أعرف أنك الآن حائر.. تسأل نفسك حتماً «نعم» أم «لا»؟.. ومثل كثيرين لن تصل إلى إجابة حاسمة جازمة.. لذا سوف تبحث عن مساعدة صديق.. ولكنك ستجده حائراً مثلك، وإذا كان قد حدد طريقه بالفعل فلن يتمكن من إقناعك بأسباب ومبررات اختياره «نعم» أو «لا».. عموماً لا تغضب، فأنت لست استثناءً.. فكل الشعوب التى ثارت وحطمت قيودها واجهت هذه المشكلة فى بداية الديمقراطية.. وربما نظل حائرين عدة سنوات.. سوف نصيب مرة، ونخطئ مرات، وعلينا أن ندفع الثمن طواعية لأننا نجرّب فى أنفسنا..!
حدث ذلك فى أوروبا والدول المتقدمة، لأن الديمقراطية هى التجربة العلمية والمعملية الوحيدة التى يستحيل إجراؤها على الآخرين.. لا الفئران ولا البشر المتطوعين.. ورغم أنها وصفة أثبتت نجاحها فى كل مكان وزمان.. إلا أنها بحاجة إلى الاختبار والتجريب فى كل مرة ومع أى شعب.. وبمرور التجارب والصواب والخطأ تتجذر الديمقراطية فى المجتمع، وتتحول إلى «جين» يجرى فى عروق المواطنين.. وتصبح الحرية أغلى من الخبز، وصندوق الانتخابات قبل محفظة الجيب وخزينة البيت..!
اذهب إلى الاستفتاء دون تردد.. اذهب حتى لو توصلت إلى القرار الأخير أمام صندوق الاقتراع.. اذهب حتى لو فاضلت بين «نعم» و«لا» على طريقة «حادى بادى».. فالمرة القادمة لن تفعلها.. ولكن «حادى بادى» هذه ربما تكون غير مقبولة.. لذا دعنا نساعد بعضنا البعض فى التوصل إلى قرار.. أنت تريد أن تفهم.. وأنا كذلك.. ولأنك صاحب قرار، وأنا أيضاً، لن أقول لك إننى أنصحك بكذا.. فأنا شخصياً لم أصل بعد إلى قرار نهائى.. لذلك فسوف نحلل الموقف سوياً لنفهم، ثم نقرر..!
هذا الاستفتاء، الذى سيجرى يوم السبت على التعديلات الدستورية، تتصارع عليه قوى وتيارات سياسية، وهذا حقها، لأن السياسة منافسة على صوتى وصوتك.. فإذا كنت من المؤمنين بضرورة الاستقرار السريع، وعودة الحياة إلى إيقاعها، مع أخذ بعض الوقت فى الإصلاح، فأنت تتجه نحو «نعم».. ولكن عليك أن تعرف أن المستفيدين من «نعم» هم القوى المنظمة حالياً، بحكم أنها كانت لاعباً أساسياً فى الصراع السياسى أيام النظام السابق.. وبمعنى أدق فإن إقرار هذه التعديلات وإجراء الانتخابات البرلمانية خلال أسابيع معدودة، أو شهور محدودة، هو الحل النموذجى لـ«الإخوان المسلمين»، ورموز الأحزاب القائمة، ممن يمتلكون مفاتيح الانتخابات فى معظم الدوائر.. وسيكون صعباً على الأحزاب الجديدة أو الكيانات السياسية الناشئة خوض المنافسة وتحقيق التمثيل فى مجلس الشعب.
وحتى لا تفهمنى خطأ.. فإن هذا التحليل لا يعكس وجهة نظرى، أو رفضى لهذا السيناريو.. فمن المؤكد أن هناك مواطنين كثيرين يرون أن فى ذلك خيراً لمصر.. ولكن إذا كنت من أنصار التمهل فى الإصلاح لوضع دستور جديد «مرة واحدة»، وإذا كنت تخشى أن تأتى هذه القوى المنظمة إلى البرلمان فيصبح تمثيلها هو المتحكم فى الدستور الجديد، فيلد البرلمان دستوراً بذات الملامح والقسمات التى تجلس تحت القبة، فأنت تتجه حتماً إلى «لا»، ولكن عليك أن تعرف أن فى ذلك إطالة لوجود الجيش فى الحكم، وطرح سيناريوهات جديدة تحددها أزمة رفض التعديلات الدستورية..!
هكذا هى السياسة وصناديق الاقتراع.. لكل اختيار إيجابيات ومخاطر.. وعلينا دائماً أن نقبل بما اختارته الأغلبية..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات