الأقسام الرئيسية

«عقدة» الدستور..!

. . ليست هناك تعليقات:


بقلم مجدى الجلاد ٢٩/ ٥/ ٢٠١١

ما الأفضل لأمة خرجت للتو من ثورة تاريخية ضد حقبة قاسية: أن تبنى مستقبلها على أساس متين يحظى بتوافق الجميع.. أم تقيم بنياناً هشاً من تصميم وتنفيذ فئة تحترف لعبة «من أين تؤكل الكتف»؟!

هذا السؤال هو الحاكم للجدل الدائر الآن حول معضلة «الدستور أولاً أم مجلس الشعب».. لا أحد ممن يطالبون بوضع دستور عصرى وقوى يشكك فى نوايا المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. غير أن التجارب الثورية، ونماذج بناء الدول الحديثة، قامت على نظرية واحدة، تحولت تاريخياً إلى «وصفة مضمونة النجاح»: هدم النظام السابق بكل مؤسساته الفاسدة، وبناء نظام جديد من رحم دستور تضعه نخبة مستقلة يتم انتقاؤها بدقة بالغة.. نخبة تجمع كل التيارات والأطياف السياسية والفكرية، وتحرص على تحصين الدستور ضد أى هوى فئوى أو نزق حاكم أو ديكتاتورية سلطة واحدة..!

هل فى ذلك مغالطة.. هل فيه مصلحة لشخص أو فئة؟!.. هل هو صعب على من تصدى بشجاعة لمهمة إنقاذ البلد من المصير المجهول؟!.. لماذا يحاول البعض تصوير الجدل، وكأن فئة ما تعارض المجلس العسكرى، رغم أن المطالبين بـ«الدستور أولاً» يقدمون مطالبهم للمجلس ذاته.. كيف تشتعل الثورة من أجل مستقبل أفضل، ثم نضع «كل المستقبل» فى «جيب» أعضاء مجلس الشعب، الذين نعرف مسبقاً كيف سيأتون، وبأى وسائل سينجحون؟!..

هل بيننا من يحلم ببرلمان مختلف عن «سوابقه»، وقد رصد البعض من الآن ميزانية «شراء أصوات الغلابة والمساكين»، و«سنّ» آخرون السكاكين والسنج وخزنوا «طلقات الرصاص»؟!، من أى مصنع سيخرج النواب القادمون، ونحن لم ننشئ مصنعاً جديداً للأصوات الحرة والوجوه المحترمة؟!

تخيل أنك تؤسس كياناً كبيراً يعمل به عدد من الأشخاص.. هل ستأتى بأحدهم وتقول له «ضع لى نظام العمل والإنجاز» بينما هو جزء منه.. أم ستضع النظام الملائم، ثم تلزم الجميع بالعمل فى إطاره؟!.. هذا ما يحدث الآن.. سوف نأتى ببرلمان تتصدره الوجوه نفسها التى كانت ترفع أيديها بالموافقة على الفساد والقمع والديكتاتورية، وسنضع «الدستور» وديعة بين أيديها!

سنقول لكل الأطراف التى تسعى لصياغة المستقبل وفقاً لأهوائها وأهدافها الخاصة «حسناً.. لقد روى شبابنا ميدان التحرير بدمائهم الطاهرة لكى تضعوا لنا دستوراً يرسم مستقبلنا مائة عام أو يزيد.. فيا أيها الناجحون بأموالهم وعصبياتهم ونفوذهم اختاروا كل شىء.. نعم كل شىء فى حياة أبنائنا وأحفادنا.. ويا ٥٠٪ عمال وفلاحين اجلسوا حيث كان من المفترض أن يجلس فقهاء القانون والدستور وعقول الفكر والسياسة، واخرجوا علينا بدستور يضع مصر فى صفوف الدول الحديثة والمتقدمة»!

أعرف أن الاستفتاء على التعديلات الدستورية يتضمن تعديل المادة ١٧٩، بحيث تتولى جمعية تأسيسية من مائة عضو، ينتخبهم أغلبية أعضاء البرلمان، إعداد مشروع الدستور.. وأعرف أيضاً أن الشعب قال «نعم» لهذه التعديلات.. ولكننى أطرح هذه الأسئلة: كيف تتولى السلطة التشريعية وحدها وضع الدستور الذى من مهامه الرئيسية توزيع السلطات المختلفة.. وأى مواءمة تأتمن برلماناً غير مؤهل بطبيعته التاريخية على ذلك.. وما الحال إذا تضمن الدستور الجديد مثلاً إلغاء نسبة الـ٥٠٪ عمال وفلاحين؟! ساعتها سيكون مجلس الشعب الذى وضع الدستور منحلاً بفعل الدستور ذاته!

.. معادلة ملغومة وتنذر بالخطر.. وفى ظنى أن حل «العقدة» واجب على من «عقدها».. فنحن جميعاً نحلم بمستقبل أفضل.. هذا حقنا.. وليس من حق أحد أن يصادر على هذا الحلم.. فقد دفعت مصر ثمناً غالياً حين صادر النظام «أحلامنا»..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer