الأقسام الرئيسية

متى نحكم على الثورة؟

. . ليست هناك تعليقات:

بقلم: جميل مطر

gamil matar profile

28 ابريل 2011 09:53:52 ص بتوقيت القاهرة

ما حكمك على الثورة؟ هل نجحت؟ هل وصلت إلى نهايتها؟ هل حققت أهدافها؟ متى يعود كل منا إلى حياته العادية؟ عشرات الأسئلة من هذا القبيل وغيره نطرحها على أنفسنا ثم نختلف على الإجابات. أستطيع أن أفهم بسهولة شغف الكثير من المصريين لمعرفة رأى بعضهم البعض فى الثورة المصرية، وحاجتهم إلى الاطمئنان والاستقرار.

ولكن ما لم أتمكن من فهمه بالسهولة نفسها هو أن نسبة غير بسيطة من مفكرى مصر وسياسييها لم تحسم بعد موقفها من أمرين، الأمر الأول هو إن كانت مصر حقا فى ثورة؟ فإن كانت الإجابة بنعم يكون الأمر الثانى الذى لم تحسم الأكثرية الموقف منه هو إن كنا حقا نعرف شيئا عن الثورات حتى بتنا نختلف على أن نطلب أن تنتهى بسرعة أو نطلب أن تستمر حتى تحقق مطالب الناس.

أما إذا كانت الإجابة بالنفى، أى أن مصر ليست فى حال ثورة، فالأمر محسوم بطبيعته. ونصبح جميعا مطالبين بأن نعود إلى الالتزام بقواعد وسلوكيات الحياة العادية التى عشناها ثلاثين عاما، لا نطالب ولا نتمرد ولا نحتج ونعيش منبوذين ومضطهدين لا نفعل غير الشكوى والاستسلام لقدرنا التعيس، لا نجد شعبا يحترمنا ولا تهتم بنا دولة أخرى.

●●●


أفهم نفاد الصبر وضيق الصدر وأشعر بالأسى حين أرى المصريين مختلفين على كل شىء تقريبا. ولكنى غير مكتئب وغير متشائم. أقول للكثيرين الذين لا يكفون عن الاستفسار عن «الموعد المقرر» لانتهاء الثورة، لا تفرحوا كثيرا إذا انفض الحفل وعاد كل مواطن إلى حياته العادية واستعاد المستبدون والفاسدون مناصبهم وثرواتهم، أو بعضا منها، فالثورة التى تحلمون بقرب نهايتها لم تبدأ بعد، وما ظهر لنا منها لا يزيد على تجارب أكثرها ناعم وخجول يمهد للثورة أو يقيس إرادة المصريين وقدرتهم على تحمل أعباء ثورة.

كان ضروريا تلقين جيل مفاهيم الثورة وآلياتها. وكان ضروريا خلخلة أركان حكم لا يريد أن يرحل، وكان ضروريا أن نكتشف حقيقة أمرنا ونحاول الإجابة عن أسئلة راودتنا كثيرا وجربنا التهرب من الإجابة عنها: أسئلة من نوع من نحن، وماذا نريد، وكم نساوى، وماذا نملك، وكيف سكتنا دهرا؟

●●●


أقول لمن نفد صبرهم: لا تتعجلوا فلن يصدر حكم على هذه الثورة، إن كانت هى فعلا ثورة أو قررنا أن تكون ، قبل مرور سنوات وربما عقود. لماذا نستعجل إصدار حكم عليها بينما ثورات أخرى أصدر التاريخ فى شأنها أحكاما متناقضة، وبعضها لم يزل فى انتظار الحكم عليها. أعلم أن الكثيرين فى روسيا وشرق أوروبا والصين، وفى الغرب أيضا يعتقدون الآن أن الثورة البلشفية كانت وبالا على العالم وعلى الأمة الروسية وأمم أخرى كثيرة. ولكنى أعلم أيضا أن فى بلاد أخرى وفى بلادنا أفرادا مازالوا يعتقدون أن التاريخ لم يصدر بعد حكمه النهائى على الثورة الشيوعية.

وأن يوما سيأتى تعلن فيه الإنسانية عن ندمها لتقصيرها فى الدفاع عن الماركسية خلال سنوات التدهور والانهيار.

وبمناسبة التفكير فى الماركسية ترددت فى ذاكرتى كلمات قالها شو إين لاى، رئيس وزراء الصين الأشهر ورجل «الدولة والثورة» بامتياز، عندما سئل عن رأيه فيما آلت إليه الثورة الروسية ــ قال: إن الوقت لم يحن بعد لتقييمها وإن كانت المشكلات التى تواجهها لا تعنى بالضرورة فشلها، وكنت قد سمعت منه شخصيا فى أواخر الخمسينيات ثم فى أوائل السبعينيات أحاديث مطولة تكشف عن عمق اطلاعه على تفاصيل فى تاريخ أوروبا، وبخاصة دقائق الثورة الفرنسية، قال فى إجابة شهيرة على سؤال عن رأيه فى الثورة الفرنسية «إن قرنا ونصف ليست بالمدة الكافية للحكم على ثورة كالثورة الفرنسية».

●●●


قضيت بعض وقت الفراغ خلال الأسبوع الماضى أقرأ عن النقاش الدائر فى الولايات المتحدة حول الحرب الأهلية الأمريكية بمناسبة مرور مائة وخمسين عاما على إطلاق الرصاصة الأولى فى هذه الحرب التى بدأت فى FORT SUMTER بولاية كارولينا الجنوبية. أعجبنى بصفة خاصة مقال كتبه أندرو سوليفان فى صحيفة صنداى تايمز البريطانية، يقول فيه إن الزائر الأجنبى للولايات المتحدة هذه الأيام، أيام الاحتفال بالذكرى، سيعود مشدوها باكتشافه أن الحرب الأهلية الأمريكية مازالت ناشبة. فالناس فى أمريكا منقسمون هذا على أسباب نشوبها، يقول المتعاطفون مع القوات الكونفيدرالية، إن الولايات الجنوبية دخلت الحرب دفاعا عن سيادتها واستقلالها ضد أطماع ولايات الشمال فى الهيمنة والتوسع، بمعنى آخر كانت الحرب حربا بين الولايات ولم تكن حربا أهلية.

يجدهم الزائر منقسمين كذلك على موضوع العبودية ودوره فى هذه الحرب. إذ درج مؤرخون على القول إن الحرب نشبت لأن الشماليين دخلوها بهدف تحرير العبيد. بينما يقول المؤرخون المتعاطفون مع الجنوبيين إن الشماليين أرادوا تحجيم ثروة الطبقة المالكة للأرض فى الجنوب، وهى الثروة التى تراكمت نتيجة امتلاك أصحاب المزارع لما يزيد على 13٪ من سكان القارة، هم مجموع الزنوج فى أمريكا..

ويبدو أن النقاش امتد ليلمس موضوعات حساسة وإن لم تعد مكتومة. يظهر للمراقبين أن قضية التفرقة بين البيض والسود ازدادت سوءا فى الآونة الأخيرة، أى فى عهد الرئيس باراك أوباما. يتحدثون عن مواطنين من السود يرحلون من أحياء ليسكنوا فى أحياء تسكنها غالبية من السود وهو ما يفعله البيض أيضا. وتنقل محطة CNN فى استقصاء جرى فى ولاية مسيسيبى أن نصف المنتمين إلى الحزب الجمهورى يريدون تشريعات تستعيد تحريم الزواج المختلط بين البيض والسود، أى يريدون العودة إلى محرمات ما قبل الحرب الأهلية. لا يبدو غريبا هذا التطور فى وقت يكتب فيه كثيرون عن أن سخط الجمهوريين البيض على أوباما لا ينبع من كونه أسود البشرة بقدر ما ينبع من أنه «نصف أبيض».

●●●


من وسط هذه السحابة الرمادية تسرب اكتشاف أن الفضل فى إلغاء التمييز العنصرى الذى جرى فى الستينيات من القرن الماضى لم يكن للرئيس جونسون وقيادات الحزب الديمقراطى والنخب الفكرية والمؤسسة العسكرية وكل الأجهزة التى ناضلت من أجل هدا الإلغاء، إنما يعود الفضل إلى القضاء الأمريكى حين أصدرت المحاكم واحدة بعد الأخرى أحكاما تجرم التمييز وتقف إلى جانب حقوق السود فى العدالة الإجتماعية والمساواة. ويتجدد الآن الأمل لدى القوى المتحررة فى أمريكا فى أن يجدد القضاء جهوده لمنع الانجراف مجددا وراء هذه الممارسات الوحشية والعنصرية.

●●●

أملنا، نحن أيضا، أن يستعد رجال القضاء فى مصر لدور مماثل قد تعجز عن القيام به مؤسسات أخرى لأسباب نقدرها أو لا نصرح بها ولظروف قد تفاجئنا. أثق فى ولاء الثوار، شعبا وطوائف وأفرادا، للثورة، ولكنى أشعر أن مكتسباتها فى خطر إن لم تتكاتف الجهود لتقنينها وبسرعة، وإن لم يتصدر رجال القضاء المصرى صفوف المدافعين عنها، ويتحملوا مسئولية ومشاق حمايتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer