أجرت الحوار محاسن السنوسى ٣١/ ٥/ ٢٠١١
تصل الإذاعة المصرية اليوم إلى سن السابعة والسبعين بعد أن انطلق أول بث لإذاعة حكومية فى ٣١ مايو عام ١٩٣٤، وخرجت منها الكلمة الشائعة «هنا القاهرة».. من بين سنوات عمر الإذاعة المديد قضت الإذاعية الكبيرة آمال فهمى منها واحداً وستين عاما خلف الميكروفون، قدمت بصوتها الشجى أشهر البرامج فى مقدمتها «على الناصية»، الذى يعد من كلاسيكيات البرامج الإذاعية، وأيضا فوازير رمضان، التى توافد على كتابتها شعراء كبار مثل: «بيرم التونسى وصلاح جاهين وبخيت بيومى وبهاء جاهين».. عاصرت آمال فهمى أحداثا تاريخية مهمة وحصلت عام ١٩٦٠ على المركز الأول فى استفتاء أجرته مجلة المصور عن أفضل الشخصيات فى هذا العام، وتقاسم معها نفس المركز الرئيس جمال عبدالناصر. ظلت آمال فى خلاف دائم مع صفوت الشريف، وزير الإعلام الأسبق، واستمرت فى مسيرتها الإعلامية الحافلة رغم العقبات التى كانت تواجهها، واليوم تصف حالها بقولها: أجلس بين مقاعد المتفرجين يحيط بعقلى أسلاك شائكة، كالتى تلتف حول ماسبيرو فأنا محاصرة لا أمتلك حرية التفكير، وبات فكرى مشوشاً. «المصرى اليوم» ترصد فى هذا الحوار لشهادة أم الإذاعيين المصريين آمال فهمى. ■ حدثينا عن نشأة الإذاعة المصرية فى عيد ميلادها الـ٧٧؟ - الإذاعات الأهلية هى أشبه بالقنوات الخاصة اليوم، وكان يملكها أفراد، كما كانوا يملكون السيارات الخاصة، وأهم ما يميزها أن أصحابها كانوا يوجهون لبعض السباب والشتائم من خلال محطاتهم الخاصة. إلى أن صدر مرسوم ملكى بإنشاء إذاعة مصرية فى عام ١٩٣٤، كانت إذاعة وطنية تحمل الأفكار السياسية والنشاطات الأدبية لعمالقة الأدب العربى مثل: «طه حسين والعقاد»، وأغانى المشاهير أم كلثوم وعبدالوهاب، كما عرفت الاذاعة المصرية أول صوت نسائى، وهى المذيعة عفاف الرشيدى، حرصت الإذاعة المصرية منذ نشأتها على متابعة أخبار الملك والديوان، كما كانت تعبر عن الأحزاب السياسية، خاصة حزب الوفد. ■ هذا يعنى أن ترتيب أولويات نشرة الأخبار لم يتغير منذ العهد الملكى؟ - بالطبع أخبار الملك كانت تتصدر نشرات الأخبار، وكان كريم باشا ثابت، مدير مكتب الملك فاروق، مشرفا على الإذاعة، أو بالأحرى رقيبا على ما تقدمه الإذاعة. كما كان حريصا على متابعة إذاعة أخبار الملك والأسرة العلوية، وكان يلى أخبار الملك أخبار حكومة الوفد ثم الأحزاب السياسية الأخرى. ■ هل تتذكرين لحظة إعلان الإذاعة عن قيام ثورة ٢٣ يوليو عام ١٩٥٢؟ - رفض جميع المذيعين قراءة خبر إعلان الثورة ورحيل الملك فاروق عن مصر، كنا نخشى جميعا فشل ثورة يوليو فى بدايتها، إلا أن الإذاعى جلال معوض أخذ على عاتقه وتطوع وقرأ النشرة ثم جاء إلى الإذاعة فى نفس يوم قيام الثورة اللواء محمد نجيب. كما قرأ الرئيس أنور السادات بيان الثورة. ■ هناك اختلاف فى تناول الإذاعة المصرية لإعلان ثورة ٢٣ يوليو وثورة ٢٥ يناير. ما تفسيرك؟ - هناك فرق بين الثورتين، ثورة ٢٣ يوليو كان معروفاً لنا من قام بها، وما هى أهدافها ومبادئها الستة، التى أعلنها الضباط الأحرار منذ اللحظة الأولى، وأهمها جلاء المستعمر والإصلاح الزراعى ومجانية التعليم وتحديد الملكية. أما ثورة ٢٥ يناير عندما بدأت لم نكن نعرف بالتحديد من قائدها، ولم تعلن عن مبادئها، ولم تضع سقفاً لمطالبها، وإن بدأ هذا السقف يرتفع تدريجياً والذى بدأ بإسقاط النظام. ■ من كان صاحب الحق فى منح التوجيهات للإذاعة المصرية عقب قيام ثورة ٢٣ يوليو؟ - كنا نتلقى التوجيهات من القوات المسلحة منذ اللحظة الأولى. أما ثورة ٢٥ يناير فظهور الجيش كان متأخرا، وكانت مهامه حماية الثورة والشعب، وهذا ما يفسر الموقف والطريقة التى خرج بها الملك فاروق والأسلوب الذى تعامل به الرئيس مبارك عقب تنحيه. برغم من أخطاء الملك واتهامه بالفساد والتواطؤ مع الإنجليز. إلا أن خروجه من مصر تم وفقا للبروتوكول وتحية القوات المسلحة له. ■ ماذا تقصدين بهذه المقارنة؟ - هناك فارق بين الذين طردوا الملك ومن طردوا مبارك. من طرد فاروق وهم قوات نظامية لها قيادة. أما من طرد النظام السابق هم شباب أصغر سناً من قيادات ثورة ٢٣ يوليو، فضلا عن أن شباب ٢٥ يناير غير متفقين ومتضاربين أحيانا بشأن أهدافهم. ■ إلى أى مدى ساهمت الإذاعة المصرية فى نجاح ثورات عربية أخرى؟ - مصر لعبت دوراً مهماً فى إنجاح جميع الثورات العربية، وكان للإذاعة المصرية دور مهم، وهذا تجلى فى ثورة السودان، وفى حركة دول عدم الانحياز، وأيضا فى أفريقيا سواء من خلال إذاعة صوت العرب أو الإذاعات الموجهة، كما كانت روح الثورة المصرية تلهب مشاعر المواطن العربى، والتى حما مبادئها أثير الإذاعة المصرية. فالراديو كان عصير الوطنية الذى سقيناه للمواطن العربى شرقاً وغرباً. ■ ما هى شهادتك على الأداء الإذاعى فى حقبة الرئيس عبدالناصر؟ - نجحت الإذاعة المصرية فى تجميع المصريين حول مبادئ ثورة ٢٣ يوليو. كما برعت الإذاعة فى تحويل الهزيمة إلى نصر والتعامل مع نكسة ٦٧ على أنها مرحلة يجب تجاوزها، وبهذا لعبت الإذاعة المصرية دوراً مهماً فى جعل الانتماء وحب الوطن القضية الرئيسية للمواطن المصرى. ■ هل اختلف الوضع كثيرا فى حقبة الرئيس السادات؟ - فى هذا العهد بذلنا جهداً كبيراً فى محو ذكرى هزيمة ٦٧، وإعلاء شأن نصر أكتوبر ١٩٧٣، وإبراز دور القوات المسلحة والقيادات العسكرية أمثال: «الفريق الشاذلى وعبدالمنعم رياض وأحمد بدوى وكثيرين». كانت الإذاعة المصرية فى تلك الفترة لها دور خطير، رغم استبعادى عن الإذاعة بقرار سيادى بسبب هجومى على على صبرى آنذاك. ■ وماذا عن بداية عصر الرئيس السابق حسنى مبارك؟ - عقب تولى الرئيس مبارك الحكم عقد اجتماعا بمبنى ماسبيرو وأعطى تعليمات بمنع إذاعة أخبار أو برامج تتعلق بزوجته سوزان ثابت، والسبب طبعا تخوفه من أن تلعب سوزان نفس الدور الذى لعبته جيهان السادات، وفجأة انقلبت الأوضاع وباتت سوزان هى المتحكمة فى الإعلام، وبالطبع كان هذا بتدبير من صفوت الشريف وزير الإعلام الأسبق. ■ لم نستمع يوما ما لحوار أو لقاء بينك وبين الرئيس مبارك؟ - كنت ممنوعة من حضور جميع الزيارات التى يقوم بها مبارك إلى مبنى التليفزيون. لم يكن هناك قرار بمنعى، ولكن تجاهلاً لشخصى. كنت أجد فنانات مثل «هالة صدقى وإلهام شاهين» تحضران لقاء الرئيس السابق، ويتم استبعاد أكبر مذيعة وملكة الحوار، والسبب معروف طبعا هو خوف وعدم طمأنينة صفوت الشريف من أسئلتى أو حوارى مع مبارك، الذى كان بالطبع لن يبتعد عن هموم المواطن المصرى ومستقبل مصر. أما المرة الوحيدة التى قابلت فيها مبارك عندما كان قائد مطار غرب القاهرة وقبل وصوله للحكم بسنوات. ■ هل حاولتى لفت نظر صفوت الشريف إلى هذا الأمر؟ - طلبت ولم يلتفت لطلبى. كما شكوت له مراراً من الرقابة المستمرة على برنامجى «على الناصية» وحذف فقرات عديدة، واستبعاد ضيوف بعينهم، وللأسف كانت الرقابة شفهية من رؤسائنا فى الإذاعة. ■ كان صفوت الشريف يتشدق دائما بأن عصره هو عصر الريادة الإعلامية.. ماتعليقك؟ - صفوت الشريف كان همه الكم وليس الكيف وتدشين قنوات عديدة، وتعيين مذيعين بالواسطة وكان يأتى هذا على حساب الإذاعة المصرية التى أهملت بنيتها التحتيتة، وأصبحت غير صالحة للاستعمال، كما كان يستبعد الموهوبين والأقوياء، وكان همه الأكبر هو خدمة النظام السابق، وكان يضنى علينا بالقروش وينفق الملايين على الدعاية المفرطة لحفلات سوزان. ■ وما هو الخطأ الذى ارتكبه الشريف ولا يغتفر؟ - قضية الانتماء لهذا الوطن لم تكن ضمن أولوياته الإعلامية. لقد أغفل هذه القضية، والتى أعتبرها جريمة كبرى، وكان يقال إن صفوت الشريف تدرب فى المخابرات على تحقيق المصالح الشخصية، حتى وإن كانت على حساب الانتماء للوطن. ■ وما أسوأ ما قام به؟ - الواسطة على مدار ٢٠ عاماً أفسدت الإعلام المصرى. ■ ما تفسيرك لسوء العلاقة بينه وبين الوزير أنس الفقى؟ - صفوت الشريف اعتبر أن الإعلام المصرى من بين أملاكه الخاصة، ومن يتولى حقيبة الإعلام يجب أن يكون من أتباعه، وهذا لم يحققه أنس الفقى. ■ وما شهادتك حول فترة تولى أنس الفقى وزاة الإعلام؟ - الفقى كانت لديه غيرة على إعلام الدولة، وكان يخشى من اتساع الفجوة بينه وبين القنوات الفضائية، وكان يحاول دائما أن يضع لائحة تضمن عدم الانفلات فيما يقدم على القنوات الفضائية. ■ ما تعليقك على مقولة «الفضائيات خطفت دور الإذاعة»؟ - السبب هو أن الصحفيين احتلوا مقاعد المذيعين وأصبح الصحفى هو المسيطر على الإذاعة والتليفزيون وسلاحه الذى يشهره دائما ما يكتبه على صفحات جرائده، وكانت النتيجة هى الاحتلال. ■ إذن من المحاور المحترف؟ - حمدى قنديل. ■ هل إلغاء وزارة الإعلام مناسب للمرحلة المقبلة؟ - مازلنا بحاجة لوزير إعلام يحدد هيكل وأهداف العمل الإعلامى. أما رئيس الاتحاد فهو لايصلح لهذه المهام، وله اختصاصات أخرى. فالمسألة أصبحت فوضى. ■ ألا يعوض مجلس الأمناء الذى يضم عدداً من التخصصات الإعلامية المختلفة دور وزير الإعلام؟ - مجلس الأمناء ليس بديلا للوزارة.. والعجيب أنهم تجاهلونى فى هذا المجلس رغم مشوارى الإعلامى. ■ وما تعليقك على أداء رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون؟ - لا أعرفه على المستوى الشخصى، ولم أقابله فهو رجل أكاديمى، ولو ناقشته فى ماهية البرامج لن يكون النقاش فى صالحه. ■ لماذا التجاهل للإذاعة المصرية؟ - لأن الحكومة مهتمة بالظهور فى الفضائيات والتوك شو، ولم تفكر فى الإذاعة، وأٌقولها للجميع إن التليفزيون جهاز كسيح أما الاذاعة معك فى كل مكان، فالميكروفون يستفز الخيال ويطلق العنان. ■ لماذا لم تقدمى حلقات «على الناصية» من ميدان التحرير؟ - قدمت حلقة بعد نجاح الثورة، لكنهم الآن فى ميدان التحرير لم يحددوا أهدافهم ولم يتوحدوا بعد فى جملة مطالبهم، وأن يمنحوا الحكومة الوقت فى تحقيقها، وأقول لثوار التحرير حددوا من أنتم وأعلنوا عن مبادئكم حتى أدعوكم إلى برنامج «على الناصية». ■ ثوار التحرير هم الشعب المصرى؟ - لقد تعاملت مع كل أعضاء ثورة ٢٣ يوليو، وكانت أهدافهم الـ٦ ومبادئهم واضحة للجميع، وجملة مطالبهم محددة. ■ البعض يرى أن الإذاعة لم تقم بدورها كما ينبغى فى متابعة أحداث الثورة منذ قيامها فى ٢٥ يناير؟ - العاملون بالإذاعة واقعون تحت رهبة الخوف لما حدث لزملائهم الذين سبقوههم والخوف يتملكهم من أن ينسب لهم الحاضر الذى قد يكون صح أو قد يكون خطأ ولذلك هم يعملون بمبدأ الحذر. ■ كيف تعيشين حياتك الآن؟ - أجلس فى مقاعد المتفرجين.. تحيط بعقلى الأسلاك الشائكة التى تلتف حول ماسبيرو فأنا محاصرة لا أمتلك حرية التفكير وبات فكرى مشوشاً. ■ من هو رئيسك القادم؟ - عمرو موسى أو أحمد شفيق. ■ فوازير رمضان هذا العام ما قصتها؟ - أبحث عن ٣٠ ثورة هى نتاج الإنسانية سواء كانت ثورة تحرير أو ثورة فكر وإبداع يكتبها بهاء جاهين. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات