الأقسام الرئيسية

الأسئلة التي يتهرب منها الأخوان

. . ليست هناك تعليقات:


لا تستقيم قاعدة 'السمع والطاعة' التي تحكم سلوك الأخوان مع ما تدعيه من إيمان بالديمقراطية. كما لا يستقيم إنكارها للإرهاب مع حقيقة أن كبار المتطرفين الإسلاميين ولدوا من رحم الجماعة وفكر سيد قطب.

ميدل ايست أونلاين


بقلم: عبدالله كمال


لا افضل ان اطلق على "جماعة الأخوان" وصفها المعتمد من جانبها، اي "الأخوان المسلمين" ذلك ان القبول بهذه التسمية يعني الرضوخ للمنطق الايديولوجي الذي بمؤداه يعتبر الأخوان انفسهم هم "المسلمين".

ان تلك هي احد اهم المعضلات التي تواجه الأخوان، وتفرض سؤالا جوهريا عليهم، يتهربون من اجابته، بينما تطغي حملة دعاية مكثفة حولهم ولهم وبهم ومن دونهم، للترويج لهم.. مضمون السؤال هو: "هل يعتبرون الآخرين من المسلمين.. مسلمين. وهل يمكن للمسلم ان يكون مسلما معترفا بدينه خارج جماعة الأخوان"؟

ان الاجابة (الدعائية) المتوقعة هي:" بالطبع، ونحن لا نحتكر الاسلام، ولا نقصره على انفسنا ". هذا نوع من الكلام الذي يتردد تلك الايام.. ويندرج تحت وصف "العلاقات العامة" وعمليات تجميل الوجه عتيد القبح والفكر الخفي للجماعة التي تأسست في ملابسات غامضة في مصر عام 1928 ومنها انطلقت كافة مشروعات التطرف الديني المعروفة في تاريخ المسلمين الحديث.

في بداية التحاق اي شاب جديد بجماعه الأخوان لا يكون على دراية حقيقية بكونه في الطريق إلى الانتماء للأخوان، وانما يتم اختباره والتعرف على قدراته وتوظيف حماسه وصولا إلى اقناعه بانه لكي يكون مؤمنا حقيقيا يقوم بما عليه من واجبات فان عليه ان ينضوي تحت "جماعة".. ثم يتم اقناعه بان تلك "الجماعة" التي تعبر عن الاسلام هي "الأخوان". وتمضي مراحل التربية مع سنوات العمر بحيث لا يقبل العضو بأي آخر خارج "الأخوان".. لأنه غريب.. ومختلف.. وربما كافر.. حتى لو كان مسلما.. ترسيخا لمعنى التميز المناقض.. وتثبيتا لطاعة العضو لقيادة الجماعة.. تلك التي تقوم على السمع دون نقاش.

وبينما تحاول الجماعة الان، وبعد متغيرات مصر، معتقدة انها سوف تصل إلى الحكم في ظل اوضاع الدولة العربية الكبرى الحالية، ان تدعي كونها "تؤمن بالديموقراطية وتقبل بها"، فان سؤال "السمع والطاعة" لم يجد اجابه ولن يجد اجابة لدى جماعه الأخوان.. باعتباره مناقضا لمنطق الديموقراطية.. ولكونه محوريا في ايديولوجية الجماعة التي تقوم قاعدتها على ان العضو يتبع "ما يملى عليه".. وما يقال له من شيخه.. في الشعبة او الادارة او على مستوى عموم الجماعة.

لا يمكن هنا قبول ما يردده الأخوان بشأن اجيالهم الجديدة التي تتناطح علنا وعلى المدونات وفي البرامج التلفزيونية مع قياداتها، ذلك ان هذا من جانب فيه هو نوع من الدعاية التي اجبرت عليها الجماعة حين لم تتمكن من استيعاب هذه المتغيرات في الاجيال الجديدة، فقررت ان توظفها لصالحها. كما انه من جانب اخر لم ينعكس جوهريا على التخلي عن قاعدة "السمع والطاعة" المناقضة للديموقراطية. وحتى هذه اللحظة لا يمكن لعضو في الأخوان ان يتخذ قرارا سياسيا خاصا ويعتبر من الأخوان. بل ان المرشد العام محمد بديع استبق الانتخابات الرئاسية في مصر وامر من الان بعدم التصويت لصالح عبدالمنعم ابو الفتوح القيادي الأخواني الذي قال انه سوف يترشح للانتخابات. كيف يكون الأخواني حرا وهو يتلقى امرا بالتصويت من قبل مرشده لا يمكن له ان يحيد عنه.. سؤال مهم بغض النظر عن تقييمي للمرشح المحتمل ابو الفتوح.

ان هذا السؤال الذي يتم التهرب منه بشان السمع والطاعة سوف يتحول إلى كارثة حقيقية حين يكون لدى الأخوان - فرضا - حكم البلد في مصر او غيره من البلدان، ويكون على كل المواطنين ان يتبعوا ما يقال من القيادة وفقا للسمع والطاعة، وليس حسب التصويت والتوجهات السياسية المختلفة للافراد.

ومن ثم تجد الجماعة نفسها في مواجهه سؤال اخر، تتهرب من الاجابة عليه ولا تريد له ان يكون مطروحا: هل المصري او السعودي او الاماراتي او العراقي في عرف الجماعة الأخوانية هو "مواطن" ام انه "رعية")، هل تكون له نفس المميزات كمواطن له حقوق دستوريه حتي لو لم يكن أخوانيا.. ام انه لابد ان يكون أخوانيا لكي يتمتع بالمميزات التي سوف تتاح للفرد في مجتمع يحكمه الأخوان؟

المشكلة هنا ليست في ان الأخوان قد اعلنوا قبولهم بالحقوق السياسية لاي من اتباع ديانات اخرى، خصوصا الاقباط في مصر، وانما في موقفهم من المواطن المسلم غير العضو في جماعه الأخوان.. ذلك الذي لم يقسم على عهد سري في التنظيم.. ولم يخضع لتدريبات الكتائب.. وتعليمات الشعاب.. ولم ينضو تحت برامج المعسكرات التي تلقنه القيم الغير عصرية للجماعة والمنبنية على دروس وتعاليم حسن البنا الملقب لدى الأخوان اماما. وشنت الجماعة حمله عظمى ضد مؤلف درامي لم يقدمه في مسلسل تلفزيوني شهير على انه "مقدس" كما يراه الأخوان.

ان التصريحات الوردية التي تتناثر في وسائل الاعلام المختلفة، خصوصا في الغرب والولايات المتحدة، لا يمكن ان تمحو تراثا متراكما من الكتب والادبيات والاحكام والتعليمات ظل الأخوان يلقنوها لتابعيهم طيلة 85 عاما.. وهي لكي تكون مقنعة - اي التصريحات الوردية - فانه لابد ان تتبعها مراجعات حقيقية لكل تراث الجماعة يتم التأكد من خلالها ان هناك تغييرا قد جرى.

ما الذي جد الان لكي نصدق ان الجماعة قد بدلت ما كانت تؤمن به، هل هو زر يتم الضغط عليه؟ كيف يمكن ان يكون المرشد المنتمي للتيار القطبي ملاكا يقبل بالديموقراطية بمجرد ان يترك الرئيس المصري السابق حسني مبارك الحكم.. ما الذي تغير في الأخوان وداخل بنيتهم وفي تفكيرهم.. هذا هو السؤال.. وهو لن يجد اجابة بناء على حقيقة ان مصر تغيرت. ان المهم بالنسبة للمتعاملين مع احتمالات الأخوان هو: ما الذي طرأ على الأخوان من تغيير؟

في تقارير وكالات الانباء عن تولي ايمن الظواهري لقيادة تنظيم القاعدة بعد اسامة بن لادن، استدعت كلها من الارشيف ان الظواهري كان "أخوانيا"، وهي حقيقة تاريخية لا ينفيها ان الجماعة الأخوانيو تنكر علنا على القاعدة ما تقوم به من عنف، ولا ينفيها ان الظواهري نفسه قد اصدر في مطلع التسعينات ما اسماه "الكتاب الاسود للأخوان".

ليست تلك واقعة عارضة في تاريخ الجماعة. بل انها الخط الاساسي في بنيانها تنظيميا وايديولوجيا منذ ما لا يقل عن ستين عاما. ومنذ انكر قادة في الجماعة علنا على ما عرف بـ"النظام الخاص" - الجناح العسكري الاول للجماعة - كونه من الأخوان.. ومنذ قال المرشد الهضيبي الاول "ليسوا أخوانا وليسوا مسلمين".

كان الظواهري أخوانيا، وكان عبدالله عزام، صانع ظاهرة الافغان العرب أخوانيا، وهو نفسه المرشد الروحي لاسامة بن لادن، وكان شكري مصطفى زعيم جماعه التكفير والهجرة أخوانيا، وكان زعيم جماعة التبليغ والدعوة في مصر أخوانيا، وكان صالح سرية أخوانيا، وكان عمر عبدالرحمن زعيم الجماعة الاسلامية العنيفة في مصر أخوانيا، بل وكان ياسر برهامي زعيم الجماعة السلفية المثيرة للجدل في مصر ألان أخوانيا.

ما يعني ان القيادات العنيفة المرموقة في تاريخ التطرف كانت نابعة من الأخوان، ليس فقط تنظيميا، وانما ايضا فكريا، وهي الحقيقة التي تجعلنا امام سؤال جوهري اخر تتهرب الجماعة الأخوانية من الاجابة عليه: لماذا نشأت من داخلها كل جماعات العنف، ولماذا تتبني كل تلك الجماعات نفس المرجعية الفكرية التي تتبناها جماعه الأخوان حتى الان.. اي كتب سيد قطب؟

لا يوجد تنظيم، ولا جماعة عنيفة، انضوت تحت الصفة الاسلامية، في اي بقعة من الارض لم يكن سيد قطب لها مرجعا.. ولم تكن افكاره لها منهجا. وسيد قطب كما هو معروف هو صاحب فكر التكفير وجاهلية المجتمع العصري والمنظر الاشهر منذ الستينات بـ "حاكمية الله". وهو حتى اليوم نبراس الجماعة الأخوانية الذي لم تخضع افكاره لمراجعة. بل وتلقن رؤاه حتى اللحظة لكل كادر أخواني جديد. فهل سوف تجد اسئلته اي اجابة لدي الجماعة وهي تمارس حمله العلاقات العامة التي تدعي خلالها انها تؤمن بالديموقراطيه؟

ليس بعيدا عن هذا كله سؤال جوهري اضافي، من بين تلك الاسئلة التي تتهرب منها الجماعة، وهو: إلى اي مدى تؤمن بمشروع "الخلافة الاسلامية"؟ المسألة هنا ليست لها علاقة بمشروع الحلم الذي يراود المسلمين منذ قرون بشأن الوحدة بين المسلمين.. وجمع شتاتهم في اطار تنموي قد يبدو مستحيلا ولكن الحلم به امر مشروع.. وانما المسألة هي: كيف سوف يكون لكل دولة سيادتها وتميزها في هذه الخلافة التي تسعى اليها جماعه الأخوان؟ منْ سيقودها.. هل سيكون هو السلطان العثماني ام انه الوالي المصري.. وكيف يمكن للمجتمعات الساعية للديموقراطية والحريصة على مقومات المواطنة ان تقبل مثلا ما كان قد قاله محمد مهدي عاكف مرشد الجماعة السابق في عام 2006 بشأن قبوله ان يحكم مصر اندونيسيا او ماليزيا، في ذات الوقت الذي كان قد قال المرشد الاسبق عليه مصطفى مشهور انه يرفض اداء الاقباط في مصر للخدمة العسكرية في جيشها!

هذا يعيدنا مجددا إلى مسألة المواطنة المهمة، وهي محورية في فكر الأخوان.. لكونها مرفوضة وتعاني من تناقضات مذهلة. حيث يمكن قبول ان يحصل غير المواطن على حقوق المواطن بحسبانه فقط مسلم ولو كان من ابناء دوله اخرى. في حين لا يحصل المواطن المسيحي على حقوقه في بلده الذي ينتمي اليه بحسبانه من دين اخر.

تلك بعض من الاسئلة التي تتهرب الجماعة المنبع للتطرف في الاقليم، وربما في العالم الاسلامي كله، من ان تجيب عليها.. وهناك بالتأكيد اسئلة أخرى.

عبدالله كمال

كاتب سياسي مصري

www.abkamal.net

abk@abkamal.net

twitter:@abkamal

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer