بقلم: فهمي هويدي
29 مايو 2011 11:02:17 ص بتوقيت القاهرة
تظل العلاقة مع إيران أحد المعايير التى يمكن أن يقاس بها مدى استقلال القرار المصرى. لذلك فقد اعتدت أن أقول حين كنت أسأل عن سبب تعثر تلك العلاقة طوال الثلاثين عاما الماضية أن طرفيها ليسا القاهرة وطهران فقط، ولكن هناك طرفا ثالثا يلعب دورا ضاغطا يحول دائما دون «تطبيع» العلاقات بين البلدين. لذلك لم أستغرب أن يصرح الدكتور نبيل العربى، وزير خارجية حكومة ثورة 25 يناير بأن مصر تتطلع إلى إقامة علاقات طبيعية مع إيران. وسرنى أيضا أن يتوجه وفد شعبى مصرى يضم 40 شخصا إلى إيران هذا الأسبوع فى الأغلب، فى محاولة شجاعة لكسر الحاجز النفسى بين الشعبين الذى أقامه النظام السابق.ولعلنا نذكر فى هذا الصدد أن اتفاقا كان قد وقع لتسيير خط الطيران بين القاهرة وطهران، ولكن الأيدى الخفية صاحبة المصلحة فى استمرار القطيعة تدخلت لتجميده وتأجيل تشغيل الخط حتى إشعار آخر.
سفر الوفد الشعبى المصرى له أكثر من دلالة مهمة، منها أن المجتمع المصرى استرد حريته فى التعبير عن نفسه وتقدير موقفه، وأن وصاية السلطة وجهاز أمن الدولة على عقول الناس وتوجهاتهم سقطت. منها أيضا أن عملية التعبئة المضادة التى استمرت طوال الثلاثين سنة الماضية ظل تأثيرها مقصورا على المجال الإعلامى الذى لم يتجاوز تأثيره قشرة المجتمع دون أن ينفذ إلى عمقه. من تلك الدلائل كذلك أن حركة المجتمع فى مصر صارت متقدمة على حركة السلطة. فالمجتمع تصرف فى هذا الشأن بعفوية وتلقائية. متأثرا بالوشائج والحس التاريخى. فى حين أن حركة السلطة محكومة بحسابات معقدة تضع فى الاعتبار معادلات أخرى اقليمية ودولية.
كنت ومازلت أحد القائلين بأنه من المشين والمخجل أن تتجاوز مصر وتغض الطرف عن تناقضاتها مع إسرائيل، لتقوم بتطبيع العلاقات معها رغم أنها لاتزال تعد عدوها الاستراتيجى الأول، فى حين تعجز عن ذلك عندما تعلق الأمر ببلد شقيق هو إيران. ولا تفسير لتلك المفارقة الشاذة سوى أن ذلك ما أراده الطرف الثالث الذى انصاع له القرار المصرى فى ظل النظام السابق.
ثمة بديهية يعرفها كل الدبلوماسيين والمشتغلين بالعمل العام، وهى أن إقامة العلاقات الطبيعية بين أى بلدين لا تعنى بالضرورة رضا كل طرف عن سياسة ومواقف الآخر، كما أنها لا تعنى أن الطرفين كونا كتلة ضد أى طرف ثالث. إلا إذا عقدا تحالفا استراتيجيا بينهما.
إن الدول الخليجية التى تحفَّظ بعضها على الموقف المصرى الأخير. تقيم كلها علاقات دبلوماسية طبيعية مع إيران، وهى تعد سوقا رئيسية للبضائع والاستثمارات الإيرانية. وفى كل واحدة من تلك الدول سفير إيرانى معتمد، بل فى السعودية سفيران أحدهما يمثل الجمهورية الإسلامية لدى المملكة فى الرياض، والثانى يمثلها لدى منظمة المؤتمر الإسلامى فى جدة. ولا أعرف كيف غاب عن الأصوات الناقدة للموقف المصرى التى خرجت من تلك الدول أن مصر يمكن أن يكون لها تحفظاتها على بعض السياسات الإيرانية الخارجية، تماما كما أن الدول الخليجية لها تحفظاتها على تلك السياسات.
إننى أفهم جيدا أن تتضرر إسرائيل وتغضب الولايات المتحدة إذا قامت علاقات طبيعية بين القاهرة وطهران حتى لا يتقوى كل من البلدين بالآخر، فضلا عن أن للشيطانين الأكبر والأصغر مصلحة فى عزل إيران وتقويض نظامها لأسباب يطول شرحها تتراوح بين رفض إيران للهيمنة الأمريكية ومساندتها للمقاومة الفلسطينية. لكن ما لا أفهمه هو أن تنحاز بعض الدول العربية فى هذا الشأن إلى جانب المربع الأمريكى والإسرائيلى.
لا نستطيع أن نغض الطرف فى هذا المقام عن أطروحات المختصين بالشئون الاستراتيجية الذين يعولون فى نهضة المنطقة بأسرها على اكتمال أضلاع «مثلث القوة» فى المنطقة، المتمثل فى مصر وتركيا وإيران. كما أننا لا نستطيع أن نتجاهل أن حجم المنافع والمصالح التى ضاعت على مصر وإيران بسبب القطيعة بينهما هى بلا حدود، وأن آفاق التعاون الاقتصادى والسياحى بينهما هى أيضا بلا حدود، ولست أشك فى أنه بعد زيارة الوفد الشعبى المصرى لطهران، فإن زيارة أخرى لوفد من رجال الأعمال المصريين يمكن أن تشكل دفعة قوية لمسار التعاون بين البلدين، خصوصا أنه قيل لى فى طهران إن هناك ثمة استعدادا قويا لدى الإيرانيين للدخول فى مشروعات استثمارية بمصر فى حدود 8 مليارات دولار. وفى هذا فليتنافس المتنافسون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات