الأقسام الرئيسية

٨٥ مليون مليونير

. . ليست هناك تعليقات:


بقلم سليمان جودة ٩/ ٥/ ٢٠١١

رجل محترم كان رئيساً لوزرائنا فى وقت من الأوقات، روى لى، أن ابنته ذهبت إلى الكوافير، وأنها صادفت هناك شاباً يعمل منذ فترة، وقد فهمت هى منه أنه ينوى ترك العمل، ولما سألته عن عمله الجديد الذى سوف يعيش منه، أخبرها بأنه سمع أن كل مواطن سوف يكون له مبلغ محترم، عند تقسيم الأموال المنهوبة على المواطنين، بعد استعادتها، وأنه سوف يعيش من نصيبه من هذه الأموال!

هذه قصة سمعتها بحذافيرها، من الرجل، ولولا أنى لم أستأذنه، لنشرت اسمه، غير أن اسمه، أو اسم ابنته، ليس هو المهم فى الموضوع، ولكن المهم أن القصة وقعت، وأن هذا هو ما يفكر فيه شاب يعيش بيننا، بتأثير مباشر مما تنشره وسائل الإعلام، يوماً بعد يوم، عن حجم الأموال التى هُرّبت، وعن استعادتها فى الأمد القريب!

طبعاً.. أتمنى من كل قلبى، أن يكون لنا فى الخارج تريليون دولار - أى ألف مليار دولار - وأن يعود هذا المبلغ سريعاً، وأن يذهب نصيب كل مواطن إليه بالعدل.. هذا ما أتمناه صادقاً، وأظن أن كثيرين يراودهم التمنى نفسه، ولكن هناك فرقاً، بين أن تتمنى شيئاً أنت تعرف أنه صعب، إن لم يكن مستحيلاً، وبين أن تدرك ملامح الواقع الذى تعيش فيه، ومعالم الأرض التى تقف عليها، كفرد، ثم كشعب!

وقد كنت أتصور أن رئيس الوزراء الأسبق يمزح، عندما روى لى الواقعة، ولكنه أقسم أنها حدثت، وأن ابنته روتها له، كما رواها لى بالضبط، دون أن تكون فيها أى مبالغة من ناحيته!

وقتها، ووقتها فقط، أدركت لماذا كانت الوزيرة فايزة أبوالنجا تحذر، بقوة، الأسبوع الماضى، من عواقب الطريقة التى تتناول بها وسائل إعلامنا قضية الأموال المهربة، وكيف أن هذا التناول يصور لكثيرين من المواطنين أن إعادة هذه الأموال سوف تمثل حلاً سحرياً لمشاكلنا الاقتصادية بشكل خاص، وأن المواطنين، بعدها، سوف لا يكونون فى حاجة إلى عمل، ولا إلى إنتاج، ولا إلى سعى، ولا إلى بذل أى جهد!

وقد جاء وقت، لو أحصيت أنت فيه الأرقام المذكورة فى وسائل الإعلام، عن تلك الأموال، لاكتشفت أن كل مواطن يمكن أن ينال مليون دولار.. وربما أكثر.. وهى حكاية كادت تصل بالناس إلى أننا، قريباً، سوف يكون عندنا ٨٥ مليون مليونير، هم عدد سكان البلد، وسوف تكون مشكلة كل واحد، أمام وضع من هذا النوع، أنه سوف يقع فى حيرة بالغة، لأنه سوف يكون عليه أن يختار بين عدة سواحل فى العالم يتفسح فيها بالثروة الجديدة الهابطة عليه، وسوف يكون فى مقدور المتدين، أن يعتمر أكثر من مرة فى العام، وأن يؤدى فريضة الحج، فى كل عام!

وسائل إعلامنا ارتكبت جرائم فى هذا الملف، عندما لم تحاول أن تتحرى الدقة والموضوعية، فيما تقول، وعندما جعلت الملايين يعيشون وهم أسرى أحلام لا تستند إلى واقع!

السلف الذين سبقونا، يمكن أن يكون عندهم ثروات، ويمكن أن يكون عندهم أمجاد، ويجوز أن نسعى إلى أن نرث الشيئين عنهم، فإذا لم يكن عندهم ثروات، ولا أمجاد، فالواجب يفرض علينا أن نبنى أمجادنا، بأيدينا، وأن نفعل الشىء نفسه، مع الثروات، لا أن نحيا فى انتظار ثروات لن تعود، فضلاً عن أن الأمجاد لديهم، لم يكن لها فى الغالب وجود!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer