بقلم سليمان جودة ١٦/ ٥/ ٢٠١١
تمنى المرء من أعماقه، لو أن الأستاذ محمد حسنين هيكل قد التزم الصمت تماماً، ولم يتكلم فى حوار مطول مع الأستاذ لبيب السباعى فى «الأهرام».. وإلا.. فهل يتصور عاقل، للحظة واحدة، أن يخرج الرجل علينا ليتكلم، بعد صمت أكثر من شهرين، فإذا به فجأة، يقترح تسمية المشير طنطاوى رئيساً؟! لا اعتراض بالطبع على المشير بشخصيته الوطنية، وقدرته الفريدة، منذ اللحظات الأولى لثورة ٢٥ يناير، على أن يجعل الجيش إلى جوار الشعب، وليس فى مواجهته.. ولكن الاعتراض كل الاعتراض هنا، وبأعلى صوت، على أن «هيكل» يريد من خلال دعوته هذه، أن يعاود ممارسة لعبته القديمة كـ«صانع ملوك» مع عبدالناصر، وهى اللعبة التى فشل فى ممارستها مع السادات، فأخرجه بعدها من «الأهرام» عام ١٩٧٤، ومن الساحة كلها! لعبة صانع الملوك King Maker معروفة فى السياسة عالمياً، وربما تكون اليابان هى أكثر بلاد العالم التى تعرفها، ففى طوكيو يقولون عن فلان - مثلاً - إنه من صانعى الملوك، بمعنى أنه لا يصبح أبداً رئيس حكومة، ولكنه، فى المقابل، يصنع أكثر من رئيس حكومة! والشىء المذهل حقاً، أن الأستاذ هيكل، وهو يطرح هذه الفكرة، يعرف عن يقين، كما نعرف جميعاً، أن المجلس العسكرى الأعلى، وعلى رأسه المشير المحترم، قد أعلن منذ اللحظة الأولى التى تخلى فيها الرئيس السابق عن منصب رئيس الجمهورية، أنه كمجلس أعلى، غير راغب فى الاستمرار فى السلطة على الإطلاق، وأنه سوف يسلم البلاد خلال ستة أشهر لرئيس مدنى منتخب، وأنه لا يريد أبداً تجاوز الستة أشهر، إلا تحت ظرف قاهر، ولشهرين - مثلاً - أو ثلاثة، وقد أكد المجلس الأعلى هذا المعنى أكثر من مرة، وفى أكثر من مناسبة، وقد فهم الناس أن إصراره على إجراء انتخابات البرلمان فى سبتمبر المقبل، راجع بالأساس إلى رغبته فى الوفاء بوعوده معنا، فإذا بالأستاذ «هيكل» يأتى وسط هذا كله، ليعود بنا ٥٩ سنة إلى الوراء، أى إلى اللحظة التى كانت ثورة يوليو ٥٢ قد قامت فيها، وبدأ هو، وقتها، فى صناعة عبدالناصر، وتقديمه للناس، على طريقة «صانعى الملوك» فى أوروبا، وفى الغرب عموماً! من نصف قرن إلى الخلف، هكذا مرة واحدة، مع اختلاف الأعمار، والظروف، والرتب؟!.. هل هذا هو الحل العبقرى الذى سكت الرجل من أجله دهراً، ثم خرج علينا فجأة ليقدمه، ويزايد على المجلس العسكرى ذاته، ورغبته الصادقة، والمعلنة، فى أن يسلم السلطة إلى الرئيس المدنى المنتخب المقبل؟! انتظرنا أن يقول لنا، كيف نخرج من هذه الورطة التى نجد أنفسنا فيها الآن، والتى جاءت، بشكل أو بآخر، كنتيجة لما كان قد بدأ عام ١٩٥٢، وكان هو شريكاً أساسياً فيه، فإذا به يقترح علينا أن نبدأ طريقاً سبق أن قطعناه، من أوله، وكأنه لا قيمة مطلقاً لحصيلة التجربة فى حياة الشعوب! أستاذ هيكل.. قد يكون الفيلم الذى بدأ عام ١٩٥٢، إلى عام ٢٠١١، والذى شاركت فيه أنت، تأليفاً، أو تلحيناً، أو إخراجاً.. قد يكون فيلماً جيداً، ولكن المشكلة، الآن، أننا رأيناه من قبل، وتابعناه، لحظة، لحظة، وعانينا منه، ولانزال نعانى من توابعه!.. وحرام عليك أن تقذف بـ٨٥ مليون مصرى من «سابع سما» إلى سابع أرض هكذا.. حرام! |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات