بقلم د.حسن نافعة ٩/ ٥/ ٢٠١١
الكارثة التى وقعت فى المنطقة المحيطة بكنيسة مارمينا فى إمبابة، مساء السبت الماضى، وراءها قصة تبدو، من فرط تكرارها، سخيفة ومملة. فبطلها اليوم شاب مسلم من أسيوط ادعى أنه تزوج من مسيحية تحولت إلى الإسلام منذ ٥ سنوات، وأن أشقاء زوجته المسيحيين اختطفوها منذ شهرين، وأنه تلقى اتصالا هاتفيا يعلمه بأنها مختطفة وموجودة فى العباسية، ثم اتصالا ثانيا يؤكد أنها موجودة فى إمبابة ومحبوسة فى كنيسة مارمينا بشارع الاعتماد. ذهب الشاب إلى هناك وقام بجمع عدد من المسلمين المتواجدين فى المساجد المحيطة، ومعظمهم من السلفيين بالطبع، وتوجهوا معا إلى المكان الذى اعتقد أن به زوجته المختطفة، لتنطلق عملية الشحن الطائفى المعتاد. استعانت الشرطة، حين علمت بوجود تجمهر أمام كنيسة مارمينا، بالشيخ «محمد على»، إمام وخطيب مسجد التوبة بإمبابة، أحد كبار القيادات السلفية بالمنطقة، والذى توجه بصحبة عدد من قياداتها إلى مكان التجمهر. اكتشف الإمام، بعد استماعه إلى رواية صاحب المشكلة فى حضور عدد من رجال الشرطة، أن أقواله غير متماسكة واقتنع بكذبه، خصوصا بعد أن تبين أنه لم يتقدم ببلاغ بواقعة اختطاف زوجته طوال الشهرين الماضيين، وأصبح على يقيين من أن هناك من يحاول إشعال الفتنة مستخدما تلك الرواية المختلقة. يقول إمام المسجد، الذى توجه على الفور إلى المتجمهرين ليؤكد لهم أن الشاب المسلم كاذب «ولأن أهل المنطقة يثقون فىّ فقد صدقوا كلامى وبدأوا يهتفون (المسلمين والنصارى.. إيد واحدة)»، ثم يضيف: «توجهت بصحبة لواء من الداخلية واثنين من الإخوة إلى الكنيسة لطمأنة القائمين عليها بأن الموضوع انتهى. غير أن المقيمين بالعقارات السكنية المجاورة للكنيسة، وهم من الأقباط، اعتقدوا أننا فى طريقنا إلى داخل الكنيسة لتفتيشها، فبدأوا فى إلقاء الزجاجات علينا، وبعدها سمعت فجأة صوت إطلاق نار، وتطورت الأحداث إلى ما وصلت إليه». ولأن الشائعة انتقلت بسرعة عبر وسائل الإعلام، فقد استفزت مجموعة من شباب المنطقة الذين توجهوا إلى كنيسة العذراء بشارع الوحدة وقاموا بإشعال النار فيها. وكانت حصيلة الحادثتين مقتل نحو ١٠ وجرح أكثر من مائة شخص، إصابات بعضهم خطيرة. غداً ستنطلق شائعات كاذبة جديدة عن قصص وهمية تتعلق بحوادث اغتصاب أو سرقة أو زواج وطلاق، وبعدها سينطلق القطيع من هذا الجانب أو ذاك ليحرق ويدمر، معتقدا أنه يثأر لكرامة طائفته التى امتهنت، دون أن يفكر ولو لدقيقة واحدة أن المسألة برمتها قد تكون مختلقة وأنها لا تستحق أو تستوجب كل هذا الانفعال أو الغضب حتى لو كانت صحيحة. فجرائم الاعتصاب أو السرقة أو التعدى على حرمات الغير يمكن أن يرتكبها مسلم فى حق مسلمين مثله أو مسيحى فى حق مسيحيين مثله. ويتعين أن يدرك الجميع، الرسميون منهم وغير الرسميين، أن الحل الوحيد يكمن فى تقديم كل مجرم، أياً كان انتماؤه السياسى أو الطائفى أو موقعه الطبقى، إلى محاكمة عادلة لتوقيع الجزاء الذى يستحق. أما إذا حاول كل منا أن يقتص لنفسه أو لعائلته أو لعشيرته أو لطائفته فلن يكون لذلك سوى معنى واحد وهو ضرب فكرة المجتمع المنظم من أساسها والعودة إلى قانون الغاب. أجراس الإنذار تدق فى مصر الآن بشدة. ولأنه بات من البديهى، بعد نجاح ثورة ٢٥ يناير العظيمة، ألا تستسلم القوى المتضررة من سقوط النظام القديم بهذه السهولة، فعلينا أن نكون جميعا الآن على يقين بأن هذه القوى، الداخلية منها والخارجية، باتت تدرك أن ضرب الوحدة الوطنية هو وسيلتها الوحيدة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. أثق بأن قوى الثورة المضادة لن تنجح فى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ولن تحدث فتنة طائفية شاملة فى مصر. لكن الثمن الذى سندفعه سيكون باهظا جدا إذا لم ننتبه وتنجح المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدنى معا فى التعامل مع ما يجرى بأسلوب جديد. لم يعد ممكنا التسامح مع أى رجل دين مسلم أو مسيحى يحض على الفتنة الطائفية فى مسجد أو فى كنيسة أو فى شارع أو فى محاضرة. فهذا لا علاقة له بحرية الرأى أو العقيدة. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات