الأقسام الرئيسية

صلاح مرعى.. شاعر الديكور

. . ليست هناك تعليقات:
الكاتب
Sun, 06/03/2011 - 08:00

اخترت يوم الهول يوم وداع! تذكرت هذا البيت الشهير لأحمد شوقى عندما علمت بنبأ رحيل الفنان الجميل صلاح مرعى، فقد كتب شوقى هذا البيت رثاء لمصطفى لطفى المنفلوطى يوم إطلاق الرصاص على الزعيم سعد زغلول، فلم يتم الاحتفاء الكامل واللائق بقامة المنفلوطى الأدبية السامقة.. رحيل مرعى فى خضم أحداث الثورة التى التهمت صفحات الصحف لا نريده أن يمر مرور الكرام، فهذا العبقرى يستحق التكريم والاحتفاء والإجلال والتقدير أكثر من مجرد تدوين سطور فى جريدة، إنه شاعر الديكور الذى صافح بفنه عيوننا، وطبطب بألوانه على وجداننا، وأخذ بيدنا بحنو ورفق إلى عالم البهجة والفن، يستحق أن نقيم له تمثالاً يشهد على هذه العبقرية المتفردة.

حاولت البحث فى جوانب تلك الشخصية التى كنت أشاهدها عن قرب فى مهرجان الإسماعيلية التسجيلى الذى رعاه منذ ولادته مع الناقد على أبوشادى، كان يفرض احترامه على الجميع.. صوته الهامس كان يتغلب على صراخ المتجادلين، عيناه الذكيتان كانتا عنصر الحسم فى أى خلاف، فى كل لمسة أو لفتة أو حركة أو حتى لون ملابس كنت ترى الفنان بداخله وهو يتألق ويفرض روحه على المكان والتصرفات والسلوكيات.

قادنى الفضول للحديث مع شقيقه الإعلامى البارز الأستاذ محمد مرعى، لأتعرف على لقطات من رحلة هذا الفنان أكثر، والتى لا يعرفها معظم القراء، لابد أن تسأل نفسك وأنت تتابع رحلة هذا الفنان الجميل من المومياء حتى ألزهايمر: كيف بدأ، وما هى الشرارة التى أطلقت تلك الموهبة الجبارة؟ إنه عشق الفن التشكيلى.. كان صلاح مرعى يتنفس حب هذا الفن.. فى مرحلة الثانوية العامة تلبسته روح مايكل أنجلو ودافنشى فرسم لوحة «العشاء الأخير» على سقف كنيسة الأقباط بالمحلة الكبرى وهو راقد على سقالة، وهو مازال طالباً فى السادسة عشرة من عمره!! أما لقطة دخوله المعهد العالى للسينما قسم ديكور فهى لقطة مدهشة بها الكثير من عبق الزمن الذى كان مليئاً بالمحترمين الراقين من أمثال د. ثروت عكاشة، وزير الثقافة، صاحب الأيادى البيضاء على الفن والإبداع المصرى.

فى إعلان قبول معهد السينما كانت كل الشروط منطبقة على صلاح مرعى ما عدا شرط السن، فقد كان صلاح أصغر من السن المقررة. كتب الشقيق محمد مرعى خطاباً للوزير ثروت عكاشة عندما وجد الحزن يلتهم قلب شقيقه الأصغر صلاح، أرفق بالرسالة صوراً ولوحات وبورتريهات لصلاح، انبهر الوزير وبعدها بأسبوع فقط وصل الرد باستثناء صلاح مرعى من شرط السن، نظراً لعبقريته وتفرده.

دخل صلاح مرعى مع أول دفعة 1959، وتخرج عام 1963 وشق طريقه مع أستاذه شادى عبدالسلام فى عالم السحر السينمائى.الديكور عند صلاح لم يكن رصاً وتنسيقاً لقطع الأثاث بل كان فلسفة وقصيدة شعر وتركيبة روح ووجدان، كان الديكور يتكلم ويبوح ويفضفض، كان عموداً فقارياً للمشهد واللقطة، كان يتنفس مع الحوار وينتفض مع السيناريو، من توابيت المومياء حتى غرف وصالونات ألزهايمر، كان صلاح مرعى يدهشك ويبهرك ويهمس فى أذنك بالمعجزات، ومن ركن شادى فى مكتبة الإسكندرية لسيمبوزيوم أسوان ومتحف النوبة تكتشف أن صلاح مرعى لا يمكن إلا أن يكون مصرياً من أحفاد مختار.

صلابة وإرادة صلاح مرعى كانت فوق الوصف، يكفى أنه صنع لنا ديكور ألزهايمر وهو فى عز جلسات الكيماوى، فأبهرنا وسحرنا، إنه تحدى الموت بخلود الفن.

info@khaledmontaser.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer