بقلم د. رأفت رضوان ٣٠/ ٣/ ٢٠١١
فجأة ودون سابق إنذار، ووسط مظاهرات صاخبة شارك فيها آلاف من عناصر جهاز الشرطة، اشتعلت النار فى مبنى إدارة الاتصالات فى وزارة الداخلية واحتبست الأنفاس وهى تشهد النار تنتشر بسرعة هائلة فى قلب وزارة الداخلية للمرة الثانية، خلال أقل من شهر وبعد أن كانت قد اشتعلت فى مبنى الشؤون الإدارية وشؤون الأفراد وآتت على الكثير مما لا نعرفه الذى يبدو أننا لن نعرفه أبدا!!! وبالرغم من أن وكالات الأنباء طيرت أن اشتعال النار قد تسبب فيه المتظاهرون فإن أى مراقب للحريق أو للصور التى طيرتها تلك الوكالات كان بمقدوره أن يتأكد أنه من المستحيل أن يكون قد تم عن طريقهم أو بواسطتهم، وبالفعل لم تجد الوزارة سببا مقنعا تقدمه لنا سوى السبب الشهير فى كل الحرائق التى يتم تدبيرها لأسباب خاصة، ألا وهو الماس الكهربائى!!! والحقيقة أننى حاولت أن أبتلع تلك الحجة ولكننى لم أستطع، لكونها حجة ركيكة لجهاز نعتمد عليه جميعا فى تقييم خطط تأمين المبانى ضد الحريق وتوجد به إدارة عامة هى إدارة الدفاع المدنى المنوط بها تقديم الخبرات والاستشارات لكل الجهات العاملة فى مصر فى مجال التأمين ضد الحريق، بل وهى الجهة التى تقوم بفحص كل ما تنفذه المؤسسات بل والشركات فى هذا المجال قبل التصديق لها ببدء العمل، لهذه الأسباب لم يبد منطقيا لى أن الحريق يمكن أن يكون بسبب الماس الكهربائى. الماس الكهربائى يأتى فى وقت تتصاعد فيه أسئلة كثيرة حول من أصدر الأوامر بإطلاق الرصاص الحى على المتظاهرين وتتضارب فيه الأقوال بين الوزير ومساعديه وآخرين لا نعلمهم، ولا يبدو أننا سنعلمهم طالما كان هناك «ماس كهربائى» يمكن أن يصل إلى الإدارة التى تتم جميع الاتصالات من خلالها، خصوصا بعد أن أوقفت آلة النظام السابق كل وسائل الاتصال عن المجتمع المصرى وتركتها فقط لأولئك الذين يملكون شبكات اتصالات خاصة. إدارة الاتصالات التى اشتعلت فيها النيران - والتى لا نعرف ولن نعرف ماذا أحرقت؟ - هى الإدارة الوحيدة القادرة على أن تجيب على هذا السؤال: من الذى أصدر الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين؟.. حيث يمكن الاستماع لكل المكالمات التى دارت خلال الساعات الحاسمة فى يوم جمعة الغضب.. مجرد الاستماع إلى التسجيلات التى تمت بين الساعة الثانية والساعة الخامسة كفيل بأن يقدم لنا الإجابة الشافية عن السؤال الذى أرهقنا جميعا. تلك التسجيلات أيضا – فى حالة عدم احتراقها – ستكون هى الدليل المادى الوحيد ضد من أصدروا ذلك الأمر الإجرامى الذى يمكن أن يرسل بهم إلى حبل المشنقة، ودون تلك التسجيلات ستتضارب الشهادات بين جميع المشاركين ليفلتوا جميعا من العقاب العادل.. أليس هذا سببا وجيها لهذا الحريق؟؟؟ويمتد الماس الكهربائى اللعين ليشعل النار فى مبنى البنك المركزى القديم، وفى يوم إجازة يصعب تصور حضور السيد «الماس الكهربائى» فيه إلى العمل. ومرة أخرى يرفض عقلى أن يقبل فكرة الماس الكهربائى فى يوم الإجازة الذى يفترض فيه أن تكون الكهرباء مفصولة عن المبنى أو حتى لو كانت موصلة فإن الأحمال الكهربائية يصعب أن تصل لحد إشعال الحريق دون سابق إنذار. البنك المركزى لديه أيضا بعض الأسرار التى ينبغى أن نعرفها قبل أن تضيع أو تحترق وبالأخص عن عضوية جمال مبارك بمجلس إدارة البنك بقرار غير معلن، وما اتخذ من قرارات فى بعض القضايا، مثل بيع بنك الإسكندرية بعد تنظيف محفظته المالية تماما بقيمة تزيد على سعر بيعه!!! الحرائق المتزايدة تتعارض مع جهود ضخمة بذلت بعد حريق مجلس الشورى الشهير الذى انتفضت بعده الحكومة حينذاك وطالبت كل الجهات الحكومية بمراجعة خططها للتأمين ضد الحريق، وتشكلت لجان عدة وأنفقت ملايين للوصول بمعاملات الأمن ضد الحرائق إلى مستوى ملائم يمنع ظهور السيد «ماس كهربائى» فى الجهات المهمة على أقل تقدير، والتى تتضمن بالطبع وزارة الداخلية والبنك المركزى. هذه الحقائق تجعلنا نرفض فكرة الماس الكهربائى كسبب للحرائق، وتجعلنا نميل إلى أن هذه الحرائق تحتاج إلى المزيد من التحليل، لأنها قد تكون بفعل فاعل!!! السيد «ماس كهربائى» سيزورنا كثيرا خلال الأيام المقبلة ليخفى الكثير من الأدلة والحقائق التى نحتاج أن نعرفها والتى تحتاجها التحقيقات الجارية كأدلة، حتى يستطيع القضاء أن يدين المتهمين ويوقع عليهم العقوبات المناسبة!!! وحتى نوقف هذا السيد المدمر فعلينا أن نسرع بتطهير المؤسسات المهمة من بقايا النظام القديم ولو حتى بإعطائهم إجازة مفتوحة لحين تحديد أسلوب وآلية التعامل معهم، وهو إجراء احترازى يشبه قرارات النائب العام بمنع التصرف فى الأموال، أما ترك كل رموز ورجال النظام السابق فى مواقعهم فهو تصرف غير مفهوم ويبدو وكأنه دعوة مفتوحة لهم لمحو أو إخفاء أو إحراق أى أدلة أو وقائع. من المهم أن تشكل لجنة فى كل مؤسسة تتولى التحفظ على الملفات المهمة وتأمينها بعيداً عن أياد كثيرة ربما لا ترغب فى أن ترى تلك الوثائق النور. ربما نحتاج إلى مرسوم بقانون يحظر حرق أو فرم أى أوراق أو مستندات خلال عام على الأقل، وإذا كانت هناك حاجة لحرق أو فرم أى مستندات فتكون من خلال لجنة من خارج المؤسسة. ربما نحتاج إلى مرسوم بقانون يفرض على كل الجهات الحكومية أن تعد نسخة من كل ما لديها من وثائق ذات درجة سرية أو أهمية وتودع فى مقر أمين ومؤمن ضد الحريق وأن تصنع نسخة من كل الملفات الإلكترونية وتودع فى مكان خارج المؤسسات. وفى النهاية، إذا كنا نريد ألا يحرمنا الماس الكهربائى من معرفة الحقيقة فلنبدأ فوراً بحرمان بقايا النظام السابق من القدرة على دعوته إلى المؤسسات، الذين مازالوا يتحكمون فيها.. أبعدوهم تبتعد الحرائق ويختفى الماس الكهربائى ولو إلى حين. * الرئيس الأسبق لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات