الأقسام الرئيسية

«أبانوب» كان ينقل المصابين برصاص الشرطة فى جمعة الغضب..فأصبح شهيدا

. . ليست هناك تعليقات:


٢١/ ٢/ ٢٠١١

الشهيد أبانوب

لم يتبق من ذكراه سوى ابتسامة لافتة للنظر، جسدتها صورة كبيرة عُلقَت قبل مسكنه بأمتار قليلة، لتعلن للمارة عن شهيد شارع طنطا بمنطقة الزاوية الحمراء، شاب فى الثامن عشر من عمره، يناديه الجميع باسم «جرجس» إلا أنه مدون فى السجلات الرسمية بـ«أبانوب صابر نعيم».. السياسة كلمة لا يعرفها أحد من أهل بيته لكنه أدخلهم عالمها فى يوم جمعة الغضب الموافق ٢٨ يناير الماضى،

فهو الوقت الذى قرر فيه أبانوب أن يشارك رفقاءه ثورتهم بطريقته الخاصة، فعلى حد قول والده: «ابنى عمره ما اتظاهر.. لكن اليوم ده كان يوم صعب وكل الناس اتجمعت تهتف ضد النظام والفساد»، الغضب الذى ألم بالمتظاهرين فى ذلك اليوم لم يكن عاديا فطلقات الرصاص التى أصابت جموع الواقفين، أجبرت أبانوب على المشاركة فى الثورة، فخرج من منزله لمتابعة الحدث عن قرب ليجد أصدقاءه وزملاءه يتساقطون واحدا تلو الأخر بعد إصابتهم برصاص رجال شرطة «الزاوية الحمرا».. استقل أبانوب «موتوسيكل» لأحد معارفه وأخذ ينقل المصابين من مكان الضرب إلى مستشفى السيد جلال.

طلقات الرصاص تنافس المتظاهرين فى هتافاتهم، فيحاول البعض أن يحمى نفسه ويختبئ بعيداً عن المشهد الدامى، إلا هو يصر على دوره الذى اختاره لنفسه، فيزاحم المتظاهرين ليقترب من المصابين ويسندهم إليه ويبدأ فى رحلة نقلهم إلى المستشفى، الأمر لم يستغرق كثيراً ففى المرة الثالثة التى تدافع فيها أبانوب بين الواقفين ليكمل مهمته أصابته رصاصة رجال الشرطة فى رأسه فتهشمت جمجمته.

ساعات قليلة ولفظ أبانوب أنفاسه الأخيرة، تاركاً صورة باسمة لمن حوله فوق مكتب صغير، فى غرفة متواضعة بمنزله البسيط، بالكاد تبتعد الأم عنها للحظات، وسرعان ما تعود إليها لتحملها بين يديها وتنظر إليها فى حزن، فتلك هى ما تبقى لها من قرة عينها الذى راح بـ«رصاص غدر» على حد وصفها فتقول: «أنا أم الشهيد.. بس الفراق صعب قوى»،

لا تجد كلمات تصف ما تشعره من حزن على ولدها الذى يتوسط إخوته فتكبره فتاة عشرينية ويصغره ولد فى التعليم الابتدائى، الأسرة جميعها كانت على موعد لحضور خطبة أبانوب على فتاة اختارها بنفسه، وقرر أن يعلن خطبته عليها بعد حصوله على شهادة الدبلوم عقب نهاية العام الدراسى الحالى، تتذكر الأم تلك اللحظة التى انتظرتها كثيرا لولدها، وتنهمر فى البكاء، تقطعه بعبارات غاضبة: «مش هرتاح إلا لما يحاكموا كل اللى اتسببوا فى قتل ابنى.. المسؤولين فى قسم شرطة الزاوية الحمرا، وحبيب العادلى».

أبانوب لم يكن شاباً عادياً وهو ما أكده والده قائلا: «ابنى كل الناس كانت بتحبه.. أنا فخور بيه قوى لأنه عمل اللى محدش عمله»، لحظات العزة والانتصار شعر بها والده وقت أن قرر الذهاب إلى ميدان التحرير للمشاركة فى انتصارات المواطنين برحيل مبارك، ليجد نفسه واحدا ممن تحدثوا إلى المتظاهرين يحكى عن ولده فيقول: «لقيت كل اللى واقفين بيقولوا لى إحنا ولادك.. أبانوب ما راحش هدر وكلنا ولادك يابو الشهيد»، ليست هذه هى المرة الوحيدة التى شعر فيها بالعزة فتحية الشهداء التى ألقاها المتحدث باسم القوات المسلحة كانت بمثابة نسمات هواء عليل على قلبه فيقول: «حسيت بانتصار.. وكرامة وفخر بابنى الشهيد».

أبانوب كان يشارك أبيه فى بيع الأسماك بإحدى الأسواق الشعبية، وكان سنداً له طوال فترة حياته، لكنه بعد وفاته دفع بابيه ليذهب إلى ميدان التحرير ذلك المكان الذى اشترك فيه أبانوب ورفقاؤه على وحدة واحدة وهى حب مصر، ذهب للمرة الثانية للاحتفال فى جمعة النصر واضعا صورة ابنه وسط مئات الشهداء الذين اجتمعوا فى نصب تذكارى فى الميدان ليكتبوا تاريخ مصر من جديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer