لعدم تمكن حزب العدالة من ثلثي مقاعد البرلمان
الأحد 17 رجب 1432هـ - 19 يونيو 2011مجدّد الشعب التركي ثقته مرة أخرى برئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وحزبه لولاية ثالثة، غير أنّ الناخبين الأتراك الذين صوتوا لصالح حزب العدالة والتنمية الحاكم بنسبة تناهز 50% لم يمكّنوا أردوغان من سلطة مطلقة في البرلمان بعد فوزه بـ 326 مقعدا فقط، رغم طموحه للفوز بـالأغلبية وهي 367 مقعدا أي ثلثي المقاعد.
لاشكّ أن أردوغان وحزبه قد برهن على أنه يحظى بشعبية واسعة، وأنه استطاع أن يكسب أصواتا من مختلف شرائح المجتمع التركي، الأمر الذي يعكس مساندة شعبية واضحة لما ينتهجه من سياسات وما حقّقته حكومة العدالة والتنمية من إنجازات كبيرة قدّرها الناخب التركي.
أردوغان الذي يستعد لتشكيل حكومته الجديدة يدرك أنّ تحديات كبيرة تنتظره لإنجاز ما وعد به المواطنين الأتراك خلال حملته الانتخابية، ومن أبرز ذلك صياغة دستور جديد لتركيا، ومواصلة مسيرة الإصلاحات السياسية ومحاربة الفساد والمافيا وإنهاء هيمنة المؤسسة العسكرية على القرار السياسي، والتقدم خطوات عملية نحو التوصل لحل سياسي وسلمي للقضية الكردية، وتأهيل الاقتصاد التركي للمرتبة العاشرة عالميا،
وتعزيز مكانة تركيا و دورها الاقليمي.
معظم أحزاب المعارضة التركية تبدو متفقة على ضرورة صياغة دستور جديد لتركيا ينهي العمل بالدستور الحالي الذي سطّره الجنرالات الأتراك على مقاساتهم في آخر انقلاب عسكري قاموا به في مطلع الثمانينيات، لكن هذه الرؤية المشتركة قد لا تهيّئ الأرضية لتوافق بين مختلف الأحزاب التركية حول صيغة الدستور الجديد، وهو ما يجعل تركيا مرشحة لجدل سياسي كبير حول هوية الدستور المرتقب الذي يطرحه أردوغان.
لاشك أن حزب العدالة والتنمية الحاكم مطالب اليوم بتحقيق الحدّ الأدنى من التوافق مع مختلف الأحزاب السياسية والفعاليات المدنية والمؤسسات الدستورية لاسيما القيادة العسكرية وجهاز القضاء لإجازة مسودة الدستور في البرلمان التركي، لكن أردوغان قد يجد نفسه مضطرّا للعودة مرّة أخرى للناخبين الأتراك في استفتاء شعبي حول مشروع الدستور في حال تعذّر عليه تأمين التوافق المطلوب و هو أمر يبدو غاية في الصعوبة أمام رغبة بعض الأطراف التركية الكمالية الإبقاء على دور فاعل للمؤسسة العسكرية في الحياة السياسية باعتبارها الضامن الأساسي لعلمانية الدولة التركية استنادا لمادة واضحة في الدستور التركي الحالي.
مهمة صعبة على الساحة الكردية
يتحرّك أردوغان بثقة كبيرة لإنجاز الدستور الجديد وبقية الإصلاحات السياسية الأخرى التي وعد بها لاسيّما إنهاء تداخل الصلاحيات فيما بين المؤسسات الدستورية، وإصلاح النظام القضائي للتقدم بأوضاع الحريات وحقوق الإنسان التي تهيّئ الأرضية لحلّ سياسي و سلمي للقضية الكردية في تركيا.
وبرغم الحرص الذي يبديه حزب العدالة و التنمية الحاكم للتوصّل إلى حل نهائي للقضية الكردية من خلال نص الدستور الجديد الذي يقول أردوغان أنه سيعترف بحقوق جميع الأطراف العرقية والدينية التي تمثّل نسيج المجتمع التركي، إلاّ أن هذه المهمة لا تبدو سهلة بسبب حالة التشرذم التي تعيشها الساحة الكردية داخل تركيا وعدم وجود رؤية واحدة للحل، بالإضافة إلى ارتباط بعض التنظيمات الكردية بأطراف خارجية وتعالى أصوات كردية بفرض خيار الحكم المحلّي للمناطق ذات الأغلبية الكردية الذي يعتبر شكلا يتقارب مع الحكم الذاتي والذي لا تبدو أنقرة مستعدة له في هذه المرحلة.
و يبقى التحدّي الإقتصادي هو الأكبر أمام حكومة أردوغان حيث ينتظر الناخب التركي تحقيق معدّلات نموّ اقتصادي تساهم في الحدّ من ظاهرة البطالة و ترفع من دخل الفرد التركي من 10 ألاف دولار إلى 15 ألاف دولار كما وعد أردوغان، و تعزيز البنية التحتية التي حقّقت قفزة نوعية خلال السنوات الأخيرة حيث تمكّنت حكومة العدالة و التنمية من إنجاز 15 ألف كيلو متر من الطرق السيارة و 500 ألف سكن اجتماعي بالاضافة إلى خطوات عملية في طريق تحقيق مجانية كاملة للخدمات الصحية والتعليمية والرعاية الاجتماعية.
تراجع عن تغيير النظام إلى رئاسي
من الواضح أن عدد المقاعد التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية (326 مقعدا ) لا تشجّع أردوغان على طرح ما كان يدعو إليه لتغيير نظام الحكم في تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، و يبدو أنّه سيعطي الأولوية في المرحلة المقبلة لملف صياغة الدستور الجديد الذي ينتظره الشارع التركي، لكن رغبة أردوغان في الترشّح لمنصب رئاسة الجمهورية عام 2014 تبدو واضحة وطريقها ميسّر نظرا لأن حزبه يحتلّ أكثر من نصف مقاعد البرلمان التركي.
أعطى رجب طيب أردوغان خلال خطابه أثناء احتفاله بفوز حزبه في الإنتخابات إشارات واضحة بأن الدور الإقليمي لتركيا سيشهد توسّعا أكبر، و لعلّ إشارته إلى أن فوز تركيا هو فوز لشعوب الشرق الأوسط يشير إلى أن أنقرة ستبقى منحازة لخيارات شعوب المنطقة وأنها ستدعم مسيرتهم نحو بناء أنظمة ديمقراطية و تعددية لقناعة تركيا بأن بناء شراكتها الإستراتيجية مع أنظمة ديمقراطية ستشكل الضمانة الحقيقية لمستقبل تلك الشراكة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات