإلا سنشهد وبالا على البلاد، ووابلا من الهجوم والتهجم على هذا المنهج من الصغير ومن الكبير!
سلسلة من الأخطاء السياسية التى ارتكبها المجلس، بدءا من الثقة فى مستشارين صنعهم مبارك، ووضعهم على مقاعدهم، لولائهم لمباحث أمن الدولة، ثم الاستسلام التام لتصورات ورؤى اللواء ممدوح شاهين القانونية، وهى فى أبعد مسافة عن طموحات القوى الوطنية وعن السياسة الحكيمة، وورطت المجلس فى مشكلات وتعقيدات وسوء تفاهم لا حد له، لدرجة أنه استنزف من جهد وشكل المجلس، بل سحب من شعبيته لدى قوى الثورة كذلك، ثم هذا الإفراط فى الثقة بسلامة إجراءات وتصرفات جهاز الشرطة العسكرية، الذى أدى إلى نفس الهدف، لا لشىء، إلا أننا مع إيماننا بهذا الجهاز ودوره العسكرى الصارم واللازم والواجب، فإنه ليس مجهزا للتعامل مع مواطنين مدنيين، فالشرطة العسكرية للعسكريين، فلما تقاطع طريقها مع المدنيين شهدنا هذه الفجوة بينها وبين عواطف ومشاعر المصريين، خصوصا من القوى الحية الممثلة فى المتظاهرين من دعاة وجمهور الثورة، خصوصا مع كل خبراتنا السيئة والمقيتة مع الشرطة المدنية فى عصر «مبارك-العادلى»، والمذهل أن كل تجارب العنف المفرط مع المدنيين لم تأتِ بأى ثمار فاعلة تعود بالرضا على المجلس وشرطته العسكرية، بل العكس، فإن المظاهرات لا تتوقف ولا يخاف المصريون أحدا، حتى لو ضرب بالرصاص، وحتى لو سحل فى الشوارع، وحتى لو حاكم بالمحاكم العسكرية!
لكن الثابت كذلك أن المجلس العسكرى يحمى فشل الحكومة، ولولا الملامة لقلت إنه يخشى لسبب غامض أو لهدف أكثر غموضا إزاحتها، فلماذا يسكت عليها إذن، وهى تفشل فشلا مريعا؟!
يترك الجنرالات باب الشك مفتوحا عند من يسيئون الظن بنيات المجلس ويظنون -وبعض الظن إثم ومن ثم فإن بعضه الآخر حلال- أن المجلس العسكرى يريد لهذه الحكومة الفاشلة أن تستمر، ليتسع فشلها، فتزداد الفوضى، فيجد مبررا للبقاء فى الحكم ويستحوذ على السلطة.
أرجو أن يسامحنى أصحاب الظن الآثم، ويتجاوزون عن رأيى أصحاب الظن الحلال، حين أستبعد هذا المخطط تماما، خصوصا أنه ليس من مصلحة المجلس العسكرى أن يبدو غير قادر على التحكم فى البلد، وفرض استتباب الأمن والاقتصاد به، فكيف يريد المجلس بنفسه لنفسه أن تبدو صورته هكذا فى الداخل والخارج، ويفقد هيبته وشعبيته لهدف، ثمنه غالٍ جدا، ومكلف بشكل باهظ، لو تم وجرى؟!
الغريبة أن كل الحلول المطلوبة لمشكلات مصر موجودة ومتوافرة فى الأسواق السياسية والفكرية، بدءا من أزمتها الطائفية المنغرسة فى طين البلد، وحتى أزمتها الاقتصادية الناشبة فى أطراف البلد، ثم إن إعلاء دولة القانون شعار ومبدأ كفيل بإعادة الوطن إلى جادة الصواب، وإعادة المواطنين إلى الصواب الجاد!
لكن يبقى مَن الذى فى يده تنفيذ هذه الحلول؟
أول خطوة أن يعلن المجلس العسكرى أن هذه الحلول ليست مهمته ولا هدفه، فالغاية الوحيدة التى يضعها على أجندته هى تسليم البلاد إلى سلطة مدنية، محافظا على أمنها وحدودها، وحاميا ديمقراطيتها ومدنيتها، وفى سبيل ذلك يشكّل حكومة وطنية ناجحة، تزيح كابوس الفشل الجاثم على مبنى مجلس الوزراء فى شارع قصر العينى!
ثم يترك الباقى على الشعب فى صناديق الانتخابات!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer