عادتنا ولن نشتريها، دائما لدينا مشكلة فى التقفيل، وكنا نتمنى ولانزال أن تفلت ثورتنا المجيدة من تلك المشكلة، ففى الثورات كما فى غيرها بالضبط «الركة على الفينيش». «كل ده كان ليه؟!» سؤال سيتوقف عنده المؤرخون طويلا وهم يحللون ما حدث، ولا أعتقد أنهم سيجدون إجابة شافية بسهولة، هذه ثورة حققت خلال شهرين فقط أهدافاً مذهلة بأقل قدر ممكن من الخسائر البشرية فى التاريخ، ومع ذلك لم يتمكن بعض المشتركين فيها من حساب المكاسب والخسائر جيدا، واندفعوا وراء مزايدات غير محسوبة قد تؤدى إلى خسارة الكثير مما حققوه.
ثم هذا جيش انحاز إلى ثورة شعبه ورفض أوامر بإطلاق الرصاص على المتظاهرين فى ظروف كان يمكن أن يبررها بأنه ينحاز إلى الشرعية الدستورية، ثم قام بالاستجابة للكثير من مطالب الثورة، وارتكب أخطاء على الأرض اعتذر عن بعضها ووعد بالتحقيق فى البعض الآخر، ثم فجأة قرر أن يتعامل بشكل غير مسبوق وغير مقبول مع حدث كان يمكن أن يتم حله بالتفاوض وطولة البال بدلا من صب الزيت على نار مشتعلة لا يعلم إلا الله متى يمكن أن تخمد تماما.
إذا كنا نريد أن نتأمل حقيقة ما حدث لكى نخرج بنتائج توصلنا إلى بر الأمان، فعلينا أن نتذكر أن القصة الحزينة لم تبدأ فجر السبت فى ميدان التحرير، بل بدأت قبلها بأيام عندما نشر ضابطان سابقان فى الجيش فجأة على الإنترنت فيديوهات تهاجم المجلس العسكرى بكل ضراوة فتعددت فى حقهما التفسيرات والاجتهادات، وقلت أنا على سبيل المثال ما نصه: «لا أريد أن أظلم أحدا، فقد تكون هناك مشاعر غضب وطنية لدى هؤلاء، لكن من قال إن أجهزة المخابرات لا يمكن أن تقوم بتوظيف أصحاب النوايا الحسنة لمصالحها؟!»،
ثم اتضح طبقا لما نشرته الزميلة نشوى الحوفى يوم الجمعة أن لدى هذين الضابطين مشاعر غضب، لكنها ليست وطنية بل هى شخصية ورخيصة أيضا، ومع ذلك مازال بعض الأصدقاء غاضبين منى بسبب ما نشرته عنهما، كأن المفروض لكى أحصل على شهادة حسن سلوك ثورى أن أمشى وراء كلام الضابطين بحذافيره لمجرد أننى أختلف مع الجيش فى تأخر تحقيق بعض مطالب الثورة، فأكون كمن يشكو من تنميل يده فيقرر أن يقطعها.
الآن وبعد كل ما نشرته الصحف لم يعد سرا أن الضابط حاتم محمود عبادى تم طرده من الخدمة فى أول ديسمبر 2004، لأنه تزوج سرا من سيدة نرويجية بالمخالفة لقانون الجيش الذى يطلب من منتسبيه الاستقالة إذا قرروا الزواج من أجنبيات، يعنى لم تكن هناك مبررات سياسية تدفعه لأن يظهر بالمظهر النضالى الذى ظهر عليه فى الفيديو كليب. أما الضابط الثانى نقيب شريف محمد عثمان فقد تم طرده من الخدمة فى 20 سبتمبر 2006 لأنه رفض العودة إلى الخدمة بعد أن أنهى بعثة دراسية كلفت القوات المسلحة أكثر من مائة وخمسين ألف دولار، يعنى البيه استولى على أموال المصريين ثم قرر أن يناضل باسمهم لكى يدعوهم إلى فتنة تأكل الأخضر واليابس.
عقب نشر مقالى يوم الخميس الماضى، جاءتنى رسائل عديدة من قراء أعزاء عرفوا الضابطين عن قرب، الأستاذ إسلام محمد يسكن فى نفس منطقة من تم وصفه بالبطل حاتم عبادى ويصفه - والعهدة على الراوى - بأنه «مريض نفسيا ومولع بحب الظهور واتفصل من القوات المسلحة بعد ما اتجوز نرويجية تعرف عليها على الشات ولم يبلغ عن زيجته لكى لا يستقيل من الجيش طبقا للقانون».
المقدم محمد الوكيل أرسل يقول لى: «كنت زميلا للضابط شريف عثمان والتقيت به فى ولاية تكساس فى مدينة سان أنتونيو عام 2007 عندما ذهبت لبعثة تدريبية، وهو ليس وطنيا كما يدعى بل خائن للأمانة لأنه سافر إلى الولايات المتحدة ليأخذ دورة تدريبية لمعلمى اللغة الإنجليزية ثم انتهى من الدورة ولم يعد إلى الوطن بل تزوج من ضابطة صف أمريكية كانت تعمل بقاعدة لاكيلاند الجوية، حيث معهد اللغات الذى كنا ندرس به حتى يتسنى له الحصول على الجنسية، وقد تعاملت معه وأرى أنه ليس وطنيا بالمرة ولا يمت للوطنية بصلة، وللعلم فإن السيدة والدته عميد طبيب بالقوات المسلحة، يعنى كان المفروض أن يكون رجلا يعرف الصح من الغلط لكنه خيب آمال أسرته فيه من أجل نزوات شخصية»،
نفس معلومة هروب شريف من الخدمة يؤكدها الأستاذ وائل فودة، ويؤكدها أيضا الأستاذ محمد عمر نقلا عن أصدقاء له كانوا زملاء لشريف ويعرفون سمعته السيئة التى أكدتها صور نشرها زملاء له على الفيس بوك، يمكن لحضرتك أن تشاهدها بسهولة على الإنترنت، والأستاذ محمد يناشد القوات المسلحة أن تتبع شفافية كاملة فى كل ما يخص ضباطها لأن ترك أى نقاط صغيرة دون مكاشفة يساعد على استمرار حالة البلبلة التى يخلقها البعض أحيانا بحسن نية وأحيانا بسوء نية.
من ناحية أخرى، الأستاذ جمال فؤاد أحد المشاركين فى الثورة يقسم بأنه رأى بعينيه الجمعة قبل الماضى أشخاصا من أعوان وبلطجية الحزب الوطنى يتطاولون بالسباب على أفراد وضباط الجيش بالمنطقة العسكرية بمصطفى كامل بقصد استفزازهم، وقد أنهى رسالته نهاية طريفة يقول فيها: «للعلم، أنا أصبت خلال الثورة بأكثر من 17 طلقة رش فى جميع أنحاء الجسم وكنت أفتخر بذلك إلى وقت قريب إلى أن عرفت بطريق الصدفة أن هذا الرش يستخدم لصيد الكلاب الضالة ومن ساعتها أصبحت مثار سخرية أطفالى الأعزاء».
جاءتنى أيضا رسالة من أحد ضباط القوات المسلحة تقول إن هناك ضابطا جديدا مفصولا سينضم إلى الاثنين السابقين، وإن كان قد بدأ مشاركته كتابة هذه الأيام، وهو نقيب ذهب إلى بعثة دراسية لمدة أربع سنوات فى الكلية البحرية فى أمريكا، وأصيب بقطع فى الرباط الصليبى، وغضب لأنه حصل على قرار بالخروج من الخدمة لأسباب طبية.
أخيرا، جاءتنى رسالة مجهلة من ضابط فى الدفاع الجوى يقسم بالله أن الضابط حاتم عبادى كان فعلا أول دفعته لمدة خمس سنوات لكنه خالف القانون العسكرى بزواجه من نرويجية وذهب معها إلى النرويج وهو ما يجعل شهادته مجروحة، ويقول فى شهادته المهمة إن ضباط الجيش خصوصا من الرتب الصغيرة لديهم شكاوى فعلا لكنه يضيف: «لا أنكر أننا نشعر ببعض الضيق والغصة لأننا لم نجن ثمار التغيير الذى طال البلد كافة، إلا أننى وقطاعاً عريضاً من الضباط الذين أحسبهم وطنيين نرفض هذه المهاترات من بعض الضباط السابقين وقلة قليلة من أصاغر الضباط الذين لا يستطيعون تغليب المصلحة العامة، نحن صابرون حتى يطولنا التغيير ولن نرهن خدمتنا للوطن به أبدا».
لا أريد أن أتسرع فى اتهام الضابطين المفصولين بالعمل لحساب أجهزة مخابرات، لمجرد أنهما فُصلا لسوء سلوكهما أو لأنهما يقيمان بالخارج وتزوجا من أجنبيات، فقد يكون وراء موقفيهما رعونة وطيش ورغبة فى الانتقام، لكن ما قاما به يخدم فى نهاية الأمر كل من يرغب داخليا وخارجيا فى إجهاض الثورة وإدخال مصر فى حالة سيولة كاملة تنتج عنها فوضى لا يعلم مداها إلا الله.
وهو ما ينطبق أيضا على الإخوة الذين نزلوا مرتدين الملابس العسكرية إلى ميدان التحرير يوم الجمعة دون أن يتأكد أحد هل هم مفصولون من الجيش أم أنهم مازالوا فى الخدمة، لكن أيا كان موقفهم من الخدمة فهم بالطبع أكثر شجاعة لأنهم أعلنوا موقفهم من داخل مصر وعرّضوا أنفسهم للخطر، مع أنهم كانوا من المفروض أن يخلعوا ملابسهم العسكرية وينضموا كمدنيين للتعبير عن رأيهم لكى لا يورطوا الثورة فى تحمل مواقفهم الشخصية.
قد تكون لديهم اعتراضات أو تحفظات على المؤسسة العسكرية التى يعرفونها من الداخل، لكننى شخصيا لا يمكن أن أتضامن مع ما فعلوه لسبب بسيط هو أننى أعتقد الآن أن مصر فى حالة حرب، وليس من مصلحة أحد أن يسمح بحدوث أى تفكك فى المؤسسة العسكرية أيا كانت دوافعه أو أهدافه نبيلة، فنحن نشكو من تباطؤ فى تحقيق المطالب، ولم نر خيانة لأهداف الثورة تبرر مثل هذا الخروج السافر على المؤسسة العسكرية.
أرجو من كل من يجد نفسه راغبا فى لعنى الآن أن يهدأ قليلا ويأخذ نفسا عميقا ثم يفكر فى إجابات لهذه الأسئلة: من المستفيد من نشر حوار ينسب للمشير طنطاوى مع مجلة «دير شبيجل» يتحدث عن وقوع انقلابات فى الجيش، ثم يتضح أن الحوار مفبرك جملة وتفصيلا، بعد أن فتح الباب لكم مهول من الأقاويل حول وضع الجيش وأظهره كأنه يعانى من اضطرابات داخلية؟
من المستفيد من وجود صفحة على الإنترنت تدعى أنها تساند ضباط الجيش المنشقين وتنشر يوم الجمعة خبرا يقول إن الضابط أحمد شومان تعرض لحكم بالسجن لمدة 37 سنة، قبلها بيوم يقوم شخص يتخذ لنفسه على موقع «تويتر» اسم (ضابط جيش) بنشر تويتة يقول فيها إن شومان محتجز فى مستشفى للقوات المسلحة، قسم الأمراض النفسية، ويتعرض لحقن هلوسة، ثم ترد نفس المعلومة فى فيديو لضابط مفصول بشكل غير مباشر ودون الإشارة إلى اسم شومان، قبل أن يقولها الضباط المنضمون للتحرير ويتناقلها عنهم أناس على الـ«فيس بوك» و«تويتر»؟
كل ذلك يقال قبل أن تكشف الكاتبة دعاء سلطان بحكم صداقتها بزوجة الرائد شومان أنه حر طليق ويذهب إلى عمله كل يوم، الأدهى من ذلك أن الفنان هشام عبدالله قال لى إن الرائد شومان اتصل هاتفيا بالضباط الذين نزلوا إلى التحرير وكلم الشباب هاتفيا بعد أن تم وضعه على الميكروفون وقال لهم: «إحنا بنّظم نفسنا دلوقتى عشان ننزل معاكم»، بعدها فوجئت برسالة تأتى على هاتفى المحمول مكتوب فيها الآتى «لازم نتفق نبقى ضد أى فتنة أو انشقاق فى صفوف الجيش فى الوقت الصعب ده، مهما اختلفنا معهم فى أسلوب وشكل وطريقة قيادتهم للوطن، الفتنة قد تؤدى لظهور ميليشيات ملونة تعود بالوطن للمجهول.
أحمد شومان»، بعدها فورا اتصلت بى الأستاذة دعاء سلطان لتقول لى: «الرائد أحمد شومان حاول يكلمك ودى نمرته.. ياريت تكلمه»، سارعت بالاتصال به فوجدته فى غاية القلق على ما يحدث، وأنكر كل ما قيل عنه أو نسب إليه من أقوال، واستأذنته فى نشر نص رسالته التى يبدى فيها اعتراضه على كل ما حدث يوم الجمعة الماضى، لكى يدرك الناس أن هناك لعبة خطيرة تحدث، ويتم جرنا إليها جميعا للأسف الشديد لكى تدخل البلاد فى نفق مظلم.
لقد كتبت من قبل أن طاقة الرفض هى التى أنجحت الثورة، وهى - للأسف الشديد - التى يمكن أن تدفع بها إلى الفشل، ولذلك سألت بعض الذين وجدتهم يهتفون ضد الجيش عن طبيعة ما يريدونه لكى أفهم موقفهم، فوجدت آراء مختلفة متنافرة، بعضهم يهتف ضد المشير مطالبا بإسقاطه، والآخر يطالب بإسقاط المشير والفريق سامى عنان، والبعض الثالث يطالب بإسقاط المجلس العسكرى كله، بل إننى وجدت من يطالب بتنحية كل من يحمل رتبة اللواء، وكل الذين يقولون هذه الآراء يتحدثون بصفتهم وطنيين وثوريين وحريصين على مصر، لكن هل ما يطالبون به فى مصلحة مصر فعلا؟
أعتقد أن أى عاقل سيجيب بلا، قبل أن يسأل ما هى الآلية التى يمكن بها تنفيذ هذه الطلبات، ومن سينفذها، ومن الذى سيمنح صك الوطنية لهذا القائد ويستثنى ذلك؟ وكيف سيكون الحال لو تمرد الجنود التابعون لهذا القائد رافضين تنحيته لأنهم يحبونه ويدركون وطنيته ودخلوا فى مواجهات مسلحة مع الذين يرفضونه؟
وإذا كنا قد اتفقنا على أن نقد المجلس العسكرى لا يعنى نقد الجيش فمن أين أتى هؤلاء بمعلومات تؤكد لهم أن المطالبة بإسقاط المجلس العسكرى لن تعتبر موجهة ضد الجيش بأكمله، ألا يفترض أن يكون لدىَّ معلومات أبنى عليها موقفى قبل أن أتخذه؟
وهل مصر التى تعانى من الفراغ الأمنى يمكن أن تتحمل فراغا عسكريا واستراتيجيا لو فتحنا الباب لكل من هب ودب لكى يبدى رأيا فى قيادته العسكرية؟
وهل يعرف أى من هؤلاء شيئا عن تقاليد العسكرية المصرية قبل أن يفترضوا أنها ستسلم لمطالبهم بمنتهى السهولة؟
وأين هى الدولة الديمقراطية التى يُسمح لأفراد جيشها بأن يخرجوا فى مظاهرات لكى يُبدوا رأيا فى قياداتهم؟
وأين تكمن بالضبط مشكلتنا مع المؤسسة العسكرية، هل فى أدائها السياسى أم فى شخوص قادتها؟ وهل سيسعد الشهداء فى قبورهم إذا وجدوا أننا أشعلنا حربا أهلية مسلحة فى البلاد؟
أزعم أن من حقى كمدنى أن أقف فى أى ميدان يعجبنى لكى أنتقد الأداء السياسى للمؤسسة العسكرية بأعلى صوت، أنا فعلت ذلك فى هذه الصحيفة، وأفخر بأننى كنت أول من فتح ملف التعذيب الذى قام به أفراد من الجيش للناشطين العسكريين، انتقدت على الهواء مباشرة اقتحام الشرطة العسكرية للحرم الجامعى، ودخلت خلال برنامج الزميل يسرى فودة فى نقاش طويل مع أحد قادة الجيش حول بطء المجلس الأعلى فى تنفيذ مطالب الثورة،
وانتقدت هنا تصريحات اللواء ممدوح شاهين فى برنامج «آخر كلام»، ونشرت رده على انتقادى بكل احترام لشجاعته فى مراجعة ما قاله، ثم أنا أعلن الآن رفضى للطريقة التى تمت بها مهاجمة الاعتصام فى ميدان التحرير للقبض على الضباط المعتصمين، فهى طريقة أفسدت ولم تصلح، والبيان الذى صدر لتبريرها لا أظنه موفقا، خاصة أن الذين تم ضربهم كانوا مدنيين عزلاً لم يقوموا بالتكسير أو التخريب بل مارسوا حقهم فى التعبير عن رأيهم الذى يمكن أن نختلف معه لكن لا يمكن أبدا أن نقر قمعه بهذا الشكل الذى أفزعنا ونحن نتابعه على شاشة «الجزيرة مباشر» فما بالك بمن شاهدوه رأى العين؟!
وحتى يحدث إصلاح جذرى لهذا الموقف المفزع، سأظل أنتقد كل من أراه خاطئا فى طريقة إدارة المجلس الأعلى للفترة الانتقالية، لكننى سأرفض أيضا كل محاولات تفكيك وحدة المؤسسة العسكرية، وسأرفض ترديد اتهامات عن فساد المؤسسة العسكرية دون دليل، فأنا لا أؤمن بالكلام الذى لا جمرك عليه، ولم أعد أثق فى كل من يناضل خلف اسم مستعار أو يظن أن الشجاعة أن تكون رجلا فقط فى الفضاء الافتراضى، ولن أصدق أى شائعات حقيرة تتحدث عن وجود ملفات فساد كان يحملها الضباط المعتصمون،
بينما لم أر أحدا شاهد هذه الملفات بنفسه حتى الآن، لذلك موقفى بسيط وواضح، من كان يحب هذا الوطن فليقل خيرا أو ليصمت، إذا كانت لديك أدلة على فساد سين أو صاد فى المؤسسة العسكرية فكن رجلا وتقدم بها إلى القضاء أو تحمل مسؤوليتها وانشرها باسمك فى أى موقع على الإنترنت، لكن أن ترددها بشكل مرسل وأنت تستخدم اسما مستعارا فأنا لن أثق فى نواياك أبدا.
أقول كل ذلك لأن هناك مدوناً يدعى أنه ضابط جيش ويختبئ خلف اسم مستعار هو أحمد سعيد، يتصور أنه يضربنى ضربة قاصمة عندما يتهمنى بأننى أصبحت متحدثا رسميا للجيش، وهو أمر لا أظن أنه يعيبنى، فلم أسمع من قبل أن دفاع الإنسان عن جيش بلاده سُبّة (جديدة حكاية العمالة لجيش بلادك دى؟)، طبعا بإمكانى الآن أن أزايد على هذا الأخ وأمثاله فأقول مثلا إن عمل الإنسان لمصلحة بلاده وجيشها خير من عمله لمصلحة خطط جيش الدفاع الإسرائيلى الذى يلعن سنسفيل هذه الثورة كل يوم، واقرأوا ترجمات الصحف العبرية التى تنشرها صحيفة «القدس العربى» لتتأكدوا من ذلك، مع ذلك لن أزايد على وطنية أخينا الضابط المختبئ،
بل فقط سأسأله: لماذا أصلا يجب أن أصدق كلامك وأنت جبان تختبئ خلف اسم مستعار لكى تنشر أحقادك التى تعلم أنها يمكن أن تجد رواجا فى ظل طاقة الرفض التى ستظل فائرة حتى تتم محاكمة مبارك وأسرته؟ يا سيدى، إذا كانت حكاية الدفاع عن الجيش المصرى تهمة، فيسعدنى أن تشاركنى فيها أسماء محترمة مثل: عمرو الشوبكى وطارق البشرى ووحيد عبدالمجيد ومحمد المخزنجى وجمال الغيطانى ونوارة نجم وفهمى هويدى والمعتزبالله عبدالفتاح الذى كتب مقالا بديعا فى «الشروق» يتحدث فيه عن اتهامه هو أيضا بأنه بات متحدثا رسميا للجيش.
فى الوقت نفسه يسعدنى أن يكون هناك أكثر من خمسة جروبات على الـ«فيس بوك» تحمل أسماء من نوعية (كارهى بلال فضل) و(حملة ضد بلال فضل وكل منافق) و(الصفحة الرسمية للقواد بلال فضل) وكلها مليئة بشتائم، بعضها قبيح يتهمنى بتعكير صفو العلاقة بين الشعب والجيش والتشكيك فى الجيش، وربما كان الشىء الوحيد الذى يحزننى فى هذه الجروبات أن أعداد المشتركين فيها ليست كبيرة مما يقلل من حسناتى، وأظن أننى أديت لأصحابها واجب الدعاية وليست لهم حجة الآن.
عموما، يا أيها المختبئ خلف اسم مستعار، إذا كنت غاضبا لأننى لم أجبك عن سؤالك حول ما الذى تحقق من أهداف الثورة حتى الآن، فأعتقد أننى مازلت أحفظ مطالب الثورة التى كانت مكتوبة على لافتة قماشية ضخمة معلقة على عمارة كنت أقف تحتها كل يوم فى ميدان التحرير، وقد تحقق منها الآتى: خلع الرئيس الفاسد وأسرته وإنهاء مشروع التوريث إلى الأبد، إسقاط الدستور الفاسد، حل المجالس النيابية المزورة، تشكيل حكومة كفاءات وطنية على رأسها رئيس وزراء تفتخر به مصر وبها وزراء داخلية وخارجية وعدل وثقافة ومالية وعمل، أشعر بالفخر لأننى عشت حتى أرى وزراء مثلهم، فهل أنسى أن كل ذلك قد تحقق لكى أجرى وراء رغبتك الغامضة فى إشعال الحرائق فى وطن تركه الفاسدون على شفا الخراب.
نعم، مازلت أطالب بمحاكمة مبارك وأسرته واسترداد الأموال المنهوبة والقصاص لدماء الشهداء وتطهير البلاد من رموز النظام الفاسد فى كل المجالات، لكننى سأفعل ذلك وأنا أبنى مصر التى أصبح وضعها الاقتصادى مرعبا بعد أن تركها مبارك قاعا صفصفا، سأفعله وأنا أساعد الجيش على أن يعود إلى ثكناته بعد أن أنتخب نوابا ورئيسا وآتى بحكومة تواصل تحقيق مطالب الثورة التى جاءت لكى تصبح مصر دولة عصرية متمدنة، وليس لكى تصبح خرابة ينعق فيها البوم.
ختاما، هناك حقيقة مُرّة نتعلمها من التاريخ تقول لنا إن كل الفتن الكبرى التى حدثت فيه جاءت فقط فى الأوقات التى يعتقد الجميع أنهم كانوا على حق، دون أن يقوم أحدهم بمراجعة مواقفهم ولو قليلا. فهل ندرك ذلك أم نصر على إكمال السير فى النفق المظلم الذى دخلناه فجر السبت للأسف الشديد؟! هذا، «وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر، ولو شاء لهداكم أجمعين».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات