شبه جزيرة سيناء المصرية منطقة صحراوية يشكو سكانها البدو من التهميش والاضطهاد من قبل الحكومة المركزية في القاهرة. مراسل بي بي سي تيم ويويل ذهب الى هناك ليرى ما اذا كان الحال قد تغير عقب الثورة التي شهدتها مصر مؤخرا.
"هذه صورتي مع بندقيتي الكلاشينكوف الجديدة"، قال لي مهندس الموارد المائية الشاب عندما كنا جالسين قرب المسبح في احد فنادق مدينة العريش شمالي سيناء.
"لم اكن بحاجة الى واحدة قبل الثورة، ولكنها ضرورية الآن لحماية اسرتي. فالاوضاع تزداد خطورة هنا."
لا يختلف فؤاد (وهذا ليس اسمه الحقيقي) بالمظهر عن اي مصري من الطبقة الوسطى بقميصه التي-شيرت وسروال الجينز وتسريحة شعره. ومثله مثل الآلاف، شارك فؤاد في التظاهرات التي ملأت ميدان التحرير في القاهرة ونجحت في الاطاحة بالرئيس حسني مباك في فبراير / شباط المنصرم.
ولكن فؤاد ليس مصريا بالمعنى المعهود، فهو بدوي، ينتمي الى احدى القبائل التي ما لبثت تجوب قفار سيناء منذ قرون عديدة.
كانت سيناء في التاريخ السحيق بمثابة جسر يربط بين القارتين الافريقية والآسيوية، ولكنها في العقود الاخيرة اكتسبت شهرة كساحة حرب بين مصر واسرائيل.
تهريب اسلحة
وجد البدو انفسهم محصورون بين الاسرائيليين من جهة والجيش المصري من الجهة الاخرى، ويقولون إن هذا احد اسباب التمييز الذي ما برحوا يعانون منه في مصر منذ انسحب المحتلون الاسرائيليون عام 1982 وعادت سيناء الى السيادة المصرية، وهو تمييز جعلهم يشعرون بالتهميش والعزلة والغضب.
يقول البدوي الشاب احمد سلامة: "اذا كنت بدويا لا يمكنك دخول الجيش او الشرطة، ولا تستطيع الانضمام الى السلك الدبلوماسي. ربما يشكون بأن لدينا اتصالات مع الاسرائيليين، ولكن ذلك ليس صحيحا."
كانت سيناء اقل مناطق مصر استقرارا في السنوات الاخيرة لحكم مبارك، حيث قتل العديد من رجال الشرطة في معارك مع البدو اثناء محاولتهم تفكيك شبكات تهريب الاسلحة والمواد الانشائية الى قطاع غزة - المهاجرين غير الشرعيين الى اسرائيل.
كما اثار اعتقال السلطات المصرية لآلاف البدو عقب سلسلة التفجيرات التي طالت منتجعات طابا وشرم الشيخ وغيرها بين عامي 2004 و2006 حنق القبائل، إذ يقول البدو إنهم استهدفوا دون وجه حق.
ورغم اطلاق معظم المعتقلين بعد الثورة، يقول سكان سيناء إن العديد منهم ما زالوا ملاحقين ظلما بتهم التهريب.
هذا الشعور بالاضطهاد هو الذي جعل الوضع في شمالي سيناء حيث يعيش معظم البدو متوترا الى درجة تنذر بتفجر العنف في اي لحظة.
يقول احمد سلامة: "إن الاوضاع تتجه للاسوأ فيما يخص الحالة الامنية، فهناك كميات كبيرة من الاسلحة في ايدي الاهالي، بما فيها الاسلحة الثقيلة كالمدافع الرشاشة. انه وضع مخيف حقا، وانا اشعر اننا متجهون الى حرب اهلية هنا في سيناء."
مشاكل خفية
كانت سيناء دائما مرتعا خصبا للنزاعات القبلية، ولكن الخوف الآن ان تتسع وتتصاعد هذه النزاعات بسبب كثرة الاسلحة اولا وبسبب عدم قدرة - او رغبة - الشرطة، التي انسحبت من الشارع ابان الثورة، في التدخل لفضها ثانيا.
ففي الايام القلائل التي قضيتها في العريش، شهدت حادثتين اغلق البدو المسلحون فيها الطرق في محاولة للثأر لافراد من قبائلهم اختطفتهم قبائل اخرى. ولكني لم اشهد نهاية هذه المواجهات حيث كنت اجبر كل مرة من قبل قيادة الجيش المحلية بالبقاء في الفندق.
قبل سفري الى سيناء، اضطررت للانتظار يومين من اجل الحصول على اذن بالتصوير. ورغم تزويدي السلطات المختصة بكل الوثائق المطلوبة، لم احصل على جواب. ولكن عندما وصلنا الى العريش، وجدنا الفندق المخصص لاقامتنا مطوق من قبل الشرطة السياحية التي منعتنا حتى من التجول في المدينة.
قالت الشرطة إن هذا الاجراء ضروري من اجل سلامتنا، ولكنه من الواضح ان السلطات لا تريدنا ان نطلع على حقيقة الاوضاع في شمالي سيناء.
فالانفتاح الذي وعدت به الثورة لم يصل الى هذا الجزء من مصر.
بعد عدة أيام، سمح لي بزيارة المنطقة الحدودية مع قطاع غزة لتغطية عملية فتح معبر رفح بعد سنوات من الاغلاق.
ولكني استغليت الفرصة لاتجول في المنطقة، واتبعت طرقا جانبية لازور احد تجار الاسلحة في المنطقة.
كان التاجر بدويا يبلغ من العمر 34 عاما يقيم في قصر ذي ثلاثة طوابق شيد من الآجر الملون.
غطى التاجر وجهه بكوفيه قبل بدء التصوير، ثم اطلعنا على اكثر البضائع التي يتاجر بها مبيعا وشعبية: بندقية كلاشينكوف من انتاج الصين.
يقول التاجر إنه كان واحدا من خمسة تجار يحتكرون تجارة السلاح في سيناء بين عامي 2000 و2007، وكان كل منهم يتم اربع او خمس صفقات شهريا تتضمن كل منها من 200 الى 400 قطعة سلاح. كان السودان مصدر الاسلحة الرئيسي، اما السوق الرئيسي فكان قطاع غزة.
القاعدة
اما الآن، فقد تغير الوضع كليا، حسب قوله. فلدى غزة الآن كل الاسلحة التي تحتاجها، وتتمكن حركة حماس من انتاج الصواريخ. السوق الآن اصبح داخليا، في سيناء ذاتها.
يقول التاجر: "لم تعد هناك شرطة بسبب الثورة، ولن يسمح السكان للشرطة بالعودة الى المنطقة ما لم يعف عن البدو الذين سجنوا ظلما. فكيف سيتسنى لك الدفاع عن نفسك حتى تعود الشرطة؟ لا بد لك من اقتناء قطعة سلاح."
تتعارض اقوال تاجر الاسلحة مع ادعاءات المصادر الاستخبارية الاسرائيلية وغيرها بأن تهريب الاسلحة الى قطاع غزة من خلال الانفاق ما زال جار على قدم وساق.
وكشفت مراسلات بين دبلوماسيين امريكيين في القاهرة ووزارة الخارجية في اوشنطن جرت قبل عامين - سربها موقع ويكيليكس - ان مدير المخابرات المصرية آنذاك عمر سليمان قال إن ايران تحاول تجنيد افراد من بدو سيناء لنقل الاسلحة الى حركة حماس في غزة.
من الصعب التحقق من صحة هذه التقارير، حيث كان من مصلحة مصر تضخيم التهديد الذي تشكله ايران.ولكن اسرائيل تعتقد ان الانفلات الامني المتزايد في سيناء منذ الثورة سيسهل عمل المهربين و"الارهابيين" - وهو احتمال لا ينفيه مسعد ابو فجر ابرز المدافعين عن حقوق البدو الذي سجنه نظام مبارك.
يقول ابو فجر إن القوى التي قد تستغل الفراغ الامني وعدم الاستقرار في سيناء هي ايران وحماس وحزب الله وحتى تنظيم القاعدة.
ولكنه يضيف: "لا الومهم، بل الوم اولئك الذين يمسكون بزمام الامور في مصر. فلو طوروا سيناء بشكل صحيح، لما استطاعت اي قوة خارجية من التسلل الى هنا والعبث بمقدرات المنطقة."
قد يكون ابو فجر صائبا، ولكن لا تبدو على سيناء علامات التطور الى الآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات