ا ف ب - بغداد (ا ف ب) - تنتهي الثلاثاء في العراق مهلة المئة يوم التي منحت الى الوزارات لتحسين ادائها، وسط ترقب لرد فعل الشارع بعد دعوات التظاهر التي وجهت اليه، ومحاولة رئيس الحكومة اعادة صياغة مفهوم هذه المبادرة.
وبدأت مساء الثلاثاء جلسات علنية يومية تنقل على الهواء مباشرة يعرض فيها الوزراء ومسؤولون في الوزارات تقارير عن انجازاتهم والعقبات التي واجهت عملهم خلال المئة يوم السابقة اضافة الى خططهم المستقبلية.
وناقش في الجلسة الاولى عدة وزراء ومسؤولين بينهم نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني، مع رئيس الوزراء نوري المالكي، امور وزاراتهم وتحدثوا بشكل خاص عن "العقبات" التي تعرقل تنفيذ مشاريعهم.
وسيقوم المالكي بتقديم تقريره النهائي وعرضه على الشعب العراقي للمشاركة في التقييم، بعد انتهاء هذه الجلسات، التي لم يحدد عددها ولا تاريخ انتهائها.
وكان العراق شهد في بداية العام الحالي اكبر تظاهرات منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، استلهم فيها آلاف العراقيين الحركات الاحتجاجية في العالم العربي، منددين بعدم كفاءة الطبقة السياسية، بحسب قولهم.
ودفعت التظاهرات المالكي الى الاعلان في 27 شباط/فبراير انه سيقيم وسيعلن بعد 100 يوم من هذا التاريخ "اخفاقات ونجاحات كل وزير"، ملمحا حينها الى امكان طرد وزراء او مسؤولين في وزاراتهم.
كما اعلن حينها حزمة من الاصلاحات تتعلق خصوصا بمكافحة الفساد وتوزيع 280 الف وظيفة حكومية وخفض سن التقاعد.
وضاعفت الوزارات العراقية خلال الاشهر الثلاثة الماضية جولاتها التفقدية الميدانية التي غالبا ما ترافقت مع تغطية اعلامية كبيرة، فيما قامت بتنفيذ مشاريع لاصلاح بعض الطرقات ووقعت عقودا لبناء مساكن جديدة، كما قامت بتوزيع الوقود على المولدات الكهربائية الخاصة بالاحياء السكنية مجانا.
الا ان ايا من الوزارات لم يتمكن من ايجاد حلول لمشاكل اساسية يعاني منها العراقيون في حياتهم اليومية، بينها النقص الحاد في الكهرباء، وكذلك الوضع الامني الذي يبقي البلاد في حالة من التاهب الدائم.
وقال النائب بهاء الاعرجي المنتمي الى التيار الصدري الشيعي في بيان اليوم ان الحكومة لم تحقق "انجازات" خلال فترة المئة يوم، داعيا الى "ترشيق الحكومة"، اي التقليل من عدد المقاعد الوزارية فيها.
وراى استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد حميد فاضل لوكالة فرانس برس ان "ما استطاعت الحكومة من تحقيقه باطلاقها وعد المئة يوم هو احتواء زخم الاحتجاجات والتظاهرات التي كانت كبيرة عشية اطلاق المبادرة".
واضاف "لم يحصل هناك اي تقدم، لم يتحقق اي انجاز للوعود التي اعلنت لمكافحة الفساد وتحسين الخدمات".
وعشية انتهاء مهلة المئة يوم، حاول المالكي اعادة صياغة المفهوم الاساسي الذي قامت عليه هذه المبادرة، في ما بدا تراجعا عن الوعود التي اطلقت في اوج التظاهرات الشعبية.
وقال في اجتماع حكومي نقل على الهواء مباشرة مساء الاثنين ان "مبادرة المئة يوم معمول بها في كثير من دول العالم، وهي ترتكز على فكرة ان تضع الحكومة سقفا زمنيا اوليا لتعرف من خلاله المؤشرات التي تؤكد امكانية قيامها بمهامها".
واعتبر ان بعض الاطراف "فهموا الخطة بطريقة خاطئة (...) وهناك من يريد ان يشوش على مفهوم هذه المبادرة".
واوضح ان هناك "ثلاثة عناوين تحكم تقييم المبادرة، هي ما تم انجازه وتحقيقه ميدانيا، ثم ماذا تريد الوزارة ان تنجز فالوزير لديه مخطط لاربع سنوات وهناك افق نريد ان نكمل به المئة يوم الثانية، وثالثا ما هي المعوقات امام انجاز المهام المنوطة بالوزراء".
وهاجمت صحف عراقية الثلاثاء ما رات انها محاولة من قبل المالكي لتبرير "الاخفاق الحكومي في فترة المئة يوم".
وفيما اكتفت صحيفة "الصباح" الحكومية بالاشارة الى ان "ترشيق الوزارات خيار قائم"، كتبت "العالم" المستقلة تحت عنوان "100 يوم من الانتهاك" ان "حكومة السيد المالكي الزمت نفسها بمهلة وعليها بعد انقضائها تقديم منجزات حقيقية وملموسة".
واعتبر صحيفة "المدى" المستقلة انه "ليس من الصواب على مسؤول رفيع المستوى بموقع رئيس وزراء (...) ان يعمد الى تبرير الاخفاق الحكومي"، بينما ذكرت "المشرق" ان الحكومة تحاول "رهن" المبادرة "بما يمكن ان يتحقق بعد المئة يوم".
وقد دافع المالكي عن خطته قائلا امام الحكومة ان مهلة المئة يوم "خلقت تفهما اكثر وتنسيقا بين الوزارات والمحافظات وتحولت معها كل وزارة الى خلية نحل".
واضاف ان هذه المهلة "خلقت مبادرات لمعالجات آنية، اذ نحن امام حالة معالجات استراتيجية مثل الخلل في الزراعة والكهرباء والانتاج النفطي والمصافي (...) وهناك معالجات آنية مثل ان ينتقل الجهد الهندسي من محافظة الى اخرى".
كما حذر خلال لقاء عشائري اليوم من ان "هناك من يتعمد تعطيل مشاريع الدولة حتى يقال ان الحكومة لم تحقق ولم تنجز، وهناك من يريد اعادة الفتنة من جديد بالقول ان العملية السياسية تقف على حافة مرحلة خطيرة".
وقبل اسبوع من انتهاء المهلة، وجه ناشطون عراقيون دعوات للتظاهر بقوة.
واقام هؤلاء صفحات على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي بينها صفحة تحت عنوان "الثورة العراقية الكبرى" نشروا فيها صورة كبيرة للمالكي ملطخة باللون الاحمر وكتب تحتها "العد التنازلي لرحيل المالكي".
ودعا المشرفون على الصفحة الى "ثورة" يوم الجمعة المقبل الذي اطلقوا عليه اسم "جمعة القرار والرحيل"، معتبرين ان يوم الثلاثاء يمثل "بداية النهاية".
وحصلت الصفحة على تأييد اكثر من 35 الف شخص.
وقال حميد فاضل ان "الوضع مرشح للتصعيد خصوصا مع الاجواء السياسية (...) وحقيقة ان الحكومة لم تقدم شيئا سوى ضجة اعلامية ووعود لم تنفذ".
وتشهد ساحة التحرير في وسط بغداد تظاهرات في يوم الجمعة من كل اسبوع لاهداف مختلفة بينها الاحتجاج على تردي الاداء الحكومي والاوضاع الامنية، والمطالبة بالاصلاح السياسي وحرية التعبير، وانهاء وجود القوات الاميركية في البلاد.
ومن المقرر ان تنسحب هذه القوات بشكل كامل من العراق في نهاية العام الحالي، وفقا لاتفاقية موقعة بين بغداد وواشنطن.
ويستعد الاطراف السياسيون العراقيون لبحث امكان الطلب من واشنطن التي تنشر اقل من خمسين الف عسكري في العراق تمديد فترة بقاء جنودها.
ورغم مرور ثماني سنوات على سقوط نظام صدام حسين بعد غزو القوات الاميركية للعراق، لا تزال البلاد تشهد اعمال عنف يومية.
كما ان العراق يشهد صراعا سياسيا محموما على السلطة. وقد ولدت حكومة المالكي بعد حوالى تسعة اشهر من المفاوضات عقب انتخابات آذار/مارس التشريعية عام 2010، لتاتي الى الحكم بتشكيلة وزارية تختصر مفاهيم "الوحدة الوطنية" التي تستند الى موازين سياسية هشة.
وقال المحلل علي الصفار من الوحدة الخاصة لمجلة الايكونومست البريطانية ان تراجع المالكي عن احتمال طرد وزراء "امر متوقع كون رئيس الحكومة لا يملك القدرة الكافية للقيام بهذا الامر".
واوضح "ماذا سيعني طرد وزراء بالنسبة الى تحالف قائم؟ الواقعية تفرض نفسها في مواقف المالكي الاخيرة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات