بقلم حمدي رزق ٩/ ٥/ ٢٠١١
تصحو على مليونية وتنام على مليونية، ومليونية وراء مليونية، لا المليونية تكتمل ولا الألفية، ولكنها المليونية صارت كالعلكة «اللبانة» على الفيس بوك، المحل المختار لإعلانات المليونيات الافتراضية، المليونيات الفيسبوكية ليس لها أرجل تقف بها على أرض الواقع. نفر منهم يطلقها تهديداً ووعيداً، لإثبات قدرته على التحريك، تحريك الحشود كما خرجت لأول مرة تقصد وجه كريم، تُسقط النظام، كانت المليونية الكبرى، وكانت القضية الكبرى، وكانت الجائزة الكبرى. قبل المليونية، أين القضية التى بها يحركون ويتحركون، نفر بها يتحدون، وما يتحدون إلا أنفسهم وهم خاسرون، مليونية سلفية تصلى أمام الكاتدرائية، ومليونية مسيحية تُقدّس أمام ماسبيرو، ومليونية عمالية فى أول مايو، ومليونية مباركية فى عيد ميلاده، ومليونية، ومليونية، تداعت علينا المليونيات كغثاء السيل، نفر منهم يتخذها هُزواً. مليونيات الثورة التحريرية كانت مليونيات حقيقية، مليونيات التحرير فى ١٨ يوماً هزت عرشاً وأسقطت نظاماً، مليونيات وطنية، مليونيات شعبية، مليونيات تنافس فيها المتنافسون، حناجر هادرة، صدور مفتوحة، قضية عادلة، مطلب وطنى جامع، إصرار واحتشاد، صفوف مؤمنة يشد بعضها بعضاً، صلوا صلاة مودع حتى أتاهم اليقين. ابتذال المليونية التحريرية كبيرة إلا على الظالمين لأنفسهم، وللشعب المصرى، ابتذال المليونية كابتذال الشعار الأثير «الشعب يريد إسقاط النظام»، أيقونة الثورة، الآن هناك من يسقطه من علٍ إلى هتافات أرضية ما أنزل الله بها من سلطان، يلقون الشعار فى غياهب جب العبثيات، حديث المليونية حديث جد لو تعلمون. المليونية الحقة مُدَّخرة لأسباب أخرى ولمطالب أخرى ولسياقات جد عظيمة، المليونيات الطائفية والإثنية والعرقية والفئوية تأكل من فكرة المليونية، المليونية لو صحت تهز جبالاً، لكن أن تتمخض المليونية عن مئوية أو ألفية ففيها إهانة للمليونية، سخرية من أعظم مليونية، نحن علَّمنا العالم كيف تكون المليونية.. لماذا نقزّم مليونياتنا؟ لماذا نُصغّر من شأن مليونياتنا؟ لماذا نرهن مليونياتنا برهانات جد خاسرة؟ لا يملك الحق فى المليونية إلا الشعب، الشعب بكل طوائفه وفئاته، بشبابه وشيوخه، بنسائه وأطفاله، مليونية التحرير كان يؤمها الأطفال أيضاً، المليونيات الراهنة (لفظاً) تشوّش على المليونية الكبيرة (فعلاً)، تسييل فكرة المليونية ربما كان مقصوداً، حتى لا تكتمل لنا مليونيات بعد، عبث فى مقام جد، يهين الفكرة العظيمة لا يوقرها، ادخار المليونية لما هو أعظم وهو آت لا ريب فيه، لما هو أخطر وهو آت لا ريب فيه. الحفاظ على لياقة المظاهرات لا يكون بالمظاهرات الفئوية المطلبية، تلك المظاهرات تأكل من لياقة الفريق الذى يستعد لانتخابات برلمانية ورئاسية، لم يحن أوان المليونية الثانية، المليونيات للقضايا المليونية التى تمس الملايين، التى تهم القطاع العريض، مليونية ملح الأرض ترتجف من هولها الأبدان، كبرت مليونية تخرج من أفواههم إنهم يزعمون كذباً. لا المكان ولا الزمان ولا القضية تقتضى مليونية، لا كاميليا شحاتة يلزمها مليونية تصلى أمام الكاتدرائية، ولا السيطرة على مسجد النور تحتاج إلى مليونية، ولا إقالة محافظ تحتاج مليونية، المليونية المطلوبة ليست فى إمبابة، لكن فى العنابر الشاغرة، فى الدواوين الخاوية، الآن حانت ساعة مليونية العمل، مليونية الإنتاج، نعم المليونية التى بها يطالب الحادبون على سلامة الوطن، على تحريك الوطن إلى الأمام، إلى دوران عجلة الإنتاج. المليونيات الحقة منتجة مؤثرة، المليونيات الكاذبة كالحمل الكاذب لا تنتج ولا تثمر سوى الخسران المبين، كم من مليونيات أُعلنت وتمخضت عن عشرات قل مئات ولن تزيد آلافاً، اكتمال المليونية كاكتمال القمر، تحتاج حلماً بما هو أكبر، بما هو أعظم، المليونية تكتمل باكتمال أسبابها، بسمو وعلو معانيها التى تخرج من أجلها الجماهير، المليونيات الصغيرة تصغر من شأن المليونيات الكبيرة، تأكل من صدقية المليونية إذا اكتملت، تعرقل ما خطته مليونية التحرير، يتفرق النهر الهادر سدى، فى بحيرات ومستنقعات يغرق فيها الوطن ويوحل فيها الراغبون فى البناء، مليونية الهدم الطائفية خطر داهم لو تعلمون على المليونيات الوطنية التى رسمت طريقاً للنهر، أخشى أن ينجرف النهر فيغرق إمبابة، يغرقنا بسخام وطين. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات