الأقسام الرئيسية

نعم لعصام شرف.. بشرط

. . ليست هناك تعليقات:
الكاتب
Mon, 27/06/2011 - 08:05
من سوء طالع حكومة عصام شرف أن خلافاً مهماً تفجر فى ديوان رئاستها فى يومها المئوى أدى إلى استقالة نائب رئيسها (وإن لم تكن قد قُبلت) وإلى صدور قرار بحل مجلسها الاستشارى (الذى وُصف بأنه دائم) أعتقد أن من حقنا عليها أن نعلم أسبابه.. وزاد من قتامة المشهد أيضاً انطلاق مآخذ على الحكومة من كل جانب، من أصدقائها ومن أعدائها على السواء، تتهمها حيناً - وهى التى خرج رئيسها من ميدان التحرير - بأنها خانت الثورة، وتصفها أحياناً بأنها حكومة فاشلة بطيئة تمسك بها أياد مرتعشة.

نعم، من المؤكد أن فى هذه الاتهامات شيئاً من الصحة.. نعم، فى ظل حكومة شرف لم يتمكن الشعب من إسقاط النظام السابق وإن كان قد بتر رأس الأفعى.. نعم، فشلت الحكومة فى إقصاء فلول مبارك الذين يتنكرون الآن فى ثوب الثوار ويستجمعون قواهم من خلال المجالس المحلية ومؤسسات المال بل ومؤسسة الأمن أيضاً..

نعم، قيادات الحكم البائد لا يزالون - فى معظمهم - فى أماكنهم، والذين أفسدوا الحياة السياسية طلقاء أحرار.. نعم، رموز ما قبل الثورة يتصدرون المشهد الإعلامى والمشهد الثقافى، وهم هم رؤساء الجامعات وهم هم المحافظون.. بل إن هؤلاء يتقلدون مناصب وزارية عدها أحدهم مؤخراً فإذا بها 18 وزارة.. بين هؤلاء وزير المالية وهو واحد من سدنة مجلس سياسات الحزب الوطنى، وواحد من العشرة الذين عيّنهم مبارك فى مجلس الشعب المزور الأخير.

نعم، فشلت الحكومة فى تطهير البلد من الفساد القديم الذى لايزال ينخر فى عظام الوطن.. نعم، لم تفعل الحكومة ما يمكن أن تتباهى به من أجل الفقراء، ولا من أجل الفئات المهمشة التى لاتزال اعتصاماتها تقطع الطرق وتعطل سبل العيش.. نعم، فلتان الأمن لايزال يروع الناس، وفلتان الإعلام قد يكون أكثر خطورة ووطأة.. كل هذا صحيح..

ويزيدنا حسرة أن تعلن علينا الحكومة ميزانيتها قبل يومها المئوى فإذا هى مجرد مسخ، نسخ للميزانيات القديمة فى إطار فلسفة النظام القديم لسوق متوحشة كانت أبرز أسباب ثورة المصريين.. ميزانية لا تنفق على الصحة أكثر من 1.6٪ من الدخل القومى وعلى التعليم 3.5٪ ليس أكثر، وتبلغ فيها ميزانية الانتخابات (605 ملايين جنيه!)ضعف المخصص للقرى الأكثر فقراً وثلاثة أمثال المرصود لتنمية الصعيد، وتزيد فيها مخصصات الهنك والرنك بما فى ذلك الدعاية والإعلان والحفلات والاستقبالات وبدلات السفر عما كانت عليه ميزانية مبارك الأخيرة.

نعم، لم تضع الحكومة حداً للاحتكار فى السوق، ولا أضافت شيئاً لحماية المستهلك، ولم تستطع كبح زيادة الأسعار، ولا وضعت حداً أقصى للأجور يوقف إهدار المال على المستشارين، ولا أرضت العمال بحد أدنى معقول للأجر، ولا اقتربت من سياسة الضرائب التى تشد الرباط على الفقراء وترخى الحبل للموسرين..

نعم، أربكتنا الحكومة فى موقفها من الاقتراض من البنك الدولى الذى تسببت سياساته فى خراب مصر مبارك.. وزير المالية من جهة يعلن تأجيل القروض الدولية، فإذا بوزيرة التعاون الدولى تبلغنا بأننا لانزال نتفاوض مع البنك.

نعم، تمتد الربكة أيضًا، فلا نعلم إلى أين تقودنا سياسة حكومة عصام شرف، هل تهدد الثورة أم تجهضها، وهل تفتح الباب أمام ثورة ثانية، وبعض القوم يصفون هبّتنا الكبرى مرة بأنها أحداث 25 يناير، ومرة بأنها انتفاضة مؤقتة، بل إن الدس بات يتناثر على أوراق الصحف زاعماً أنها من صنع الأجنبى.

لا يمكن أن نعفى الدكتور عصام شرف من المسؤولية عن كل هذا أو بعضه.. لكن.. حذارِ من جلد الذات.. لقد قمنا بثورة يتحدث بنقائها ورقيها العالم كله.. كسرنا أنف الظالم وحطمنا الظلم وأزلنا غشاوة الظلام، وفتحنا الباب واسعاً أمام شعوب العرب نحو مستقبل عادل كريم..

حذار من تخريب البنيان الشامخ الذى صفه الشعب كله يوم 25 يناير.. بعضاً من الصبر وقليلاً من القوة، عصام شرف ليس ملاكاً، ولم يدّع أنه الملهم المنقذ.. هو ليس أفضلنا نعم، لكنه واحد من أفضل من فينا.. تواضعه هذا وخطوته الحذرة أفضل لنا فى ظروفنا هذه من رجال قد يعجبك حزمهم فإذا بهم وراء الستار الخدَّاع طغاة مستكبرون، ولو كان بعض المرشحين المرموقين، الذين يطرحون أنفسهم لتولى الرئاسة، قد تولى المسؤولية مكانه اليوم لكنا بكينا من الندم.

ثم، بعيداً عن الافتراض، نحن فى حقيقة الأمر فى فترة انتقالية ليست كافية لإصدار الأحكام، وهى فى كل الأحوال فترة لا تكاد تذكر فى تاريخ الأمم.. والواقع ينطق بأن الظروف التى يعمل فى ظلها شرف ظروف حرجة، من انفلات أمنى إلى أزمة اقتصادية إلى محنة طائفية طاحنة.. والرجل يستمع للشعب ويستجيب حتى وإن كانت الاستجابة لا تتم سوى بعد أن تتصاعد الصيحات عالية من ميدان التحرير..

والحكومة تمكنت من حل بعض المشكلات الفئوية وإن لم تكن حلتها جميعاً، وأشاعت قدراً من التهدئة وسط أجواء مشتعلة توتراً واحتجاجاً وأملاً أججته طموحات زائدة.. وفى نهاية الأمر فالحكومة محكومة بأنها حكومة تسيير أعمال إلى حد أن البعض يطالبها بألا تضع استراتيجيات تلزم أجيالاً دون أن يكون لديها التفويض الدستورى اللازم.

صحيح أن أوضاع الأمن لاتزال متردية، لكنها فى تحسن تدريجى حتى وإن كان بطيئاً.. والذى يوازى الأمن فى الأولوية هو سير عجلة الاقتصاد.. هنا أيضاً نجد أن حكومة شرف، رغم كل المثالب، أوقفت النزيف الاقتصادى.. السحب من الاحتياطى النقدى انخفض من 3 مليارات دولار فى الشهر إلى مليونين.. الجنيه لم يفقد سوى 1٪ من قيمته.. الودائع فى البنوك ازدادت..

البورصة استقرت.. دخل قناة السويس يتصاعد.. غالبية المصانع تعمل.. الصادرات ترتفع.. الاستثمارات العربية فى الطريق.. السياح وصل عددهم إلى 800 ألف فى مايو بعد أن كانوا 200 ألف فى فبراير.. ورغم المعاناة أقرت الحكومة علاوة اجتماعية قدرها 15٪.

ومع ذلك، فمهما كانت الخسائر الاقتصادية فإن مكاسب الثورة التى حققت للناس الكرامة وحمتهم من القمع أعظم من أى خسارة مادية.. لذلك فظنى أن جماهير الثورة يمكن أن تتسامح مع حكومة شرف شريطة أن تعود إلى المسار القديم للثورة وألا تسلمها إلى أعدائها.. عند ذلك فقط يمكن للشعب أن يعطى عصام شرف الثقة التى لا نستطيع منحها إياه اليوم ونحن مطمئنون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer