الأقسام الرئيسية

يا عيال الفيس بوك، علمونا كيف نتحرر..

. . ليست هناك تعليقات:


كنت أرى شباب الألفية الجديدة تابعين ومستهلكين إلى حد كبير. لكن ما حدث في تونس، وما يحدث الآن في مصر، جعلني أعيد النظر في تصوري الخاص للشباب.

ميدل ايست أونلاين


بقلم: باسمة القصاب


"إحنا كلنا شباب بنحب مصر، وعملنا ما عملناه لأننا نحب مصر، وكانت أول حاجة كتبناها (في الفيس بوك) إن إحنا أصحاب حق، والحق لن يأتي وأنت تُكسِّر ممتلكات شخصية أو عامة. الحق يأتي بالمطالبة به. كان كل أملنا أن ينزل الناس ليقولوا نحن نريد حقنا وسنأخذه. نحن لسنا خونة، ولم تحركنا أية أجندة إلا أجندة حبنا لبلدنا. فينا شباب أغنية جداً، عايشين في أحلى بيوت، راكبين أحسن السيارات، أنا مش محتاج. لو كنت خائن كنت سأبقى جالساً في الفيلا الخاصة بي في الإمارات، أقبض راتبي الذي يزداد باستمرار. وكنت سأقول خلي البلد (تولّع)، كما يقول آخرون".

وائل غنيم (32 سنة). صاحب مدونة "كلنا خالد سعيد"، في لقاء تلفزيوني بعد ساعات من خروجه من المعتقل الذي بقى فيه 12 يوم، بعد اعتقاله 25 يناير.

****

الأحداث العظيمة التي تفتحنا على المستقبل لا تستوعبها المفاهيم مهما كانت عظيمة أو ثرية مادامت (هذه المفاهيم) صنيعة أحداث سابقة. الحدث العظيم دائماً يفتح مفاهيم جديدة، أو يعيد صياغتها في أذهاننا. الثورة المصرية اليوم هي حدث عظيم. وفيها من إمكانات المستقبل ما يحتاج منا أن نجترح لها مفاهيم جديدة، أو على الأقل نوسع مفاهيمنا القديمة لتكون على مقاسها.

الشباب وقدرته على صناعة الحدث، بالنسبة لي، هو واحد من تلك المفاهيم. أستطيع أن أقول، أن ما حدث في تونس، وما يحدث الآن في مصر، جعلني أعيد النظر في تصوري الخاص للشباب. كنت أرى شباب الألفية الجديدة تابعين ومستهلكين إلى حد كبير. الاستهلاك، لا أعني به هنا ذلك المرتبط بالبعد الاقتصادي فقط، بل بالبعد الفكري والثقافي أيضاً. لا فرق بين من أبهرته العولمة، وأفرغته من الموقف والمبدأ، وجعلته مستهلكاً تافهاً لأدواتها، وبين من غمرته أدلوجته (الدينية أو التنظيمية)، وشحنته بطوباويتها، وجعلته مستهلكاً تافهاً لخطابها.

بين هذين النموذجين كانت تتبدى لي صورة الشباب الآن. وكنت أتساءل بيني وبين نفسي عن الحدث الذي يمكن أن يصنعه مثل هذا الجيل في ظل حموة الاستهلاك (الثقافي والفكري والمادي) الذي يعيشه، والذي بدا لي، وكأنه متجاوب معه بشكل كبير، وغير مكترث باخراج نفسه من قمقمه.

****

ما الذي غيره الحدث المصري في مفهومنا للشباب؟

كان حدث الثورة البلشفية والثورة الإيرانية وثورة يوليو المصرية، قد فتحت للشباب أنظمة أيدلوجية، وراحت تصوغهم وفقها، وتريهم العالم بمنظوراتها، وتوجه مستقبلهم ليكونوا أداة في سبيل تحقيقها. هم ليسوا صنّاع الحدث في هذه الثورات، هم الموضوع الذي يستخدمه الحدث ليكون واقعاً، وليحقق وجوده على الأرض.

في ثورة التحرير اليوم، الحدث يصنعه الشباب. جعلوا من حدثهم ثورة ضد ذاك الاستخدام التقليدي الذي يصير الشباب إلى مآلات تلك النماذج السابقة من الثورات. في هذه الثورة الشباب هم الذين يصيرون الأشياء إلى مآلاتهم. يصيرون (الحكومة ورئيسها ورأسها والقوى المعارضة والأحزاب التقليدية والقنوات الفضائية) إلى حيث نهضتهم. هم من يعطون للأشياء حضورها الجديد ووجهها الجديد، يحررونها من معانيها القديمة والتقليدية التي لم تنجح في أن تنتج لنا تحرراً حقيقياً من مآزقنا.

ساحة التحرير، التي ارتبط اسمها بثورات الانقلابات العسكرية، أو التخلص من الاستعمار التقليدي، وما يرافق ذلك من نشوء أيدلوجيات شمولية مغلقة، هي اليوم ساحة حرية مختلفة. الحرية في ساحة التحرير، ليست تأتي من الإنعتاق من سلطة استعمارية، ولا من انقلاب عسكري، ولا من أي شكل من هذه الأشكال التقليدية، بل راحت تقدم لنا مفهوماً شبابياً مغايراً لحدث للتحرير، تقدمه لنا بعد أن شابت النماذج الأخرى وصارت بحاجة على إعادة تحرير.

الحرية في مفهومها الشبابي، هي التخلص من أشكال الأيدلوجيا وبقاياها، وأشكال الطوائف وأشكال الأنماط الأحادية. لقد جرى في ساحة التحرير تحرير الحرية من كل ذلك، ورأينا كيف أن التحرير في درجته الأولى هو التخلص من الأحادية وأنانيها الفجة. رأينا في ميدان التحرير كيف يتحول فعل التحرير إلى فعل احتضان. احتضان يجعل الواحد درعاً حامياً للآخر المختلف عنه لا المتماثل معه. هذا هو الحدث الشبابي، وهذه هي القوة الشبابية التي أصبحت فيها الثورة مقرونة بأمة من مواطنين، لا أمة عرق أو طائفة أو أيدلوجيا.

****

كان النظام المصري، يستخف بهؤلاء الشباب واصفاً إياهم بأنهم "شوية عيال بتاع الفيس بوك". عيال الفيس بوك، أثبتوا أنهم بلغوا من النضج والحكمة، ما لم تبلغه القوى السياسية "الضاربة" في المجتمع، تلك التي مازالت عاجزة عن أن تحرر نفسها من قوالبها الجامدة. لقد وعى عيال الفيس بوك مأزق هذه القوى، وأدركوا بسجيتهم العفوية والبسيطة وغير المعقدة مأزق التحرر، فراحوا يقدمون نموذجهم الذي أدهش كل العالم.

شباب التحرير في ميدان التحرير، يخبرون قوانا السياسية (العتيدة) هذا، أن التحرير يأتي من خارج الأنظمة ومن خارج الأيدلوجيات ومن خارج الفضاءات الخاصة بالجماعات. لكنه في الوقت نفسه يأتي من داخل الفضاء العام، الفضاء الحر الذي لا يخص جماعة واحدة، بل يخص جماعة المواطنين العامة، ولا ينطق عن إرادة جماعة خاصة، بل عن إرادة عامة تخص الجميع.

يعي شباب ميدان التحرير، أن حركة الشعب يجب أن لا تنجرف باتجاه قوة سياسية تمثل جماعة خاصة. وأن الميدان يجب أن يبقى ميداناً عاماً، وللجميع. فبخبرة كهلٍ كبير، وبهمّ كبير، يحذر (عيّل) الفيس بوك وائل غنيم هذه القوى: "الوقت الآن ليس وقت تصفية حسابات، ليس وقت توزيع الكعكة، ليس وقت فرض أيدلوجيات"، الوقت الآن وقت مصر وحدها، وقت الإنسان المصري وكرامة الإنسان المصري وعزة الإنسان المصري.

يا عيال الفيس بوك، أيها الكبار، علمونا كيف نتحرر..

باسمة القصاب

كاتبة بحرينية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer