الأقسام الرئيسية

أول مرة!

. . ليست هناك تعليقات:
بقلم سليمان جودة ٣١/ ٥/ ٢٠١١

يدور هذه الأيام كلام كثير حول الرئيس المقبل، وما هو مطلوب منه، وما هو مطلوب فيه، وصلاحياته، واختصاصاته، وعلاقته بسائر مؤسسات الدولة، وأشياء أخرى.. ولكن.. إذا كان هذا مهماً فالأهم منه أنك تستطيع أن تلاحظ، بسهولة، أن هناك رغبة خفية، ومن نوع ما، فى المصادرة على حق المصريين فى أن يختاروا رئيسهم، وأن يمارسوا هذا الحق، وهم مجرّدون تماماً من حق آخر كانوا يمارسونه مع رؤسانا الثلاثة السابقين!

ففى عام ١٩٥٦، عندما انفرد عبدالناصر بالسلطة، لم تكن لنا يد فى اختياره.. ففجأة قامت الثورة قبلها بأربع سنوات، وفجأة تنازل الملك فاروق عن العرش، وفجأة وقعت أحداث مارس ٥٤ التى انقلب فيها «عبدالناصر» على الديمقراطية، وفجأة تقرر تنحية محمد نجيب، وفجأة فهمنا أن عبدالناصر كان هو أقوى الضباط الأحرار، وأبرز أعضاء مجلس قيادة الثورة، وحين صار حاكماً لا شريك له، ابتداء من عام ٥٦، فإن أحداً من المصريين لم يكن قد اختاره، ولم يكن علينا، من عام ٥٦ إلى رحيله عام ٧٠، إلا أن نمارس حق القبول، إذا كان من الجائز أن يوصف القبول من هذا النوع، وفى هذه الحالة، بأنه حق!

وعندما رحل الرجل، تولى السادات الحكم، ولم يكن أحدٌ منا قد اختاره، وإنما عبدالناصر هو الذى اختاره، ولم يكن أمام المصريين، فى هذه المرة أيضاً، إلا أن يمارسوا حق القبول، لا الاختيار، مرة ثانية، وكانوا يمارسونه على مضض، لأنهم لم يكونوا متأكدين من أن الحاكم الجديد يمكن أن يملأ مكان عبدالناصر الشاغر!

غير أن السادات فاجأنا بأنه عملاق من نوع مختلف، وفاجأنا بـ٧٣ التى محت عار ٦٧ الذى جلبه لنا عبدالناصر، ولم تكن هذه هى المفاجأة السعيدة الوحيدة من السادات، لكنه كان يفعلها معنا فى كل عام تقريباً، فهو فى ١٩٧١ يقضى على مراكز القوى الذين كانوا، فى تقديره، على قدر من الغباء السياسى الهائل، لدرجة أنه كان يتندر بأن الدولة يجب أن تحاكمهم بهذه التهمة، وهو فى عام ٧٢ يطرد الخبراء الروس، وفى ٧٣ يجلب النصر لبلده، ويحرر أرضه، وهو فى ٧٤ يبدأ طريق الاقتصاد الحر، وفى ٧٥ يعيد افتتاح قناة السويس التى أغلقها عبدالناصر عام ١٩٦٧، وفى ٧٧ يزور القدس، وفى ٧٨ يسمح بقيام الأحزاب، ويعقد مفاوضات كامب ديفيد، وفى ٧٩ يعقد معاهدة السلام..

وهكذا.. وهكذا.. إلى آخر أيامه، وبالتالى، فإن السادات العظيم، حين جاء، لم يكن قد أعد برنامجاً رئاسياً سوف يحكم وفقاً لبنوده، ولم يكن قد قال لنا ما هى رؤيته، وما الذى سوف يفعله، فى برنامج واضح، ومعلن، وإنما راح يكشف عن رؤية وبصيرة لديه، عاماً بعد عام، وفى أثناء الحكم!

والشىء ذاته حدث مع حسنى مبارك، الذى اختاره السادات، ولم يكن للمصريين يد فى اختياره، ولم يشأ هو الآخر أن يضع برنامجاً للحكم يمشى على هداه، بحيث نقول له إنك أنجزت «كذا» من البرنامج، ولم تنجز «كذا».. بل إنه سخر منا، عندما طالبناه عام ٢٠٠٥ بأن يعلن برنامجه للانتخابات الرئاسية التى جرت فى ذلك العام، وقد ضحك وقتها منا، أو حتى علينا، وقال بأن برنامجه هو ما كان قد قدمه على مدى ٢٥ سنة سابقة له فى الحكم، ولم يكن أمام المصريين، معه، إلا أن يمارسوا الحق ذاته الذى مارسوه مع عبدالناصر، والسادات، وهو حق القبول، لا الاختيار!

اليوم، نريد أن نمارس ما امتنع علينا طوال ٥٩ سنة، منذ قيام ثورة يوليو ٥٢، وهو الاختيار.. لا القبول.. اللهم إلا إذا كان الذين يزايدون ويصادرون على المصريين هذه الأيام لهم رأى آخر!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer