بقلم د.حسن نافعة ٣١/ ٥/ ٢٠١١
من يقرأ التقارير التى اكتظت بها الصحف العربية والعالمية عن النتائج، التى أسفر عنها مؤتمر قمة «مجموعة الثمانى»، الذى عقد مؤخرا فى مدينة دوفيل الفرنسية، فلابد أن يستنتج أننا إزاء حملة علاقات عامة بامتياز، هدفها احتواء الثورة العربية، التى بدأت طريق التحول الديمقراطى عن طريق دغدغة مشاعر شعوبها، إذ تتحدث هذه التقارير عن حزمة مساعدات مالية قيمتها ٤٠ مليار دولار يقال إنها ستقدم إلى دول «الربيع العربى»، فى إطار برنامج طويل الأمد أطلق عليه «شراكة دوفيل»، الذى يستوحى فكرته من «مشروع مارشال» لمساعدة اقتصاديات أوروبا الغربية التى دمرتها الحرب العالمية الثانية، حتى لا تقع فريسة سهلة تحت طائلة النفوذ الشيوعى. لكن حين ندقق فى التفاصيل نكتشف: ١- أن الدول والمشروعات التفصيلية التى ستوزع عليها هذه الحزمة الإجمالية من المساعدات لم تحدد بعد، وتنتظر اجتماعات وزراء المال والخارجية فى يوليو المقبل. ٢- أن نصف المبلغ المقترح (٢٠ مليار دولار) سيقدم فى صورة قروض من بنوك التنمية، ونصفه الآخر سيأخذ شكل تعهدات ثنائية تقدم مناصفة بواسطة دول «مجموعة الثمانى» ودول «مجلس التعاون الخليجى». يلفت الانتباه أن البيان الختامى لمؤتمر دوفيل خلا من أى إشارة إلى الرقم ٤٠ ملياراً، الذى ورد ذكره فقط فى سياق تصريحات صحفية أدلى بها ساركوزى، واكتفى بالإعلان عن ٢٠ مليار دولار قيل إنها ستخصص لتونس ومصر خلال العامين أو الثلاثة المقبلة، مع إبداء الاستعداد لمد نطاق هذه «الشراكة العالمية طويلة الأمد» إلى كل دول المنطقة التى تنخرط فى عملية التحول الديمقراطى فى المنطقة. غير أننى أعتقد أنه يجب علينا أن نأخذ هذه التصريحات والبيان الختامى بحذر شديد، وذلك لعدة أسباب، أهمها: ١- أن الإعلان عن النوايا شىء وما يتحقق منها على أرض الواقع شىء آخر، حيث الفجوة بين الاثنين عادة ما تكون واسعة جدا ولا تتجاوز المساعدات المقدمة فعلا ١٠-٣٠% من إجمالى التعهدات فى معظم الأحيان. ٢- أن معظم هذه «المساعدات» يقدم على شكل قروض وليس منحا. ٣- أن المؤسسات المالية الدولية هى التى يسند إليها، عادة، إدارة البرامج الخاصة بها، فيما عدا المساعدات التى تقدم فى إطار برامج ثنائية. ٤- أن الخبرة التاريخية لمصر، ولغيرها من الدول المستقبلة للمساعدات، تقول إن هذا النوع من المساعدات تصاحبه، دائما، شروط سياسية تمليها دائما مصالح الدول المانحة، دون أى اعتبار للمصالح الحقيقية للدول المستقبلة، التى تضطر عادة للقبول بها تحت ضغط الحاجة. لاتزال الذاكرة الجمعية للمصريين تختزن ذكريات سلبية عن الفصل الخاص بالمساعدات الأمريكية والدولية للمساهمة فى بناء مشروع «السد العالى» فى منتصف الخمسينيات، والتى تم سحبها بعد رفض مصر الشروط السياسية التى حاولت الدول والمؤسسات المانحة فرضها عليها. كما أصبح معلوما للجميع أن المعونة الأمريكية التى قدمت لمصر بعد التوقيع على معاهدة سلام مع إسرائيل كانت أحد الأسباب الرئيسية فى شيوع الفساد الذى صاحب عمليات «الخصخصة» التى كانت أحد شروط تقديمها. لذا لا أنصح بالتعجل فى قبول كل ما يعرض علينا من برامج «المساعدات»، خصوصا خلال هذه المرحلة الانتقالية، التى عادة ما تتسم بالسيولة وارتباك دولاب العمل فى مؤسسات الدولة، تحت ضغط الحاجة، وتداخل الأزمات، وشيوع حالة من عدم الاستقرار، وغياب الشفافية والمساءلة. وأعتقد أن الدول الغربية مطالبة بإثبات حسن نيتها، أولا، من خلال: ١- مساعدة مصر فى استعادة الأموال المهربة، المودعة فى بنوكها بواسطة لصوص النظام السابق وبأسرع ما يمكن. ٢- تشجيع شركاتها على الاستثمار فى مصر مع رفع القيود المفروضة على نقل التكنولوجيا. ٣- توجيه المساعدات المالية المقدمة للإنفاق على المبعوثين المصريين فى الخارج. ٤- تشجيع مواطنيها على السفر بكثافة إلى مصر لدعم القطاع السياحى ٥- إظهار قدر أكبر من الجدية فى المساعدة على التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة للصراع العربى - الإسرائيلى، على أساس حدود ١٩٦٧ وعودة اللاجئين إلى ديارهم، وعدم التردد فى فرض هذه التسوية، من خلال الأمم المتحدة إذا لزم الأمر. فإذا تبين لنا أن الغرب ليس جادا فى إعادة أموالنا المسروقة من جانب عملائه من الحكام السابقين والمخبأة فى خزائنه، ولا فى المساعدة على تحقيق استقرار فى المنطقة يجنبها احتمالات الحروب، فكيف يمكن أن نصدق أنه سيساعدنا من أموال دافعى الضرائب. وبدون تحجيم ولجم النوايا التوسعية الإسرائيلية ستظل دول المنطقة تدور فى حلقة مفرغة، لأن إسرائيل لن تترك أى دولة فى المنطقة تنهض، خاصة مصر، حتى لو سارت فى ركاب سياساتها بنسبة مائة فى المائة. وحقبة مبارك هى خير شاهد على ذلك. الاعتماد على النفس، وانتهاج سياسة تنمية مستقلة هما الضمان الأول والأخير للنهضة الحقيقية.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات