الأقسام الرئيسية

. قبل أن تتحول الثورة إلى فرصة ضائعة!

. . ليست هناك تعليقات:


بقلم علاء الأسوانى ٢٢/ ٣/ ٢٠١١

بعد أن نجحت ثورة ١٩١٩ ورضخ الاحتلال الإنجليزى لإرادة المصريين قام الملك فؤاد بإنشاء لجنة لإعداد الدستور.. كانت اللجنة معينة وليست منتخبة فاعترض عليها الزعيم سعد زغلول وطالب بانتخاب جمعية تأسيسية من أجل إعداد دستور ديمقراطى يعبر عن إرادة الشعب، على أن الملك فؤاد أصر على موقفه فانعقدت اللجنة ووضعت دستور ٢٣ ونصت فيه على مادة تعطى للملك حق حل البرلمان فى أى وقت.

وقد أدى هذا العيب الدستورى الخطير إلى إفساد الحياة السياسية فتحول البرلمان إلى لعبة فى يد الملك حتى إن حزب الوفد الذى يتمتع بغالبية ساحقة لم يصل إلى الحكم إلا لمدة ستة أعوام على مدى ثلاثين عاما.. العجيب أن سعد زغلول قبل دستور ٢٣ على علاته وكان بإمكانه وهو زعيم الأمة بلا منازع أن يدعو المصريين إلى إكمال ثورتهم حتى يحصلوا على حقهم فى دستور عادل وديمقراطى. لكنها فرصة ضاعت فلم تحقق مصر حريتها..

موقف آخر حدث بعد ثورة ١٩٥٢، فقد انتصر التيار المعادى للديمقراطية بين الضباط الأحرار فأصدروا فى يوم ١٦ يناير عام ١٩٥٣ قرارا بحل الأحزاب السياسية كلها ومصادرة أموالها ومقارها، كان الوفد آنذاك حزب الأغلبية وكان بمقدوره أن يحشد الجماهير فى مصر كلها ضد الديكتاتورية، ولو أنه فعل ذلك لاضطر الضباط إلى التراجع، ولتم الحفاظ على النظام الديمقراطى.. لكن الوفد لم يعترض واستسلم لمصيره. كانت هذه فرصة أخرى سنحت لمصر ثم ضاعت عليها فوقعت بلادنا فى قبضة الاستبداد لمدة ستين عاما متواصلة.

إن تاريخ مصر للأسف حافل بالفرص الضائعة من أجل تحقيق الديمقراطية، وها نحن نعيش الآن فرصة أخرى أتمنى ألا تضيع منا... لقد قامت ثورة ٢٥ يناير العظيمة وأرغمت حسنى مبارك على التنحى ودفع مئات المصريين حياتهم من أجل الحرية لكن الثورة، منذ اليوم الأول، تربصت بها ثورة مضادة شرسة داخل مصر وخارجها... منذ أيام نشرت جريدة «الدار» الكويتية أن السلطات المصرية تتعرض لضغوط شديدة من حكام عرب، على رأسهم ملك السعودية وحاكم الإمارات من أجل منع محاكمة مبارك.. وأكدت الصحيفة أن هذه الدول العربية لجأت إلى تهديدات مباشرة بتجميد العلاقات مع القاهرة ووقف أى مساعدات مالية وسحب استثماراتها من مصر بل التضحية بأكثر من ٥ ملايين مصرى يعملون فى أراضيها، إذا تمت ملاحقة مبارك أو محاكمته بأى شكل.

هناك أيضا إسرائيل التى ظلت تدافع عن حسنى مبارك إلى اللحظة الأخيرة باعتباره أفضل حلفائها، والصحافة الإسرائيلية لا تخفى قلقها من تغيير ديمقراطى حقيقى فى مصر. الموقف نفسه بالطبع تتخذه الإدارة الأمريكية، ما يقلق المسؤولين فى أمريكا وإسرائيل أنهم يعرفون مكانة مصر وقدراتها. وهم واثقون بأن مصر إذا تحولت إلى الديمقراطية فسوف تصبح فى سنوات معدودة دولة عملاقة تقود المنطقة بأسرها. المفكر الأمريكى الكبير ناعوم تشومسكى كتب فى جريدة «الجارديان» يقول إن الولايات المتحدة تساند الديكتاتورية فى مصر ليس خوفا من الإسلام المتطرف كما تزعم وإنما خوفا من استقلال مصر وتحررها من التبعية الأمريكية.

وأضاف تشومسكى أن الإدارة الأمريكية ستبذل كل جهودها حتى تتأكد من أن الرئيس القادم لمصر لن يخرج عن الطريق المرسوم له. هناك قوى خارجية عديدة تتربص بالثورة، أما داخل مصر فمازالت القواعد الحقيقية لنظام مبارك سليمة لم تمس: الحزب الوطنى الممتد بطول البلاد وعرضها تمتلئ مقاره بمئات الألوف من الأعضاء الذين سيفعلون كل ما بوسعهم لاستعادة سلطتهم تحت مسمى جديد، مئات الضباط من أمن الدولة الهاربين من مقار عملهم المتفرغين للتخريب، عشرات الألوف من أعضاء المجالس المحلية، المحافظون ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات المعينون من قبل الأمن والقيادات الصحفية والإعلامية ورؤساء الشركات والمصانع ورؤساء النقابات العمالية المزورة.. آلاف مؤلفة من أعضاء النظام السابق يتآمرون الآن على الثورة. ما أهداف الثورة المضادة..؟!

علينا أن نعود هنا إلى تصريحات مبارك قبل التنحى للصحافة العالمية عندما قال:

ــ أنا أريد أن أتنحى لكنى أخاف على مصر من الفوضى.. أخاف عليها أن تقع فى يد الإخوان المسلمين..

.. المخطط الذى تنفذه الثورة المضادة الآن يريد أن يحقق مخاوف مبارك حتى يتضح للعالم كله أنه كان على حق.. وهو يتبع الطرق الآتية:

أولا: إحداث أكبر قدر من الفوضى والترويع للمصريين حتى يفقدوا إحساسهم بالأمن، الأمر الذى سيجعلهم يضيقون بالثورة ويقبلون بأى حل وسط مقابل الاستقرار... وقد بدأ مخطط إحداث الفوضى بانسحاب الشرطة من مصر كلها وإخراج ٤٠ ألف مسجون جنائى وتسليحهم وإعطائهم تعليمات بمهاجمة المدنيين.. ثم استمر هذا المخطط أثناء حكومة شفيق، وعندما تولى عصام شرف رئاسة الوزراء تسارعت أحداث التخريب والفتنة الطائفية من أجل إحراج حكومة الثورة، بالرغم من المجهود الكبير الذى يبذله اللواء العيسوى وزير الداخلية الجديد من أجل استعادة الأمن، إلا أن الشرطة مازالت غائبة. إن امتناع الشرطة عن حماية الوطن تخريب وخيانة.

لا يمكن فهم امتناع ضباط الشرطة عن أداء واجبهم إلا بأن جهة ما تأمرهم بألا يعودوا إلى أعمالهم، وهذه الجهة بالتأكيد نفوذها أكبر عليهم من وزير الداخلية نفسه... إن أحداث البلطجة فى مصر ليست عشوائية أبدا وإنما هى غالبا مخططة وموجهة بدقة. إن أفراد الحراسة أمام لجنة المقطم الانتخابية قد تركوا الدكتور محمد البرادعى يتعرض لاعتداء همجى وظلوا يتفرجون عليه، بينما أتباع الحزب الوطنى يرشقونه بالحجارة.. أما فى حى شبرا، خلال اليومين السابقين للاستفتاء، فقد تم السماح للبلطجية بإغلاق الطرق وترويع الناس وإطلاق الرصاص عشوائيا مما أدى إلى استشهاد مواطنين. لم يتدخل جندى واحد من الشرطة أو الجيش لحماية المواطنين.. هل لهذه الهجمات علاقة بأن حى شبرا يسكنه الأقباط الذين أعلنوا أنهم سيرفضون التعديلات الدستورية وهل كان الغرض ترويع الأقباط حتى يوافقوا على التعديلات، أم كان الغرض مجرد عقابهم على تمسكهم بحق المصريين فى دستور جديد؟!

ثانيا: إجراء محاكمات انتقائية يتم إبرازها إعلاميا. سارعت وسائل الإعلام الحكومية (التى مازالت تتلقى تعليمات أمن الدولة) بتصوير أحمد عز وزهير جرانة والمغربى أثناء التحقيق بثياب السجن، وهذه سابقة مخالفة لكل المعايير المهنية والإنسانية، لكن الهدف كان امتصاص غضب المصريين وإشعارهم بأن العدالة تأخذ مجراها.. مع احترامى الكامل لشخص ومنصب النائب العام فإن أسئلة كثيرة تظل بلا إجابة:

لماذا لم يتم التحقيق مع حسنى مبارك ولا أفراد أسرته..؟ لماذا لم يحاكم زكريا عزمى وفتحى سرور وصفوت الشريف..؟!

لماذا لم يحقق النائب العام فى ٢٤ بلاغا مقدمة من العاملين فى الطيران المدنى ضد أحمد شفيق بتهمة إهدار المال العام...؟! أثناء تولى أحمد شفيق رئاسة الوزراء لماذا لم يأمر النائب العام بالتحقيق مع ضابط واحد بتهمة قتل الشهداء..؟ وبعد إقالة شفيق لماذا أمرت النيابة بالإفراج عن الضباط المتهمين بالقتل بضمان وظائفهم؟ ألا يؤدى الإفراج عنهم إلى إطلاق أيديهم فى إخفاء الأدلة التى تدينهم..؟ ما قيمة محاكمات الفاسدين والقتلة إذا كانت تتم بشكل انتقائى، فيترك البعض ويحاكم البعض الآخر طبقا لمعايير لا نعرفها؟!

رابعا: بدلا من أن تنتخب جمعية تأسيسية لإصدار دستور جديد يعبر عن إرادة الشعب وينقل مصر إلى الديمقراطية، فوجئنا بتنفيذ اقتراح حسنى مبارك بتعديل دستورى محدود، قامت به لجنة لا نعرف معايير اختيارها.. أعقب ذلك استفتاء سريع لم يمهل الناس حتى يفهموا الموضوع، وتم تنظيم الاستفتاء بطريقة تفرض على المواطنين قبول التعديلات كلها أو رفضها كلها.. وقد تم التحالف لأول مرة بين الحزب الوطنى والإخوان المسلمين لتأييد التعديلات. وقد أثبت الإخوان أنهم مستعدون دائما لتغيير مواقفهم طبقا لمصالحهم، فبعد أن جمعوا مئات الألوف من التوقيعات لتأييد البرادعى انقلبوا عليه وصاروا ينسقون مع الحزب الوطنى.. يبدو أن مبادئ الإسلام عند الإخوان تتعطل تماما أيام الانتخابات، من أجل الوصول إلى الحكم يفعل الإخوان كل شىء بدءا من اتهام مخالفيهم فى الرأى بالعمالة والكفر وصولا إلى توزيع السكر والزيت وإرهاب الناخبين أو حتى ابتزازهم دينيا.. إن ظهور الإخوان القوى وإن كان لا يمثل حقيقة حجمهم فى مصر، إنما يقدم للثورة المضادة أكبر خدمة، فهو من ناحية يؤدى إلى استقطاب المصريين على خلفية الدين، فيمزق الوحدة الوطنية التى صنعتها الثورة، ومن ناحية أخرى يثبت للمتعاطفين مع الثورة فى الغرب أن حسنى مبارك كان بالفعل حائط الصد الأخير ضد المتطرفين.

والذين انزعجوا مثلى من الحفاوة الإعلامية بالسيد عبود الزمر، الذى هو فى النهاية قاتل وسفاك دماء، عليهم أن يفهموا أن صورة عبود الزمر تفيد الثورة المضادة إلى أقصى حد.. فعندما يجلس أمام الكاميرات بلحيته الكثة التى تذكر بأسامة بن لادن ويعلن أن سفك الدماء مشروع من أجل إعلاء الدين. فإن ملايين الغربيين الذين تعاطفوا مع ثورتنا سيصيبهم الرعب مما سيجعلهم يتقبلون بعد ذلك ضرب الثورة أو فرض النظام القديم بدعوى حماية مصر من المتطرفين.

لقد أعلنت نتيجة الاستفتاء وفاز الموافقون على التعديلات الدستورية.. بالرغم من سعادتى بالمشاركة الكثيفة للمصريين فى الاستفتاء وبالرغم من احترامى الكامل لاختيار الناخبين.. فمن الواجب أن أؤكد أن استمرار برنامج التغيير بهذه الطريقة وهذه السرعة ليس فى مصلحة الثورة ولا فى مصلحة مصر.. إذا كان القائمون على الأمر يريدون فعلا أن يساعدوا التغيير الديمقراطى فلابد من تغيير طريقة الانتخاب الفردى التى ستؤدى إلى تقسيم المقاعد بين أعضاء الوطنى والإخوان. من غير المقبول أن يكتب هؤلاء دستور مصر التى صنعت الثورة بدماء أبنائها.

لابد من الاستجابة إلى أهل الاختصاص من أساتذة القانون الذين أكد معظمهم أن كتابة الدستور بواسطة برلمان منتخب بهذه الطريقة لا تمثل إرادة الشعب المصرى. لن تتحول الثورة المصرية العظيمة إلى فرصة أخرى ضائعة، وإذا استمر دفع الأمور باتجاه محدد سلفا فإن الشعب المصرى الذى أجبر حسنى مبارك على التنحى لن يستطيع أحد، مهما بلغت سلطته، أن يحرمه من الحرية.

ـ الديمقراطية هى الحل.....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer