كنا، كما قلت فى هذا المكان، صباح أمس، متعايشين مع نظام الرئيس السابق حسنى مبارك إلى ما قبل 25 يناير بساعة، وكان الجميع يتعايش بطريقة أو بأخرى، وكان معنى التعايش وقتها، هو أن تجد طريقة لأن تكون الحياة مقبولة بمنغصاتها، أياً كانت، وبمفردات تلك الحياة، أياً كان مذاقها أو طعمها، ولم يكن هناك استثناء فى التعايش، بمعناه هذا، إلا الذين هاجروا خارج البلد، أو دخلوا السجن، فهؤلاء ـ وحدهم ـ هم الذين عجزوا عن أن يتعايشوا، وبخلافهم، فإن أحداً لو قال لك إنه لم يكن يتعايش مع النظام السابق، فهو يضحك على نفسه، قبل أن يحاول أن يضحك عليك!.. بل إن ميدان التحرير ذاته، بشبابه، وجميع الذين خرجوا فيه فيما بعد كانوا متعايشين بالمعنى نفسه إلى أن حدث ما حدث، وجاء 25 يناير، ليضع حداً فاصلاً بين التعايش الذى طال، من قبل وبين ما وجدنا أنفسنا فى مواجهته بعد هذا التاريخ!
ولست فى حاجة إلى القول بأن التعايش بهذا المعنى لم يكن سبة فى جبين صاحبه، على أى مستوى، لأنه، كتعايش مرة أخرى، كان يمثل أسلوب الحياة الوحيد المتاح وقتها فى البلد، ولم يكن هناك بديل آخر، إلا الهجرة، أو السجن، أو الموت طبعا!
وعندما أطل علينا 25 يناير، كان مجيئه إيذاناً بأن التعايش من هذا النوع لم يعد ممكناً، وأنه لابد من صيغة أخرى للحياة فى مصر، وأن هذه الصيغة غير ممكنة فى ظل نظام قديم، تعايشنا معه حتى فقدت الحياة معناها، أو كادت!
وإذا كنا قد وصلنا، الآن إلى النصف الثانى من شهر أبريل، فهذا يعنى أن 25 يناير قد مضى عليه ثلاثة أشهر تقريباً، باعتباره حداً فاصلاً، بين تعايش دام من قبل وبعد حياة مختلفة جاءت أو سوف تجىء من بعده.
غير أنى لا أطلب منك شيئاً، فى هذه اللحظة، إلا أن تتأمل ما نحن فيه، حالياً، ثم تحاول، قدر إمكانك، أن تقارن بينه، كأسلوب حياة، وبين ما كان قبل 25 يناير.
لا أعرف طبعاً النتيجة التى سوف تصل إليها، من خلال مقارنتك، طالت أو قصرت، ولكنى أعرف أنى حاولت القيام بالمقارنة ذاتها، وحاولت أن أتأمل واقع الحال، بعد 25 يناير، قياساً على واقع الحال أيضاً، قبل 25 يناير، وبما أنى عشت الاثنين، فأستطيع أن أقول لك، مطمئناً، إننا قد استبدلنا تعايشاً، بتعايش آخر، من نوع مختلف.. كنا نتعايش، قبل 25 يناير، مع نظام حسنى مبارك، وفى المقابل، فإننا نتعايش الآن مع الثورة، وحين تتطلع حولك، ثم تدقق النظر، فيما وراء الأشياء والأشخاص، فى الأعماق، وليس فى ظاهر الأمور أو سطحها، فسوف يتبين لك أننا نكرر ما كنا نفعله من قبل، مع اختلاف مهم بطبيعة الحال، وهو أننا كنا نتعايش قبل ذلك مع نظام حكم بكامله، فإذا بنا، اليوم، نتعايش مع ثورة قامت من أجل إصلاح الحال فى 25 يناير.
وليس أدل على ما أقول، إلا أننا جميعاً لانزال نفكر داخل 25 يناير، ولا نتجاوزه.. ندور حوله، ولا نقفز فوقه، مع الانتباه جيداً هنا إلى أن القفز فوقه ليس معناه أن نهدم 25 يناير، وإنما معناه أن نفكر «خارج الصندوق»، كما يقول أهل الغرب، لا أن نظل محبوسين فى داخله!
لم نبتكر شيئاً بعد 25 يناير، ولم نخترع، ولم نطور، ولم نفكر بشجاعة، ولم نجدد بالمعنى الحقيقى لكلمات الابتكار، والاختراع، والتجديد، والتفكير الشجاع فى حياة الأمم!
قامت 25 يناير، فانتبهنا فجأة، ثم سرعان ما انمحت المفاجأة، لنتعايش مع ما طرأ، وبصورة تكاد تكون بالكربون مع تعايشنا القديم، وإذا كان أحد منكم عنده رأى آخر مقنع، فسوف أسحب رأيى على الفور!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات