أجرى الحوار محمد رضوان ٢١/ ٤/ ٢٠١١ |
فجر المستشار فكرى خروب، رئيس محكمة جنايات الإسكندرية، مفاجأة بتأكيده أن جريمة الفساد والإفساد السياسى لها مواد فى القوانين السارية، ويمكن تفعيلها لمحاكمة المسؤولين السابقين، كاشفاً عن إمكانية محاكمة الرئيس السابق حسنى مبارك، بتهمة عدم الولاء للنظام الجمهورى، ووقف كل أو بعض أحكام الدستور، أو تعديله دون اتباع الإجراءات اللازمة، مؤكداً أن عقوبة هذه الجرائم تصل إلى الإعدام، موضحاً أن هناك قانونين صدرا عامى ١٩٥٦ و١٩٥٨ يعاقبان على أفعال وجرائم تتعلق بالفساد السياسى، وأن الأحكام تبدأ من الأشغال الشاقة المؤقتة، وتتصاعد إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، وصولاً إلى الإعدام. وأضاف «خروب» أنه يمكن تفعيل قانون محاكمة الوزراء الذى صدر أثناء الوحدة بين مصر وسوريا، على أن يقوم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحكم صلاحياته التشريعية الآن، بتعديل شرط وجود سوريين فى تشكيل هيئة المحكمة. وأكد المستشار خروب أن رجال النظام السابق ارتكبوا كل الجرائم الواردة فى هذا القانون، منها استغلال النفوذ، والتدخل فى الانتخابات، ومخالفة القوانين، وتخصيص الأراضى، وإسناد المشروعات بالأمر المباشر، لافتاً إلى عدم الحاجة إلى قوانين جديدة لمحاكمة المسؤولين السابقين، مؤكداً أنه حتى فى حالة صدور قوانين جديدة فلن تطبق عليهم، لأن القوانين لا تطبق بأثر رجعى، وإلى نص الحوار: ■ شهدت الفترة الأخيرة حديثاً كثيراً حول عدم وجود نصوص قانونية تعاقب على الفساد السياسى وهو التهمة الموجهة لعدد كبير من رجال النظام السابق، باعتبار أن الأصل فى الجريمة أنها مادية ملموسة، ووصل الأمر إلى حد تأكيد النائب العام رداً على البلاغات التى تلقاها فى هذا الشأن بقوله إنه لا يوجد قانون يعاقب على الفساد السياسى، فما ردك؟ - أنا بحثت فى القوانين عن تنظيم لمثل هذه الأمور والجرائم السياسية، ووجدت أن هناك قانوناً يحمل رقم ٢٤٧ لسنة ١٩٥٦ بشأن محاكمة رئيس الجمهورية والوزراء، هذا القانون نشر فى ١٤ يونيو ١٩٥٦ وتعاقب المادة السادسة منه رئيس الجمهورية بالإعدام، أو الأشغال الشاقة المؤبدة، أو المؤقتة إذا ارتكب عملاً من أعمال الخيانة العظمى، أو فعلاً يشكل جريمة عدم الولاء للنظام الجمهورى.إذن هذا القانون يعتبر عدم الولاء للنظام الجمهورى جريمة يعاقب عليها بالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة، وتحدد المادة فعلين يعبران عن عدم الولاء للنظام الجمهورى، الأول هو العمل على تغيير النظام الجمهورى إلى ملكى، والثانى وهو الأهم حالياً هو وقف كل أو بعض دستور الدولة، أو تعديل أحكامه دون اتباع الإجراءات، فإذا نظرنا إلى دستور ٧١ الذى كان معمولاً به فى ظل نظام الرئيس السابق حسنى مبارك، لوجدنا أن مبارك عطل معظم أحكام الأبواب الثلاثة الأولى منه، أو أوقفها، أو لم يأخذ بها، فمثلا مواد الإصدار تنص على أن الرئيس يتعهد ويلتزم ببذل الجهود لتحقيق الوحدة العربية، لكن مبارك خالف هذا النص وحاول تمزيق الوحدة العربية بالخصومات التى افتعلها واصطنعها مع الأنظمة العربية سواء فى سوريا أو السودان أو غيرهما، وكان الدستور ينص أيضا على أن يلتزم رئيس الجمهورية بتحقيق التطوير والتقدم المستمر للحياة فى الوطن، وتحقيق الحرية والكرامة للإنسان، لكن كل هذا أهدر فى ظل حكم الرئيس السابق، كما عطل المادة الرابعة التى تنص على أن الاقتصاد المصرى يقوم على العدالة الاجتماعية والحفاظ على حقوق العمال، وكلنا شاهدنا أن عهده لم تكن فيه عدالة اجتماعية، أو حقوق عمال، والمادة ٥ اللى تكفل حق المواطنين فى تأسيس الأحزاب، وكلنا رأينا أن لجنة شؤون الأحزاب كانت تمنع قيام أحزاب، والمادة الثامنة التى توجب على الدولة كفالة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين، وطبعا هذا كلام لم يحدث على الإطلاق، وتكافؤ الفرص ضاع تماما، وكانت المحسوبية والرشوة والوساطة هى السائدة، والمادة العاشرة الخاصة برعاية النشء والشباب، وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم، بينما شاهدنا حال الشباب، وتضمنت المادة أيضا الحق فى العمل وخلافه، وتفعيل الخدمات الثقافية والاجتماعية والصحية، وتوفيرها بوجه خاص للقرية بيسر وانتظام رفعا لمستواها، كل هذا كلام لم يتحقق، وأهمل تماما فى عهد مبارك، وأهملت القرية، والرعاية الصحية وكفالة خدمات التأمين الاجتماعى والصحى ومعاشات البطالة.. كما لم تتحقق مجانية التعليم الذى أصبح مكلفاً جداً. ■ وهل هذا القانون ما زال معمولاً به، أى لم يتم إلغاؤه أو تعديله؟ - هذا القانون ألغيت منه المواد الخاصة بمحاكمة الوزراء فقط، لأنه فى عام ١٩٥٨ إبان الوحدة بين مصر وسوريا صدر قانون خاص لمحاكمة الوزراء فى الإقليمين المصرى والسورى يحمل رقم ٧٩ لسنة ١٩٥٨، ونشر فى ٢٢ يونيو من العام نفسه، وقد نصت المادة الثانية منه على إلغاء كل نص يخالف أحكامه، وبالتالى ألغيت النصوص الخاصة بالوزراء من القانون السابق، وبقيت النصوص الخاصة بمحاكمة رئيس الجمهورية، أما قانون محاكمة الوزراء نفسه فلم يلغ، وإنما أصبح معطلاً، فقط، لأن القانون يقضى بأن يدخل فى تشكيل المحكمة عضو من الإقليم الشمالى، أى سوريا، ولما كان ذلك صعباً بعد الانفصال أصبح القانون معطلاً لكنه لم يلغ، وبالتالى فإنه مازال قائماً ونافذاً، وهذا القانون حدد فى المادة ٥ منه الجرائم التى يعاقب عليها الوزراء، هذه الجرائم لم ترد فيها نصاً كلمة الفساد أو الإفساد السياسى، لكنها تعتبر هكذا، فالجرائم المنصوص عليها فى القانون، هى الخيانة العظمى، ومخالفة الأحكام الأساسية فى الدستور، فإذا نظرت إلى الواقع وجدت أن كل الأحكام الأساسية تمت مخالفتها من الوزراء، وحدد القانون جرائم أخرى نصاً مثل التصرف أو الفعل الذى من شأنه التأثير بالزيادة أو النقصان فى أثمان البضائع، أو العقارات، أو أسعار الأوراق المالية للحكومة، أو الأوراق المالية المقيدة بالبورصة، أو القابلة للتداول بالأسواق بقصد الحصول على فائدة شخصية أو للغير، كل هذا حدث خلال النظام السابق، وأضاف القانون جريمة استغلال النفوذ، ولو بطريق الإيهام، للحصول على فائدة أو ميزة للنفس أو للغير من أى سلطة عامة، أو أى هيئة، أو شركة، أو مؤسسة، وكل هذا حدث أيضاً من جانب مسؤولى نظام مبارك، وكذلك المخالفة العمدية للقوانين أو اللوائح، التى يترتب عليها ضياع حق من الحقوق المالية الدولة، أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة الأخرى، وأسوق مثالاً هنا بما كان يحدث من إسناد المشروعات بالأمر المباشر، أو بيع الأراضى دون إجراء مناقصات، والأخطر والأهم فى هذه الجرائم المنصوص عليها أيضا هو التدخل فى عمليات الانتخاب أو الاستفتاء، أو اجراءاتهما بقصد التأثير فى نتيجة أى منهما، وهذا القانون يعاقب على الخيانة العظمى بالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة، وباقى الجرائم بالأشغال الشاقة المؤبدة، أو المؤقتة، والغرامة، وهكذا فإننا لا نحتاج إلى قانون جديد للمعاقبة على الفساد السياسى، لأن القانون موجود بالفعل، كما أنه لا يصح أن نصدر الآن قانونا لمعاقبة أشخاص عن أفعال ارتكبوها قبل إصداره، أى تطبيقه بأثر رجعى، فالمفروض أن القانون الجنائى يطبق بأثر فورى مباشر على أساس أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص وقت ارتكابها، وإذا كان الفعل الذى تم ارتكابه لم يصدر قانون بتجريمه، فإنه بذلك يكون مباحاً. ■ لكن المشكلة الآن أن هذا القانون معطل بسبب شرط تشكيل عضوية هيئة المحكمة، فكيف يتم تفعيله دون هذا الشرط؟ - لا توجد مشكلة، القانون معطل فقط لكنه نافذ، وكلمة معطل لا تعنى صدور قانون من السلطة التشريعية بتعطيله، وإنما معطل بسبب صعوبة تشكيل المحكمة لأن بعض أعضائها يجب أن يكونوا من الإقليم الشمالى (سوريا)، وفى هذه الحالة يمكن للمجلس العسكرى- باعتباره وفقا للإعلان الدستورى يختص بالسلطة التشريعية ويقوم مقامها، وله الحق فى إصدار مراسيم بقوانين- أن يقوم بتعديل القانون فيما يتعلق بتشكيل هيئة المحكمة، ومن هنا يمكن أن يصدر التعديل فى سطرين بمادتين بتعديل القانون رقم ٧٩ لسنة ٥٨ لمحاكمة الوزراء ويجعل الاختصاص وسلطة التحقيق والاتهام للنيابة العامة، وذلك لتحقيق ضمانة أكثر للمتهمين، بدلاً من ضرورة وجود أعضاء من مجلس الأمة، وأن تكون المحاكمة أمام المحاكم الجنائية، أو محكمة جنائية، أو إحدى دوائر محكمة استئناف القاهرة، أو المحاكم الجنائية المختصة وفق الأحكام المنصوص عليها فى قانون الإجراءات الجنائية، لضمان محاكمتهم أمام قاض طبيعى. ■ ولماذا تطالب بتعديل المواد الخاصة بسلطة الاتهام والتحقيق، هل القانون بوضعه الحالى يشترط أشياء معينة يصعب تنفيذها مثل شرط القاضى السورى؟ - القانون أعطى سلطة التحقيق لجهات أخرى، وهيئة المحكمة تتكون من أعضاء فى مجلس الأمة، وعدد من القضاة، وتحدد محكمة النقض مقراً للمحاكمة أمام محكمة عليا تشكل من ١٢ عضواً ٦ منهم من أعضاء مجلس الأمة، كل هذه البنود يجب إلغاؤها، والموضوع المهم هو أن الأفعال التى ارتكبها الوزراء فى النظام السابق مجرمة بمقتضى هذا القانون، ويقعون تحت طائلته لأنه معمول به ولم يصدر قانون بإلغائه، ولذلك يجب تطبيق القانون ومحاكمة الوزراء السابقين. ■ وبالنسبة لرئيس الجمهورية، هل هناك شروط معينة فى القانون فيما يتعلق بالمحكمة التى تحاكمه؟ - القانون يقول إنه تتولى محاكمة رئيس الجمهورية والوزراء محكمة عليا تشكل من ١٢ عضواً، ٦ منهم من أعضاء فى مجلس الأمة يتم اختيارهم بطريق القرعة، و٦ من مستشارى محكمة النقض ومحاكم الاستئناف يتم اختيارهم بطريق القرعة أيضاً، لكن محاكمة مبارك من الممكن أن تتم أمام المحاكم العادية باعتباره أصبح مواطناً عادياً، ويمكن محاكمته بتهمة الخيانة العظمى، وكل الأفعال التى تندرج تحت جريمة عدم الولاء للنظام الجمهورى، ووقف الدستور كله أو بعضه، أو تعطيل أحكامه دون اتباع القواعد، ويفضل أن تكون المحاكمة أمام قضاة طبيعيين وليس أعضاء فى مجلس الأمة الذى لم يعد موجوداً أصلاً وحل محله مجلس الشعب. ■ لكن هل يجوز قانوناً محاكمة شخص استناداً إلى قانون، بينما المحكمة مشكلة طبقا لقانون آخر؟ - ممكن بعد إجراء تعديلات فى تشكيل المحكمة فقط، وهذه النقطة ليس لها تأثير على الأفعال التى تشكل جريمة وفق القانون، كل ما فى الأمر أنه بدلاً من أن تكون المحكمة مشكلة من أعضاء فى مجلس الشعب وقضاة، ستكون محكمة عادية من قضاة فقط مستقلين وغير قابلين للعزل. ■ هذا يعنى أن هناك حاجة لإجراء تعديل آخر فى القانون؟ - التعديل فقط فى المواد المتعلقة بتشكيل المحكمة كما أوضحنا، وسلطة الاتهام لتصبح النيابة العامة.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات