بقلم د.عمرو الشوبكى ٨/ ٦/ ٢٠١١
جاءت الذكرى الأولى لاستشهاد خالد سعيد، والنظام الذى اتهم بقتله يقف رئيسه منتظرا المحاكمة، والوزير الذى أطلق مخبريه على هذا الشاب يقف خلف القضبان منتظرا مزيداً من العقاب على جرائم كثيرة ارتكبها. كتبت فى مثل هذا الشهر من العام الماضى عمودا تحت عنوان «خالد سعيد.. الموت مرتين»، وطالبت بمحاسبة المتهمين بقتله، منتقدا حملة الشتائم الرخيصة التى أطلقها كتاب النظام المخلوع على سمعة الشاب الراحل وكيف ماتت ضمائرهم حين كذبوا وكالوا له الاتهامات الظالمة. مازلت أذكر اليوم الذى ذهبنا فيه للإسكندرية للتظاهر أمام مسجد سيدى جابر، وشعر معظمنا بأن هناك شيئا مختلفا يتولد تحت الرماد، وكتبت عن «الدور الهائل الذى لعبه الشباب فى إنجاح الحدث، ومشاركة أعداد كبيرة من المواطنين العاديين الذين شعروا بأن أبناءهم مهددون من تلك الحوادث، خاصة أن كثيراً من الهتافات كان ذا معنى اجتماعى (وليست كلها سياسية كما صور البعض)، يتحدث بعضها عن لو أن خالد سعيد كان ابن وزير «كان طار فيها رقاب»، واستمعت لأول مرة من زملاء وأصدقاء كثر أن أقاربهم الذين ليست لهم علاقة مطلقا بالسياسة شاركوا فى هذه الاحتجاجات فى تحول نوعى لتعامل قطاع من الجمهور العادى مع التظاهر والنزول إلى الشارع بكل ما يمثله ذلك من كسر لحاجز الخوف». موت خالد سعيد كان علامة فارقة فى تاريخ مصر لأنه مس المواطن العادى، وأذكر أننى تناقشت مع بشر من كل الأطياف: سائقين فى هيئة النقل العام ورواد المقاهى المتفجرين الذين يشجعون من بعيد وجميعهم شعروا بجرح غائر بسبب هذه الجريمة. المؤسف والمخجل أن الرئيس المخلوع لم يفكر أن يخاطب أهل خالد سعيد ويطيِّب خاطرهم ويعتذر لهم ويشعرهم بأن روحه ليست رخيصة إلى هذا الحد، ولكنه، بتبلده واستعلائه، لم يفعل لأنه لم يكن يعنيه الناس ولا أرواح الشعب، فلن ننسى له أنه ذهب يحتفل مع أسرته بكأس أفريقيا وهناك دماء أكثر من ١٠٠٠ شهيد فى عرض البحر تركهم نظام مبارك فى عرض البحر ١٤ ساعة قبل أن تتحرك إليهم فرق الإنقاذ. لا أعتقد أن هناك حادثة آلمت المصريين وجرحتهم مثل جريمة خالد سعيد، ولا أعتقد أن هناك موقعاً إلكترونياً نال كل هذا العدد من المشاركين مثل موقع «كلنا خالد سعيد»، ولا أعتقد أن هناك مظاهرة واحدة شعر من شارك فيها بأن لها روحاً مختلفة عن كل ما سبقها مثل مظاهرة سيدى جابر بالإسكندرية، لأنها، ببساطة، لم تضم فقط النشطاء، إنما امتلأت بالناس العاديين، فصنعت بذلك شرارة الثورة التى رعاها مبارك منذ البداية بتبلده واستعلائه. خالد سعيد حالة ضميرية شهدتها مجتمعات كثيرة فى لحظات التغيير ولا يوجد لها أساس علمى يفسر أسباب غضب الناس الهائل من هذه الجريمة دون غيرها، فهذه حِكَم إلهية قد نجتهد فى تفسيرها على الأرض، ولكن تظل حكمتها فى أن هناك طرقاً تفتح للشعوب لمواجهة الظلم وانتزاع الحرية. سأعيد على القارئ الكريم ما سبق أن ختمت به عمود العام الماضى: «رحم الله خالد سعيد ولا رحمة لمن يثبت أنه تورط فى موته». |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات