الأقسام الرئيسية

سؤال خالد سعيد

. . ليست هناك تعليقات:

بقلم: فهمي هويدي

fahmy howaidy

6 يونيو 2011 08:18:34 ص بتوقيت القاهرة


دم خالد سعيد لم يجف بعد. وإذ تحل ذكرى استشهاده اليوم (6/6) فإننا نكاد نلمح وجهه فى فضاء مصر متسائلا ومعاتبا. لست أشك فى أن روحه تهللت حين قامت الثورة، واستشعرت سكينة ورضا حين كانت جريمة قتله من بين الشرارات التى فجرت الغضب ودفعت الناس إلى الخروج فى تظاهرة 25 يناير، التى انتهت بإسقاط الذين اختطفوا مصر واغتصبوها، وبينهم الذين قتلوه وشوهوا وجهه، والذين قتلوا ما لا حصر له من أبناء مصر الشرفاء والأبرياء.

أكاد أسمع صوته وهو يسأل: أيمكن بعد الثورة أن يترك الذين قتلوه دون حساب حتى الآن؟. السؤال مطروح علينا جميعا، وعن نفسى فإننى لا أجد ما أرد به، وأخجل من الصمت إزاءه. ولا أظن أن أحدا من الذين سيخرجون فى الخامسة بعد ظهر اليوم للوقوف على الكورنيش فى القاهرة والإسكندرية إحياء وإجلالا لذكراه يملك ردا على السؤال. وحسنا فعلوا إذ جعلوها وقفة صامتة، لأنهم لا يستطيعون أن يجيبوا عن السؤال، ناهيك عن أن الألسنة تنعقد والكلمات تسقط فى الحلوق إذا حاول أى أحد أن يعتذر أو يبرر.

لقد قتل خالد سعيد (28 عاما) إثر اعتداء وحشى تعرض له اقترن بتعذيب هشم رأسه، اتهم فيه اثنان من المخبرين فى الإسكندرية (أمين الشرطة محمود صلاح محمود ورقيب الشرطة عوض إسماعيل سليمان). وقد ذكر الشهود أنهما انقضا عليه فى مقهى بالقرب من منزله الواقع فى حى كليوباترا بالإسكندرية، وقالت الرواية الرسمية إنهما حاولا إلقاء القبض عليه لتنفيذ حكم جنائى صادر ضده، وأنه كان يحمل لفافة «بانجو» ابتلعها حينما شعر باقتراب رجلى الأمن منه، ولكنها تسببت فى خنقه وأدت إلى وفاته. وقد أيد تقرير الطبيب الشرعى هذه الرواية، فى حين نفتها أسرته واتهمت الأمن بتلفيق التهمة ومحاولة طمس معالم الجريمة، وهو ما تحدثت عنه أم خالد سعيد، السيدة ليلى مرزوق، فيما نشرته صحيفة «الشروق» على لسانها فى 11/6/2010، إذ قالت إن قتل ابنها تم بتوجيه من ضابط أمن الدولة وتنفيذ اثنين من عملاء الجهاز وأن السبب فى ذلك كان مختلفا. ذلك أن خالد كان «حصل على فيديو يحتوى على لقطات لأحد ضباط قسم سيدى جابر والمخبرين، وهم يقومون بالاتجار فى «الحشيش» وقام بتوزيع الفيديو على أصدقائه وذلك قبل نحو شهر من قتله، كما أعلن أنه سوف يدشن مدونة لفضح الضابط والمخبرين»، أضافت الأم أنها قامت بتحذيره أكثر من مرة من نشر الفيديو «حتى لا يقوموا بإيذائه»، وقد فعلوها دون تردد.

التطورات التى حدثت بعد ذلك معروفة، من التظاهرات الغاضبة والعارمة التى خرجت فى القاهرة والإسكندرية تنديدا بمقتله ومطالبة بمحاسبة الذين قتلوه، إلى صفحة «كلنا خالد سعيد» على موقع «الفيس بوك» التى انضم إليها منذ إنشائها فى صيف عام 2010 نحو مليون و371 ألف شخص، إلى عرض القضية على محكمة جنايات الإسكندرية، التى أجلت النطق بالحكم عدة مرات، حيث يفترض أن يتم ذلك فى 30 يونيو الحالى، فى حين أن ثمة شائعات قوية تحدثت عن هروب المتهمين من السجن، أثناء حالة الانفلات الأمنى التى شهدت هجوما على بعض أقسام الشرطة قبل شهرين تقريبا.

لايزال مصير قضية خالد سعيد معلقا. تماما كما أن ذلك مصير قضية سيد بلال (31 سنة)، الشاب السلفى الذى قتل بسبب التعذيب، بعدما تم استدعاؤه فى 4 يناير الماضى. من قبل مباحث أمن الدولة عقب التفجير الذى وقع أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية فى ليلة رأس السنة (31 ديسمبر)، وحين سلمت جثته إلى أهله فإن آثار التعذيب الوحشى كانت بادية عليها، وهى الآثار التى أثبتتها النيابة فى سجلاتها.

بدورها تمت لفلفة القضية التى لا يعرف مصيرها حتى الآن، وكل ما نعرفه أن دم الشهيدين لايزال رطبا ولم يجف، وأن الذين قتلوهما لم يحاسبوا، تماما كما أن أحدا لم يحاسب الذين قتلوا نحو 850 شهيدا من ثوار 25 يناير كما شوهوا وأصابوا ستة آلاف مصرى آخر.

المدهش والمحير أن الثورة نجحت فى إسقاط نظام مبارك بكل عتوه وجبروته، لكنها لم تستطع حتى الآن أن تحاسب الأيدى القذرة التى استخدمها النظام للفتك بالشعب وإذلاله. وأخشى أن تطول بنا الحيرة، حين نجد أن الأحكام العسكرية تلاحق بسرعة وشدة بعضا من شباب الثورة، حتى الذين تظاهروا أمام السفارة الإسرائيلية، فى حين أن محاسبة الذين قتلوا الشعب وأذلوه تتسم بلين يبعث على الدهشة.

إننى أقاوم بشدة أى محاولة لإساءة الظن فى تفسير هذه المفارقة، لكننى أرجو أن نشهد خطوات جادة تتسم بنفس القدر مع الحزم الذى اتبع مع أبناء الثورة، لكى يتعزز لدينا إحسان الظن بما يجرى. إن تقديرنا للقائمين على الأمر لا شبهة فيه، لكن إعزازنا لشهدائنا لا تدانيه معزَّة أخرى، ولا تحيرونا أكثر من ذلك رجاء!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer