آخر تحديث: الجمعة 2 سبتمبر 2011 11:22 ص بتوقيت القاهرة
زوجة الشهيد حميدان سويلم تروي قصة استشهاده
تصوير:أيمن محسن
الشهداء العشرون ــ بحسب تقرير أعده نشطاء حقوقيون سيناويون بعد استشهاد رجال الشرطة الخمسة الشهر الماضى ــ بينهم 7 مدنين من سكان الحدود، و13 ضابطا ومجندا من الشرطة المصرية المنتشرة لتحمى الحدود المصرية مع الأراضى المحتلة، وقائمة أخرى تضم 14 مصابا ــ بينهم 9 مدنيين و5 ضباط شرطة ــ برصاص إسرائيلى محرم دوليا طبقا لتقارير قوات حفظ السلام المنتشرة على الحدود المصرية الإسرائيلية، منذ عام 2000 حتى الآن، وعدد كبير، من الأسرى المصريين من سكان الحدود فى السجون الإسرائيلية، اختطفتهم الدولة العبرية بتهمة تهريب بضائع لإسرائيل أو بتهم سياسية أهمها التعاون مع حماس.
«الشروق» فى هذا التحقيق تفتح ملف أسرى وشهداء الحدود، الذى ظل محظورا، طيلة عهد النظام السابق، الذى كان يتمتع بعلاقات غير بريئة مع جنرالات إسرائيل، حتى وصل الأمر إلى تلفيق الاتهامات لأسر الشهداء الذين طالبوا بحقهم فى محاكمة قتله أبنائهم. على حد قول هذه الأسر.
قرية «الدهنية»، أولى القرى الحدودية التى تفصل بين الحدود المصرية مع غزة واسرائيل، كانت أكثر القرى التى سجلت عدد من الشهداء برصاص أطلقة جنود الجيش الإسرائيلى من أبراج المراقبة الإسرائيلة المنتشرة على طول الحدود.
أصوات رصاص مجهول المصدر لا تنقطع فى هذه القرية، التى راح ضحيته مدنيون مصريون، وبين طرق ضيقة وغير ممهدة تتخللها زراعات التين الشوكى، وبجوار مدرسة عمر مكرم (على بعد 500 متر من كرم أبوسالم) استشهد حيمدان سويلم سليمان برصاص إسرائيلى أمام منزله أثناء ذهابه لعمله صباح يوم الثالث من يناير 2008، تاركا أربعة أولاد وبنت.
زوجة الشهيد، أم عزيز تحدث لـ«الشروق» بصعوبة، مقاومة دمعها الذى لم يجف منذ رحيل فقيدها، عن حادث استشهاده قائلة: «أنا حاسة أنها لسه حاصلة الحين، وربنا يعوض عليا من كل الخراب اللى سببه لينا مبارك وأمن الدولة».
تقول أم عزيز إن رصاصة أطلقت من برج المراقبة الإسرائيلية الذى يبعد نحو 900 متر عن منزلها أودت بحياة زوجها، بعد أن خرقت جسده، وقطعت شريانه ثم ارتطمت بجدار المنزل، ولا تزال آثارها شاهده على الحادث حتى الآن، رغم محاولات نظام مبارك تبرئة إسرائيل من دم زوجها.
أم عزيز تؤكد أنها لا تمتلك أى أوراق تثبت حق زوجها للأخذ بثأره، «أمن الدولة والطب الشرعى دوخنا على الأوراق، ورغم شهادة الطبيب الشرعى بمستشفى العريش أن سبب الوفاة كان برصاص اسرائيلى، فإنهم بدلوا الأوراق، وكتبوا أنه توفى برصاص مصرى، ولم تحقق النيابة فى الحادث، وعندما هدد أخوه برفع قضية لإثبات حق أخيه هدده أمن الدولة بتلفيق محضر بأنه القاتل بعد أن غير تقرير الطب الشرعى للمرة الثانية، وقال إنه قتل بطعن سكين بعد أن تركوا جثته فى المستشفى ثلاثة أيام.. منعونا فيها من رؤيته أو تسلم الجثة».
وتواصل أم عزيز، أن جهات تحقيق أجنبية تتبع قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام بسيناء جاءت لتعاين موقع الحادث، وتقريرها أثبت تورط إسرائيل فى قتل زوجها، فضلا عن عدد من الشكاوى، التى نشرت فى الصحافة وقتها والاستغاثات، التى لم يكن نتيجتها سوى محاولات لطمس الحادث مقابل 5 آلاف جنيه، وتموين شهرى، من وزارة التضامن الاجتماعى.
لا يزال عمر سويلم الابن الأصغر للشهيد البالغ 8 سنوات، يتذكر حادث مقتل أبيه عندما كان عمره 5 سنوات، يقول أمى مصرة على استكمال تعليمى، لكنى لم أنس الثأر لدم أبى ولن أترك إسرائيل، «لو شفت عسكرى إسرائيلى على الحدود هاطخه زى ما طخ أبويا».
تنهى أم عزيز حديثها: «ما بقدر أتكلم أكثر من هيك.. لكن مش هانسيب حق زوجى.. وأولادى فاكرين دم أبوهم.. ونتهم مبارك لأن يده ملطخة بدم شهدائنا.. الله لا يسامحه».
وعلى بعد أمتار كان حادث آخر استشهدت فيه الطفلة سماح نايف (14 سنة) أمام منزلها على الحدود بمنطقة معبر كرم أبوسالم، أثناء جمعها للحطب مع بنت عمها نجاة.. لتأتيها طلقة أصابت رأسها من الجانب الإسرائيلى، دون أى سابق إنذار، لتلقى حتفها أثناء نقلها إلى مستشفى رفح.
تقول نجاة، وهى تشير إلى مكان الحادث على بعد متر واحد من بيت الشهيدة سماح إنه لم يكن هناك أى خطر ولم نسمع قبلها أى صوت للرصاص سوى رصاصة صوبها جندى إسرائيلى من برج المراقبة الإسرائيلى فى رأس سماح أودت بحياتها، ولم نكن نلعب بجوار الحدود كما قال الإسرائيليون ليبرروا قتلنا.
نايف سليمان والد الشهيده سماح تحدث لـ«الشروق»، وهو يقرأ تقرير الطب الشرعى الذى رفض الاعتراف بأن سبب الوفاة طلق نارى إسرائيلى.
يقول سليمان إن الأطباء بمستشفى رفح التى استقبلت جثة سماح شهدوا أن سبب الوفاة طلق نارى إسرائيلى، كما شهد أهل القرية بأن الرصاص جاء من الجانب الإسرائيلى، لكن فوجئنا بتقرير الطب الشرعى الذى قدم للنيابة بأن الطلقة، التى أصابت سماح هى رصاص مصرى وليست اسرائيلية، وهو التقرير الذى صدقت عليه النيابة المصرية، التى برأت إسرائيل من دم سماح، ولم تنسب التهمة لأحد.
3 سنوات مروا على استشهاد ابنته لكن يظل سليمان ينتظر الثأر لدم ابنته وتحقيق العدالة وتقديم الجانى الحقيقى، حفاظا على كرامة المواطن المصرى، الذى يعيش على الحدود دون احساسة بأى انتماء بعد أن تركه وطنه ضحية لرصاص إسرائيلى طائش يقتل الصغير والكبير دون رقيب أو حسيب ــ حسبما قاله نايف سليمان.
حوادث القتل برصاص الإسرائيليين لم تتوقف منذ عام 2000 حتى استشهاد خمسة من الجنود المصريين فى اشتباكات الكونتيلا قبل أيام، لتسجل إسرائيل قائمة طويلة من الانتهاكات لحرم الحدود المصرية، التى لم تفرق العسكر من المدنيين، الذين فقدوا أدنى السبل للحصول على حقهم، حيث اعتراف أجهزة التحقيق المصرية بالجانى الحقيقى.
أسير بتهمة تهديد أمن إسرائيل
لم تتوقف الانتهاكات الإسرائيلية على حد القتل العمدى أو العشوائى، لكن ملف الأسرى المصريين بالسجون الإسرائيلية لا يزال زاخرا بالعديد من الانتهاكات، التى ترتكبها اسرائيل بحق مصريين تناسهم النظام السابق دون محاولة التدخل لتحرير أسرهم، أو فتح تحقيق بشأن تورطهم فى الاتهامات التى وجهتها لهم إسرائيل من عدمه.
أعداد الأسرى المصريين لم تحددهم أى جهة رسمية لكن حملات شعبية أطلقها عدد من أبناء ومشايخ سيناء تحدثوا عن نحو الـ70 أسير مصرى بتهم جنائية، محكوم عليهم بأحكام تتراوح من عام حتى 8 أعوام، ونحو 10 أسرى بتهم سياسية تكدر أمن إسرائيل محكوم عليهم بالسجن لفترات تبدأ من 10 سنوات حتى الثلاثين عاما.
«الشروق» التقت أهل الأسير المصرى إياد أبوالحسنة، الذى أتم 20 عاما فى معتقلات اسرائيل، من جملة الحكم عليه بـ30 عاما، بعد أن قبض عليه خلال تنفيذه عملية فدائية بمنطقة «ديمونا» هو وأحد مرافقيه إلا أنه ألقى القبض عليه قبيل إتمام مخططه باختطاف حافلة ركاب وما أن هم بإطلاق الرصاص حتى حوصر بعد أن أصيب فى قدميه.
قصة الأسير أبوالحسنة التى ظلت غامضة لم تذكر على لسان أحد سوى ما قاله عميد اسرى لبنان المحرر سمير القنطار، عندما أخبر الإعلاميين بعد الإفراج عنه فى يوليو 2008 بأن معتقل «هادريم» الإسرائيلى يوجد به أسير مصرى يدعى إياد أحمد مصطفى أبوحسنة، اعتقل عام 1989 وهو من رفح المصرية، لتتكون على الفور حملة شعبية على موقع (الفيس بوك) شارك فيها 1402 عضو من نشطاء الموقع تدعو للمطالبة بالإفراج عنه.
يقول محمد أبوحسنة، شقيق الأسير المصرى لـ«الشروق» أن أهله لم يتمكنوا من زيارته سوى مرة واحدة سمح له بمقابلة أخيه فى عام 1999 فى معتقل بمدينة أريحا، كان يعانى وقتها من أوضاع انسانية صعبة نتيجة طول سنوات الاعتقال.
وفى جولة لـ«الشروق» بمنطقة العجرة على الحدود المصرية الإسرائيلية، تحدث أهالى عدد من الأسرى المصريين، الذى أسرهم الجيش الإسرائيلى على الحدود بتهمة محاولة تهريب بضائع لإسرائيل.
«الشروق» رصدت فى جولتها أوضاع إنسانية صعبة، فى قرى يعانى معظم شبابها من البطالة المطلقة، التى دفعتهم للتهريب على الحدود مع إسرائيل، «بنحمل روحنا وكرتونة البضائع على كتفنا مقابل 150 جنيها للكرتونة» هكذا يؤكد شقيق الأسير سعيد سليمان، المسجون فى إسرائيل بعد أصابته فى قدمة أثناء تهريبه كرتونة بضائع على للجانب الإسرائيلى, يقول يوسف سليمان إن إسرائيل اعتقلت ثلاثة من أشقائه أثناء تهريبهم بضائع من خلال مقاولى التهريب من البدو فى مصر وبدو إسرائيل من عرب 48، إلا أن أحكام متفرقة بالحبس لمدة عام حتى 3 أعوام دون تدخل الجانب المصرى فى التحقيق أو إبلاغنا بمصير أشقائى.
لا أحد يمتلك معلومات مؤكدة عن عدد الأسرى المصريين، الذين تناساهم النظام السابق فى السجون الإسرائيلية، حتى السفير المصرى بإسرائيل الذى صرح بأنه لا علم له بهؤلاء الأسرى، ولم يغلق الملف حتى الآن لينضم إلى قائمة الأسرى المئات من شباب سيناء، الذين لا يزالون يعملون فى التهريب لقسوة الظروف الإنسانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات