الأقسام الرئيسية

فعلها واحد من الوزراء

. . ليست هناك تعليقات:


بقلم سليمان جودة ٣٠/ ٣/ ٢٠١١

لو أن الدولة قامت باستطلاع، الآن، بين المواطنين، عن انطباع كل واحد فيهم، عن الطريقة التى كان يعمل بها اقتصاد السوق فى البلد، على مدى سنين مضت، فسوف يكون الانطباع فى غاية السوء، وسوف يكون المواطن معذوراً تماماً، وهو يبدى مثل هذا الانطباع.. لا لشىء، إلا لأنه، كمواطن كادح، أو حتى غير كادح، لم يطالع من اقتصاد من هذا النوع الوجه الحسن الذى يطالعه مواطنو سائر الدول المتطورة، الآخذة بالاقتصاد نفسه فى حياتها!

فألف باء اقتصاد السوق هو المنافسة بين المنتجين لأى سلعة، لحساب المستهلك، وليس على حسابه، وهو ما جرى عندنا، طويلاً، وكثيراً، دون رادع.

وإلا.. فما معنى أن يسمع المواطن ذاته، فى وقت من الأوقات، عن واحد من رجال الأعمال كسب مليار جنيه، فى صفقة واحدة، من صفقات كانت تجرى فى ذلك الوقت؟!.. وما معنى أن تسمح الدولة، لرجل واحد، بأن يستحوذ، فى وقت من الأوقات أيضاً، على ٦٧٪ من إجمالى إنتاج سلعة واحدة فى الأسواق؟!.. وما معنى، مرة أخرى، أن يتقرر إعطاء رجل أعمال واحد ٤٠ مليون متر، قطعة واحدة، فى وقت لم يتمكن سواه من الحصول على ما يوازى القطعة ذاتها، ولا على نصفها، ولا حتى على ربعها؟!

هذه كلها على بعضها، وهى مجرد أمثلة، لها اسم واحد فى اقتصاد الدول، وهذا الاسم هو: ممارسات احتكارية صارخة، على حساب المستهلك، وليس لحسابه، بأى صورة!

وعندما وصف الراحل أحمد بهاء الدين هذا الاقتصاد للدولة، وقت انطلاقه فى منتصف السبعينيات، بأنه «سداح مداح»، فإنه كان يقصد «سداح مداح» الدولة، فى تعاملها مع السوق، وليس «سداح مداح» أى طرف آخر.

وعندما ذهب «بيل جيتس»، صاحب شركة «مايكروسوفت»، ليعمل فى أوروبا، فإن الاتحاد الأوروبى فرض عليه غرامة هائلة، حين لاحظ أن شركته لا تمارس فقط، احتكاراً فيما تنتجه فى الأسواق، وإنما تقترب من حد امتلاك وضع احتكارى فى السوق، لأنك - كمنتج - ليس من الضرورى أن تعمل وحدك، فى السوق، لتكون محتكراً، وإنما يكفى، فى ظل وجود عدة صور للاحتكار، أن تصل شركتك حداً معيناً من النمو، فى الأسواق، ليقال لك وقتها بكل حزم: قف.. لأنك.. والحال هكذا، سوف تكون قادراً على التحكم فى السوق، ثم على تحديد سعر السلعة، هبوطاً أو ارتفاعاً.

لم يسمع المستهلك عندنا، عن أن الدولة تدخلت، بهذا الشكل، فى أى مرحلة من مراحل إنتاج أى سلعة، لتقول لمنتجها، إنه قد تجاوز الحد الذى يتنافس فيه، مع سائر المنتجين، لحساب المستهلك، وإن المنافسة قد أصبحت على حساب المستهلك، وإن هذا غير مسموح به، فى ظل أى اقتصاد سوق سليم، ومنضبط!

بل على العكس.. سمعنا فى وقت من الأوقات، عن واحد من الوزراء، جمع منتجى سلعة محددة، وطلب منهم «تعطيش» الأسواق، حتى ترتفع الأسعار، إنقاذاً لأسعار تلك السلعة التى كانت قد تراجعت إلى حدود بعيدة، بما كان يهدد الحكومة، كأحد منتجيها، بالخسارة، وهو ما حدث فعلاً، فى واقعة مشهورة، ومعروفة، لنجد أنفسنا فى النهاية، أمام دولة، تمارس التواطؤ، مع المنتجين، على حساب المستهلك، ولا تمنعه!

باختصار.. هناك «ضوابط» محددة، وهناك «معايير» معينة، لاقتصاد السوق، وهى معايير وضوابط تتيح للمنتجين، فى أى مجال، أن يتقاتلوا، من أجل مصلحة المستهلك، وليس على جثته، ولذلك، فإن مستهلكينا، إذا كانوا كارهين، حالياً، لاقتصاد السوق، وساخطين على سيرته، فإنهم معذورون، ويجب، منذ اليوم، أن يروا الوجه الحسن، لهذا الاقتصاد.. لا الوجه الممتلئ بكل شر!.. الوجه المنضبط، لا المنفلت!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer