الأقسام الرئيسية

الجيش والشعب.. فى أزمة

. . ليست هناك تعليقات:


بقلم يسرى فودة ٣/ ٤/ ٢٠١١

نعم.. لنكن صرحاء.. الجيش والشعب فى أزمة. ومثلما ارتج ميدان التحرير، قبل أسابيع قليلة، بذلك الهتاف الذى أعاد الروح إلى الصدور: «الجيش والشعب.. إيد واحدة»، فإن من واجبنا اليوم نحو الوطن أن نسمح لما يجول فى الصدور بأن يمر عبر الحلقوم قبل أن يقتل الروح. من واجبنا اليوم أن نهتف: «الجيش والشعب.. فى أزمة»، فهذه أولى الخطوات على طريق الخروج منها معاً سالمين.

الجميل أنها «أزمة واحدة» مشتركة، ومن ثم يمكن اعتبار أنها تجمع ولا تفرق. بروح كهذه نستطيع أن نختطف الدفقة الإيجابية قبل أن تختطفنا الدفقة السلبية. لكن الذى ليس على المستوى نفسه من الجمال أن شيئاً ما لابد أن يحدث، ولابد له من أن يحدث الآن قبل أن تنفجر الصدور بما فيها. ورغم أن شهر العسل كان هو نفسه قد انتهى فى نظر البعض قبل نحو شهر، فإن ما يدعونا إلى الانتباه إلى هذه المسألة اليوم هو حاجة ملحة لدى الطرفين، صارت فى هذه اللحظات أكثر إلحاحاً، لأن يتفقا معاً على ثلاثة أهداف واضحة.

أولاً: تذكير كل منهما الآخر بدوافعه وظروفه وآماله وإحباطاته. وثانيا: الاعتراف بالأخطاء مهما صغرت ومهما كبرت، فلا أحد معصوماً من الخطأ ولا حتى الأنبياء. وثالثاً: تحييد القوة الثالثة، وهى قوة حتمية الوجود أثبت التاريخ أنها دائماً ما تنشط فى مثل هذا الطور من أطوار الثورات وينتعش نشاطها كلما أهمل الناس الهدفين الأولين.

كى يحدث هذا سيكون من المفيد أولاً أن يتخلى الجيش عن لهجة الأب، وأن يتخلى الشعب عن لهجة التحدى. سيكون من المفيد أيضاً أن يدرك الطرفان حقيقة تتوارى أحياناً من فرط وضوحها وهى أنهما معاً فى قارب واحد يخوض عباب بحر هائج يزيد هيجانه بفعل دوامات مستميتة من الداخل وبفعل عواصف رعدية من الخارج. وسيكون من المفيد أخيراً إيجاد التوازن بأسرع ما يمكن بين تؤدة المؤسسة العسكرية الضخمة، وهدير جيل جديد رشيق شغوف رأى بعينيه وذاق بلسانه ثمار كسر حواجز الخوف والإحباط والتردد.

ومما هو واضح أن ثمة حواراً جاداً لم يحدث فى البداية قبل اتخاذ عدد من الخطوات الحاسمة التى سينبنى عليها كل شىء آخر، وهو ما يجعلنا نتساءل عن جدوى الحوار الوطنى الذى ترعاه الحكومة بصورته الحالية وبتوقيته وبصلاحياته، خاصة أنه لم ينجح فى استقطاب واحد على الأقل من أهم الأطراف، إن لم يكن أهمها جميعاً. يجعلنا نتساءل عن جدواه إن لم يكن مخولاً بفرض توصياته حتى فيما يتعلق بملفات يبدو أنها طويت أو فى طريقها إلى الطى.

لكن ما يدعونى حقاً إلى هذه الوقفة أن ثمة قصة تتكشف أبعادها يوماً بعد يوم ولا يمكن السكوت عليها. وإذا كنت لم أتعرض لها من قبل فإن لذلك أسباباً وطنية ومهنية وأخلاقية. ويهمنى فى هذا المقام أن أؤكد بكل وضوح أننى لم أتعرض إلى ضغوط من المؤسسة العسكرية كى أدفن أى قصة، وإنما أنا أؤمن بأن الحرية مسؤولية، وبأن المسؤولية تتضاعف حين يتعلق الأمر بصالح الوطن وبوحدة الصف. كما يهمنى ثانياً أن أشير إلى أننى لا أملك القناة التليفزيونية التى أعمل بها، ومن ثم ليس من حقى تسخيرها لقناعاتى الشخصية فى مسألة هى بطبيعتها فى غاية الحساسية، خاصة أننا جميعاً لم نصل بعد إلى جميع حقائقها وتفاصيلها وزواياها المختلفة. ويهمنى أخيراً أن أطرح أن لحظة التأكد من الحقائق تضغط فى النهاية على الضمير المهنى الأخلاقى وتعلو به فوق مستوى الحسابات المشار إليها أعلاه، لأنها لدى تلك اللحظة تتحول من تلقاء ذاتها إلى «صالح الوطن» بعينه.

لأول مرة منذ بدء الثورة أتعرض لغضب من الطرفين. لم يحدث هذا من قبل، وفى هذا ناقوس خطر ينبغى أن يزعجنا جميعاً. بل إننى شعرت فجأة بأننى صرت مرمى لإحباطات كل منهما ولشعور كل منهما بأن الطرف الآخر يخذله. وحقيقة الأمر أن لكل منهما حقاً فى إحساسه بالإحباط والخذلان. فالجيش - هذه المرة ممثلاً فى شخص اللواء ممدوح شاهين – يشعر بأن أحداً لا يشعر به ولا يقدر مجهوده الضخم. وفى محاولته شرح ذلك يتركنى فى موقف لا أحسد عليه بين واجبى فى تفهم وجهة نظره المبنية دون شك على ما يرى فيه صالح الوطن، وإن شابها بعض الانفعال، وواجبى فى الدفاع عن ضيوفى المحترمين - الدكاترة هشام عيسى وجمال زهران وحسن نافعة - الذين عبروا بدورهم عن وجهة نظرهم المبنية هى أيضاً دون شك على ما يرون فيه صالح الوطن. اتفقت النوايا واتفق الهدف لدى الطرفين لكن وادياً عميقاً دون ذلك أسفر عن وجهه لأول مرة.

ولأول مرة أيضاً أتعرض لغضب الشعب - هذه المرة ممثلاً فى مجتمع تويتر - الذى يشعر بأن الجيش لا يشعر به حين يتعلق الأمر بعصب الثورة التى اتخذت من مفاهيم الحرية والكرامة والعدالة محوراً لقائمة طويلة من الأهداف النبيلة، ثم فوجئ بأن شيئاً ما يمس هذا العصب نفسه، وهو ما يبعث فى النفوس قلقاً شديداً على كل ما يحيط بالعصب من خلايا ومن أنسجة. هذه هى القصة التى فشلنا - نحن الإعلاميين المصريين - فى التعرض لها منذ أن أخذت ملامحها فى التكون عندما بدأت الشرطة العسكرية، بشكل مباشر أو من خلال الحكومة، فى الدفع باتجاه «لملمة» الأمور وفض الاعتصامات والتظاهرات والتجمهرات بصورة رافقتها أحداث مؤسفة وأخطاء وانتهاكات قامت الثورة أساساً لإسقاطها مع عهد مبارك كله.

لقد صار لدينا اليوم من تقارير منظمات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والدولية، ومن إفادات المتضررين وشهود العيان، ما يكفى كى ننزعج جميعاً إلى أبعد حد. الوقائع يعلمها من هم من المفترض أن يعلموا وكذلك أسماء المعتقلين وما حدث لهم، وربما لايزال يحدث حتى هذه اللحظة. من هم من المفترض أن يعلموا أيضاً أن الثورة لم تتعقب جهاز أمن الدولة كى ينتهى بنا الحال إلى اختفاءات قسرية وإلى تعذيب وإلى اختبارات عذرية وإلى محاكمات عسكرية تفتقد الشفافية ولا تضمن بالضرورة أدنى درجات العدالة لا فى عهد أعاد للمصرى قيمته بين البشر، ولا حتى فى عهد من المفترض أن الجيش وضع «إيده فى إيد» الشعب لإسقاطه.

إننا جميعاً فى خطر، وما عودة الروح إلى ميدان التحرير إلا نتيجة طبيعية لإحساس الشعب بأن شيئاً ما لا يسير فى الاتجاه الصحيح. نقول هذا مع حرصنا على تقديم صادق الشكر والتقدير للجيش المصرى، جنوداً وضباطاً وقيادة، لما يبذلونه من جهد خارق فى أخطر تحد يواجهنا منذ حرب أكتوبر المجيدة. ونقوله أيضاً مع حرصنا على تقديم صادق الشكر والتقدير لكل من يقدره الله من شعب مصر على أن يقدم لها ما ينفعها فى هذه اللحظات الحاسمة، قولاً أو فعلاً، جرأة فى الحق ونزاهة فى المقصد.

yosri@yosrifouda.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer