الأقسام الرئيسية

«جرجس» عاش ٣٠ سنة دون أن يشارك فى السياسة.. واستشهد فى أول تظاهرة له

. . ليست هناك تعليقات:


٢١/ ٢/ ٢٠١١

الشهيد جرجس

كغيره من الشباب ممن قضوا أعمارهم يلهثون وراء «لقمة العيش»، عاش ثلاثين عاما من عمره يسعى لتوفير مبلغ من المال يؤهله للإقدام على خطوة الزواج بثقة.. سمع كغيره عن تظاهرات «أيام الغضب» التى كان يتابع أحداثها عبر شاشة التليفزيون مع أفراد أسرته.. لكنه هذه المرة لن ينتظر متابعة الحدث عبر الشاشة الصغيرة، فالحدث اقترب كثيراً من مسكنه.. صوت الهتافات يعلو فى كل مكان، ورصاص رجال الشرطة، استوقفه الأمر كثيرا لكنه قرر الخروج الى مكان التظاهرات ليعلم ما يدور من حوله.

وقوفه وسط المتظاهرين لم يدم كثيرا فالرصاصة التى أصابته كانت أسبق إليه من المعلومات التى جمعها عن الحدث، ليضاف جرجس لمعى موسى إلى قائمة شهداء أحداث الثورة وبالتحديد جمعة الغضب. مشهد الموت لم يره أبواه لكنهما عرفاه ممن شهدوا الحادث، فبين طلقات النيران التى خرجت تقصف أعمار المتظاهرين على اختلافها،

خرجت واحدة لتخرق جسد جرجس وتفتك بقصبته الهوائية، طبقا لما ورد بشهادة الوفاة، الأب لايزال يذكر تلك اللحظات الحرجة التى أخبروه فيها أن ابنه أصيب ونقل الى مستشفى الساحل فيقول: «واحد من أهالى المنطقة كلمنى وقالى..

ده رقم موجود على موبايل واحد اتصاب فى المظاهرات حد ييجى يتعرف عليه»، لم يدرك الأب حقيقة ما سمع، حاول تمالك نفسه وذهب الى المستشفى يبحث عن ولده بين عشرات المصابين، ليجده واحدا ممن أدرجهم المستشفى فى قائمة الموتى.

رحلة صادمة قطعها الأب المسن لاستخراج شهادة وفاة ولده الأكبر، عقله يرفض أن يصدق ما جرى، وقلبه ينتفض لما رآه بعينيه، يتماسك قليلا لكن ألم الصدمة يسقطه مغشيا عليه، يجتمع الواقفون لإفاقته وينتهى الأمر بمعرفة جميع أفراد الأسرة باستشهاد جرجس فى الأحداث.

كلما فكر الأب فيما جرى لولده الذى كان يجلس بجواره على مقهى قبيل ذهابه لمكان المظاهرات قال: «لو كنت اعرف انه هيروح هناك كنت كسحته أهون ما أنى أشوفه ميت»، يفكر طويلا ويقول: «بس هو واللى زيه راحوا علشان البلد تتولد من جديد».

لم يحتفظ الأب بصورة لولده ولم يحاول تجسيده فى لوحة كبيرة واكتفى بأن تظل صورته فى قلبه وقلب كل من عرفوه فيقول: «الناس خدت صوره وعلقتها.. بس الصورة عمرها ما هتجيب اللى راح»، ويصف شعوره الذى ينتابه بين الحين والآخر قائلا: «ابنى لم يمت ابنى عايش جوايا».

شريط الذكريات لا يتوقف فى ذهن والدته التى لم تجف دموعها بعد، وكلما تذكرت ما حدث تقول: «إحنا مالناش فى السياسة ..طول عمره فى حاله.. معرفش ايه اللى وداه للمظاهرات»، سؤال تطرحه الأم كثيرا لتجد إجابة من حولها: «ده إنتى تفتخرى انه مات شهيد».

الفراق هو أصعب ما تعانيه أسرة الشهيد فتقول أم جرجس: «وحشنى قوى.. مش عارفة هتحمل فراقه إزاى؟» لكن ما يعينها على تحمل تلك اللحظات الصعبة هو فرحة خاطفة تشعرها كلما تحدث أحد عن الشهداء بفخر واعتبرهم عزة البلد وكرامته، تتذكر أن ولدها كان يحلم فى يوم من الأيام بأن يعيش فى بلده دون أن يشم رائحة الفساد من حوله.. أمنيات كان يتمناها جرجس من حين لآخر، لديه يقين بأنه لن يغير شيئاً بتلك الأمنيات لكنه لم يكن يعرف أن نهايته ستكتب له تحقيق ما تمنى، على حد قول والدته: «ابنى مات قبل ما يشوف البلد بتتغير.. قبل ما الرئيس يتنحى.. قبل ما يحاكموا الوزراء».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer