دعونى أقل باطمئنان فى حدود ما رأيناه بالأمس من إقدام ملايين المصريين على الاقتراع لتحديد مصيرهم ومصير وطنهم، أن مبارك وكل من سار على دربه كانوا هم العائق الأساسى أمام تحضر الإنسان المصرى الذى طالما عرف عنه أنه صاحب حضارة. ولكن الإنسان المصرى يتحضر فى مناخ من القيادة الواعية والمؤسسية الراشدة. وهو ما سنحتاجه قطعا فى الفترة القادمة. سنحتاج لمؤسسات تصاغ بطريقة تضمن ألا يختطف أحد الديمقراطية، ولكن فى نفس الوقت مؤسسات تضمن أن يترجم قرار الأغلبية التصويتية فى صورة أغلبية برلمانية حتى يتحول برنامج الحزب الفائز فى الانتخابات إلى السياسة العامة للدولة. هذا، مع ضمان كاف بأن هناك مجموعة من الحقوق السياسية والقانونية الأساسية التى هى مكفولة لكل المصريين دستوريا بحكم كونهم مواطنين مصريين بغض النظر عن كونهم من الأغلبية أو الأقلية.
كتبت، وقطعا كتب غيرى، عن أن طابور التصويت فى الانتخابات ربما يكون الطابور الذى إذا وقفنا فيه، قد لا نحتاج للوقوف فى طوابير أخرى كثيرة مثل طابور الخبز أو طابور المواصلات. والفكرة تنسب إلى أمارتيا سن، الاقتصادى الهندى العملاق، الذى أشار إلى الديمقراطية المفضية إلى التنمية؛ حيث تظهر المجاعات فى الدول غير الديمقراطية، ولا تظهر فى الدول الديمقراطية؛ قد تظهر فى باكستان ولكنها لا تظهر فى الهند. لماذا؟ لأن الحكومة المنتخبة ديمقراطيا تعلم أنها لا تملك أن تجمع بين الإهمال والاستمرار، بين التراخى والبقاء فى السلطة.
وهذا ما لم يكن فى مصر: كان فى مصر شعب ليس له رؤية حكومية، وكان فى مصر حكومة بلا رؤية شعبية. الشعب منكفئ على نفسه، غريب فى أرضه، يقبل بالفتات الذى تلقيه إليه الحكومة. والحكومة متطلعة إلى مصالحها بلا أدنى اعتبار لمطالب الشعب.
والأمس كان نقطة البداية فى انطلاقة المصريين لصناعة مستقبلهم ولتصميم نظامهم السياسى الذى سيترجم طموحاتهم وطاقاتهم إلى برامج عمل تضعنا جميعا على بداية طريق شاق ولكنه ممتع، مرهق لكنه ملهم، طويل ولكنه مبهج. طريق حفره المصريون صغارا وكبارا بدءا من 25 يناير. ترحموا على أرواح شهدائنا الذين ماتوا ليحيونا. ولتبق صورهم حاضرة فى أذهاننا حين نتخذ قراراتنا بشأن مستقبلنا، فهم صانعو المستقبل الذى سنعيشه، فلنعشه كما أرادوا له حين صنعوه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات