منذ قامت الثورة الشعبية التى قادها شباب مصر، والحديث يتجه بين الثائرين وبين أكثر المصريين عن ضرورة إعادة النظر فى الدستور القائم، انطلاقا من اعتقاد له ما يبرره بأن بعض نصوص هذا الدستور قد ساهمت فى وقوع خلل كبير فى حياتنا السياسية تركزت فيه السلطة فى يد فرد واحد يستظل بحماية أمنية يكاد عدد أفرادها ينافس عدد قواتنا المسلحة بفروعها المختلفة.. ومع ذلك وفى ظروف غامضة انحسرت تلك الحماية عن الشعب كله، وبقى ظهر الأمة كلها مكشوفا أمام المجهول.. ولولا عناية الله ولطفه لوقعت كوارث هائلة ولزلزلت أرض مصر كلها بما عليها ومن عليها.. لهذا لم يكن غريبا أن تتضمن برامج الإصلاح السياسى التى قدمها الثائرون، وتلك التى قدمها المتخصصون والمشتغلون بالهم العام، أمرا تحقق له الإجماع التام بين جميع المصريين، وهو الحاجة الماسة إلى إعادة النظر فى نصوص الدستور القائم الذى تم وضعه عام 1971 وتناولته يد التغيير والتعديل فى أربعة وثلاثين مادة وذلك عام 1980. وقد كان طبيعيا ــ والحال كذلك ــ أن يتقدم كثير من الخبراء والمتخصصين فى الشئون الدستورية والتشريعية بدراسات وأبحاث عديدة يعرضون فيها تصورهم للإصلاح الدستورى المنشود.. كذلك تقدمت أكثر الأحزاب القائمة، وجماعات متعددة من منظمات المجتمع المدنى باقتراحات مماثلة أو مشابهة.. وفى ضوء ذلك كله، وسعيا إلى تزويد الرأى العام، صاحب الحق وصاحب المصلحة فى إتمام مهمة «تعديل الدستور» فقد رأينا أن نكتب ــ بغير إطالة ــ أو استخدام للغة وللمصطلحات المتعارف عليها بين أهل القانون، وذلك سعيا إلى جعل المفاهيم الدستورية الأساسية «علما» مشتركا بين المواطنين جميعا، حتى تقوم آراؤهم ومطالبهم على أساس من «المعرفة المشتركة» بعناصر المشكلة والمداخل الرئيسية لحلها.
ونجمع ذلك كله فى تساؤلات محددة على النحو التالى:
أولا: ما هو الدستور.. وما هى وظيفته فى الجماعة:
والدستور فى الدنيا كلها هو القانون الأساسى للجميع الذى يحدد السلطة أو السلطات السياسية المسئولة فى الجماعة والتى تمارس السلطات باسمها، ويرسم الخطوط الرئيسية لما تملكه من سلطات تجاه بعضها البعض وتجاه المواطنين جميعا، والغالب أن تكون عناصر الدستور مجمعة ومسجلة فى وثيقة ذات نصوص محددة وهذا ما اصطلح على تسميته «الدستور المكتوب». ومن أمثلتها دستور مصر الصادر عام 1923، والذى تم إسقاطه عند قيام الثورة، وذلك بمقتضى أول إعلان دستورى بعد الثورة فى 10 ديسمبر 1952، أعلن فيه باسم الشعب سقوط دستور 1923 ــ ثم حددت فترة الانتقال إلى نظام دستورى جديد بثلاث سنوات ــ وفى 16 يناير 1956 ومع نهاية فترة الانتقال صدر دستور 1956 الذى أجرى الاستفتاء الشعبى عليه فى 23/6/1956 وبدأ العمل به على الفور.
غير أن إعلان الوحدة التى قامت بين مصر وسوريا بعد عامين من تاريخ العمل بدستور 1956 اقتضى قيام نظام دستورى جديد هو دستور الجمهورية العربية المتحدة الذى بدأ العمل به فى فبراير 1958.
وبعد وقوع الانفصال بين مصر وسوريا صدر دستور مصر الدائم لجمهورية مصر العربية فى 11/9/1971، أدخل على نصوص ذلك الدستور أربعة وثلاثون تعديلا تمت الموافقة عليها فى استفتاء جرى يوم 25/5/2005، وكانت ــ فيما نرى ــ أشبه بزرع عضو ناشز وغريب وسط كيان عضوى لا يناسبه ــ البته ــ ذلك العضو.. على نحو نستطيع أن نقول فيه بغير تردد أن الحرص على تعديل الدستور هذه الأيام مبعثه الوعى بحقيقة وحجم التناقض الكبير بين ذلك العضو الناشز المزروع وبين سائر نصوص دستور 1971 ومبادئه العامة، فضلا عن انتهاك بعض هذه التعديلات للمبادئ الدستورية المستقرة وفى مقدمتها مبدأ تداول السلطة، والتعددية الحقيقية فى الرأى والموقف.
تعديل جزئى أم دستور جديد:
(أ) من الناحية العملية، ونظرا لان أكثر الباحثين قد وضعوا أيديهم على نصوص بعينيها فى دستور 1971، أكثرها ما تم إقحامه عليه عام 1980 فإن إعادة النظر فى المواد 76، 77، 88 ،93، 179، 189، تمثل استجابة معقولة تماما للرغبة الحاسمة فى إصلاح الدستور وذلك بحذف هذه المواد الست أو تعديل مضمونها.. وهذا ما يستند إليه المطالبون بالاكتفاء بتعديل جزئى للدستور القائم.
أما المطالبون بإعادة النظر فى جميع مواد الدستور القائم ــ أو بعبارة أخرى ــ المطالبون بوضع دستور جديد فإنهم يستندون إلى فكر مخالف يرى أن جميع مواد الدستور تتكامل وتتساند فى وحدة عضوية لا تقبل التجزئة.. وانه بسقوط النظام الذى كان قائما على انفراد الرئيس بالقول الفصل فى أكثر القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية مع تهميش دور سائر المؤسسات التى كان المفروض أن تشاركه الرأى والقرار.. فإن من المنطقى أن يعاد النظر فى الدستور بأكمله تعبيرا عن الوضع السياسى الجديد الذى دعت إليه الثورة الشعبية بتوجهاتها الجديدة وتطلعها ومعها الشعب كله إلى نظام يقوم على تحقيق المزيد من الديمقراطية من خلال مشاركة شعبية حقيقية فى اتخاذ القرارات الإستراتيجية فى الميادين السياسية والاجتماعية.. وقد كان القرار الجمهورى الصادر من الرئيس السابق محمد حسنى مبارك يفتح الباب أمام اللجنة التى شكلها لكى تختار بين تعديل نصوص محددة، أشار إليها القرار وبين التوجه إلى تعديل نصوص أخرى ترى أهمية تعديلها.. ونعتقد أن هذا الخيار لا يزال مفتوحا أمام اللجنة الجديدة التى كلفتها الجهة المسئولة مؤقتا عن إدارة الحياة السياسية كلها خلال الفترة الانتقالية بالنظر فى تعديل الدستور والأمر الآن على أى حال، فى يد هذه اللجنة الجديدة التى كان من الضرورى إنشاؤها فى ظل انتقال السلطة الرئاسية إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة التى صدر عنها قرار إنشاء لجنة جديدة وتشكيلها من صفوة من رجال القضاء وأساتذة القانون الدستورى فى الجامعات المصرية المختلفة.
ومع انتباهنا إلى أن البديلين المطروحين التعديل الجزئى والتعديل الشامل بوضع دستور جديد، لكل منهما ما له وما عليه، فقد صار كاتب هذه السطور أقرب إلى ترجيح خيار وضع دستور جديد، مخافة أن تفوت القائمين بإعداد مشروع التعديل نصوص يتضح فيما بعد أن تغييرها كان لازما وضروريا.
وعلى أى حال فإننا نبدأ بعرض النصوص التى أجمع الباحثون على ضرورة تعديلها من خاصة العلماء والخبراء، وعموم فئات الشعب، والنخبة المثقفة التى اشتغلت أعواما طويلة بالشئون الدستورية والقانونية على أهمية تعديلها، وعلى اتجاه التعديلات المطلوب إقرارها، تمكينا من بدء السير فى طريق الإصلاح بغير تردد أو انتظار.. ونعود فى الأسطر التالية إلى شرح هذه النصوص، وتقديم تصور مبدئى لكيفية تعديلها وصياغة هذا التعديل.. حتى يجد القارئ نفسه مشاركا عن علم ورؤية واضحة لهذا العنصر من عناصر الإصلاح السياسى المرتقب.
1ــ أما المادة 76 فقد أشرنا فى شأنها إلى عيبين كبيرين أولهما شكلى والآخر يتعلق بمضمونها وفحواها.. فهى أولا تقع فى صفحتين كاملتين ونصف الصفحة.. وهو أمر شاذ ومستغرب تماما.. حتى أن هذه المادة وحدها صارت مقارنة فى طولها لنصوص دستور كالدستور الأمريكى بأكمله.. فضلا عن أن العلم الدستورى وأصول صياغة النصوص الدستورية تقتضى النص على ما هو جوهرى وأساسى مع ترك التفصيلات والجزئيات لقوانين عادية تصدرها السلطة التشريعية تنفيذا وإعمالا للنصوص الدستورية، أما من حيث المضمون فإن المادة 76 وضعت سلسلة من القيود على حق المواطنين فى التقدم للترشيح لشغل منصب الرئاسة.. تكاد تصل بالمستقلين إلى تعجيزهم عن محاولة الترشح.. كما وضعت قيودا مشابهة على من يريد الترشح للرئاسة من رجال الأحزاب وشاغلى مواقعها القيادية.. وهو ما يصل عمليا إلى نقيض مبدأ «تداول السلطة» وإلى احتكار منصب رئاسة الدولة من شاغله الحالى الذى يملك توجيه الأمور كلها على النحو الذى يصل به إلى استدامة رئاسته.. حتى نسى الناس فى ظل هذا الوضع الذى يسمح به نص هذه المادة.. ولا نبالغ إذا قلنا إن اليأس والإحباط اللذين أحاطا بالأحزاب السياسية وبغير شاغلى المواقع القيادية فى الحزب الوطنى قد كانا من أسباب الغليان الذى سيطر على الحياة السياسية وتحول إلى انفجار شعبى حقيقى يحكمه الإصرار على إسقاط النظام والخروج من نفقه المظلم، وقد زاد من أسباب هذا الإصرار وذلك الغضب الشعبى غير المسبوق أن رئيس الدولة كان ــ فوق سلطاته شبه المطلقة ــ يشغل منصب رئيس الحزب الوطنى. فجمع فى يديه السلطة من طرفيها على نحو زاد من تهميش سائر الأحزاب، فى ظل ترتيبات أمنية تؤمن وصول مرشح الحزب الوطنى إلى رئاسة الدولة، كما أدى إلى وصول مرشحى الحزب الوطنى إلى الأغلبية العظمى من مقاعد مجلسى الشعب والشورى، وكان على العقلاء والحكماء من القادة وأعضاء الحزب الوطنى أن يدركوا من خلال تجاربهم توقعا ذكيا للسياق السياسى والمجتمعى الذى يحيط بهم.. ان إعلان ضياع كل فرص النجاح أمام من لا يتمتع بحماية الحزب الوطنى وحصانته من شأنه أن يفجر طاقة الغضب والرغبة الملحة فى الإصلاح، كما فاتهم ان تدارك الخطأ والاعتذار عنه والاستجابة لمطالب الجماهير وفصائل المعارضة كان ممكنا ولكن إمكانه فى الغد أو بعد الغد ليس مأمونا ولا مضمونا.. وان ثورة التغيير السياسى الشامل كانت أمرا مقضيا لا فكاك منه.. وربما جاءت هذه التغطية بعد ان بدأ الانفجار الشعبى يعبر عن نفسه، وتبدو معه فى الأفق حتمية التغيير السياسى الشامل.. ورفع الثائرون شعارا واضحا يحمل معنى بالإصرار على إسقاط النظام، وهو شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» وهو ما تحقق على نحو مذهل وسريع لا يعرف له سابقة فى تاريخنا القديم أو المعاصر.
2ــ أما المادة 77 فقد جرى تعديلها عام 1980 تعديلا يفتح الباب أمام تجديد الرئاسة لمدد ليس لها حد أقصى مما يحول النظام إلى ما يشبه النظام الملكى، أو نظام جمهورية مؤبدة وهو ما يتعارض أشد التعارض مع مبدأ تداول السلطة، ويفتح الباب لشرور لا آخر لها، فقد دلت تجارب الشعوب عبر التاريخ على أن السلطة المطلقة، ومثلها السلطة المؤبدة، مفسدة مطلقة.. لذلك يكون التعديل الضرورى لهذه المادة هو العودة بها إلى ما كانت عليه قبل عام 1980 وتعديل الفقرة الأخيرة منها لتعود كما كانت «ويجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدة واحدة أخرى».
3ــ أما المادة 88 فتنص فقرتها الثانية على أن «تتولى لجنة عليا تتمتع بالاستقلال والحيدة الإشراف على الانتخابات على النحو الذى ينظمه القانون» ويبين القانون اختصاصات اللجنة وطريقة تشكيلها وضمانات أعضائها على أن يكون من بين أعضائها أعضاء من هيئات قضائية حاليين وسابقين ودون مناقشة التفصيلات الأخرى التى بينتها هذه المادة فقد دلت التجربة على أن الإشراف القضائى هو أهم الضمانات التى تتيح للعملية الانتخابية نزاهتها وحيادتها وشفافيتها، وأن النظام المبين فى تلك المادة قد ظهرت نتائجه بالغة السوء فى الانتخابات التشريعية الأخيرة، ومهما كان من صعوبات تحقيق الإشراف القضائى الكامل، فإنها ثمن معقول لتوفير النزاهة لركن الأركان فى كل نظام ديمقراطى، وهو المشاركة الشعبية التى تستعصى على الترغيب والترهيب، وفى سياق أوضاعنا السياسية والاجتماعية فإن تزييف الإرادة الشعبية يفتح الباب واسعا أمام الفاسدين والمفسدين، ويجعل من الانتخابات بصورها المختلفة مهزلة يعلو فيها صوت المال وصوت التدخل السافر على أصوات الناخبين.
4ــ المادة 93 تحتاج هى الأخرى إلى تعديل، فهى تكلُ إلى مجلس الشعب مهمة الفصل فى صحة عضوية أعضائه، وتنص على اختصاص محكمة النقض بالتحقيق فى صحة الطعون المقدمة إلى المجلس بعد إحالتها إليه من رئيسه، إلى أن تقول وتعرض نتيجة التحقيق والرأى الذى انتهيت إليه المحكمة على المجلس للفصل فى صحة الطعن خلال ستين يوما من تاريخ عرض نتيجة التحقيق على المجلس، ولا تعتبر العضوية باطلة إلا بقرار يصدر بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس».
وهذا النظام الغريب ظاهر العوار والفساد، إذ هو يضع الأمر كله فى نهاية المطاف بين يدى المجلس الذى يتكون ــ فى معظم حالاته ــ من أعضاء حزب الأغلبية، ومن ثم يرجح أن يتحدد موقفه من نتيجة التحقيق الذى قامت به محكمة النقض، فى إطار ما روج له خلال السنوات الأخيرة من أن الحكومة هى حكومة الحزب، وأن الحزب هو حزب الحكومة.. كما راجت مقولة أشد سوءا تقول إن «المجلس سيد قراره» وهى عبارة انتزعت من سياقها التاريخى، وتحولت إلى مبدأ فاسد شديد الفساد لا مكان له فى ظل مبدأ أعلى منه مؤداه أن جميع السلطات فى «دولة القانون» هى سلطات مقيدة بقيود الدستور والمبادئ العامة الكلية للقانون.
5 ــ أما المادة 179، فلا رأى لنا فيها إلا أن نؤكد استحقاقها للإلغاء.. ذلك أنها وإن جاءت فى فصل مستقل هى المادة الوحيدة فيه وهو «الفصل السادس» وعنوانه مكافحة الإرهاب إلا أنها اشتملت على حكمين بالغى الخطورة عظيمى الضرر. أما الحكم الأول الذى يردده مسئولو الدولة عن حماية الأمن والنظام العام فى مواجهة الإرهاب، فهذا كله لا إشكال فيه، وإنما يبدأ الإشكال بقول النص: «وينظم القانون أحكاما خاصة بإجراءات الاستدلال والتحقيق التى تقتضيها ضرورة مواجهة هذه الأخطار وبحيث لا يحول الإجراء المنصوص عليه فى كل من الفقرة الأولى من المادة 41 والمادة 44 والفقرة الثانية من المادة 45 من الدستور دون تلك المواجهة..».
كما يزداد الآن سوءا وخطرا بما تقرره الفقرة الثانية من المادة حيث تقول «ولرئيس الجمهورية أن يحيل أى جريمة من جرائم الإرهاب إلى أى جهة قضاء منصوص عليها فى الدستور أو القانون».
ففى مغالطة صارخة تصف هذه المادة الضمانات الإجرائية الجوهرية التى نصت عليها المواد 41، 44، 45 بإنها «الإجراء» إيهاما بأنها أمر لا قيمة له ولا خطر منه، وأن التجاوز عنها أمر مقبول تماما. مما يكشف عن عوار صارخ يصفه الفقهاء ويعتبره القضاء فى أكثر من دولة بأنه إخفاء أو تستر تشريعى Covert Legislation وفى تقديرنا أنها بهذا مخالفة للدستور، ذلك أن الأحكام الواردة فى المواد 41، 44، 45 من الدستور تقرر إحدى الركائز الأساسية وبيان الحقوق والحريات وضماناتها المقررة فى الدستور.
فالمادة 41 تقرر أن «الحرية الشخصية حق طبيعى وهى مصونة لا تمس، وفى حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وحماية أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضى المختص أو النيابة العامة.. أما المادة 44 فتقرر أن «للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا بأمر قضائى مسبب وفقا لأحكام القانون، وأن المادة 45 تقرر أن لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون، وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وسرية مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائى.
وبعد ذلك تجىء المادة 179 فتوجه ضربة واحدة تحل عرى هذه الضمانات واصفة إياها جميعا بأنها «الإجراء المنصوص عليه فى تلك المواد الثلاث».
لقد كان واضعو هذا النص على بينة تامة من حقيقة هذه الضمانات وأهميتها كضوابط وشروط لشرعية تصرف الدولة تجاه المستفيدين من هذه الضمانات. ونحن ــ من جانبنا ــ نصل فى الحرص على سيادة القانون وإلزام الدولة ــ والأصل فيها أنها خصم شريف ــ بالتزام الضوابط التى قررها القانون فى هذه المواد الثلاث المحكمة.. ومع ذلك ادخل واضعوا هذا النص نوعا من الغش على قارئ المادة 179، وهو غش يكون ركنا من أركان العمد السيئ الذى يصير به الانحراف فى وضع نص المادة 179 «جريمة عمدية» من شأنها أن تصم هذه المادة كلها بالبطلان وأنها «انحراف» باستخدام سلطة تعديل الدستور، وهى سلطة منشأة وإن كان موضوعها نصوص الدستور أو هى بالتعبير الفرنسى الشائع Pouvoir Constituant Constitue خلافا للسلطة الأصلية التى وضعت الدستور والتى يسميها الفقه فى فرنسا Pouvoir originaire.
لهذا لا نرى علاجا لهذا العوار الدستورى الذى يصيب الحريات والحقوق المقررة بنصوص الدستور فى مقتل إلا أن يعدل عنه بإلغاء هذه المادة، ونضيف أن الفقرة الأخيرة من هذا النص الغريب تمنح رئيس الجمهورية أن يحيل أى جريمة من جرائم الإرهاب، وتعريفها فى القانون المصرى لايزال غامضا يضيق ويتسع وفقا لإرادة المشرع ويسمح عمليا بإحالة ما يرى المشرع أو السلطة التنفيذية إلى محاكم استثنائية لا يتوافر لها الحد الأدنى من ضمانات الحياد والاستقلال، وذلك عوار إضافى يستوجب التعجيل بإلغاء هذه المادة.
ونجمع ذلك كله فى تساؤلات محددة على النحو التالى:
أولا: ما هو الدستور.. وما هى وظيفته فى الجماعة:
والدستور فى الدنيا كلها هو القانون الأساسى للجميع الذى يحدد السلطة أو السلطات السياسية المسئولة فى الجماعة والتى تمارس السلطات باسمها، ويرسم الخطوط الرئيسية لما تملكه من سلطات تجاه بعضها البعض وتجاه المواطنين جميعا، والغالب أن تكون عناصر الدستور مجمعة ومسجلة فى وثيقة ذات نصوص محددة وهذا ما اصطلح على تسميته «الدستور المكتوب». ومن أمثلتها دستور مصر الصادر عام 1923، والذى تم إسقاطه عند قيام الثورة، وذلك بمقتضى أول إعلان دستورى بعد الثورة فى 10 ديسمبر 1952، أعلن فيه باسم الشعب سقوط دستور 1923 ــ ثم حددت فترة الانتقال إلى نظام دستورى جديد بثلاث سنوات ــ وفى 16 يناير 1956 ومع نهاية فترة الانتقال صدر دستور 1956 الذى أجرى الاستفتاء الشعبى عليه فى 23/6/1956 وبدأ العمل به على الفور.
غير أن إعلان الوحدة التى قامت بين مصر وسوريا بعد عامين من تاريخ العمل بدستور 1956 اقتضى قيام نظام دستورى جديد هو دستور الجمهورية العربية المتحدة الذى بدأ العمل به فى فبراير 1958.
وبعد وقوع الانفصال بين مصر وسوريا صدر دستور مصر الدائم لجمهورية مصر العربية فى 11/9/1971، أدخل على نصوص ذلك الدستور أربعة وثلاثون تعديلا تمت الموافقة عليها فى استفتاء جرى يوم 25/5/2005، وكانت ــ فيما نرى ــ أشبه بزرع عضو ناشز وغريب وسط كيان عضوى لا يناسبه ــ البته ــ ذلك العضو.. على نحو نستطيع أن نقول فيه بغير تردد أن الحرص على تعديل الدستور هذه الأيام مبعثه الوعى بحقيقة وحجم التناقض الكبير بين ذلك العضو الناشز المزروع وبين سائر نصوص دستور 1971 ومبادئه العامة، فضلا عن انتهاك بعض هذه التعديلات للمبادئ الدستورية المستقرة وفى مقدمتها مبدأ تداول السلطة، والتعددية الحقيقية فى الرأى والموقف.
تعديل جزئى أم دستور جديد:
(أ) من الناحية العملية، ونظرا لان أكثر الباحثين قد وضعوا أيديهم على نصوص بعينيها فى دستور 1971، أكثرها ما تم إقحامه عليه عام 1980 فإن إعادة النظر فى المواد 76، 77، 88 ،93، 179، 189، تمثل استجابة معقولة تماما للرغبة الحاسمة فى إصلاح الدستور وذلك بحذف هذه المواد الست أو تعديل مضمونها.. وهذا ما يستند إليه المطالبون بالاكتفاء بتعديل جزئى للدستور القائم.
أما المطالبون بإعادة النظر فى جميع مواد الدستور القائم ــ أو بعبارة أخرى ــ المطالبون بوضع دستور جديد فإنهم يستندون إلى فكر مخالف يرى أن جميع مواد الدستور تتكامل وتتساند فى وحدة عضوية لا تقبل التجزئة.. وانه بسقوط النظام الذى كان قائما على انفراد الرئيس بالقول الفصل فى أكثر القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية مع تهميش دور سائر المؤسسات التى كان المفروض أن تشاركه الرأى والقرار.. فإن من المنطقى أن يعاد النظر فى الدستور بأكمله تعبيرا عن الوضع السياسى الجديد الذى دعت إليه الثورة الشعبية بتوجهاتها الجديدة وتطلعها ومعها الشعب كله إلى نظام يقوم على تحقيق المزيد من الديمقراطية من خلال مشاركة شعبية حقيقية فى اتخاذ القرارات الإستراتيجية فى الميادين السياسية والاجتماعية.. وقد كان القرار الجمهورى الصادر من الرئيس السابق محمد حسنى مبارك يفتح الباب أمام اللجنة التى شكلها لكى تختار بين تعديل نصوص محددة، أشار إليها القرار وبين التوجه إلى تعديل نصوص أخرى ترى أهمية تعديلها.. ونعتقد أن هذا الخيار لا يزال مفتوحا أمام اللجنة الجديدة التى كلفتها الجهة المسئولة مؤقتا عن إدارة الحياة السياسية كلها خلال الفترة الانتقالية بالنظر فى تعديل الدستور والأمر الآن على أى حال، فى يد هذه اللجنة الجديدة التى كان من الضرورى إنشاؤها فى ظل انتقال السلطة الرئاسية إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة التى صدر عنها قرار إنشاء لجنة جديدة وتشكيلها من صفوة من رجال القضاء وأساتذة القانون الدستورى فى الجامعات المصرية المختلفة.
ومع انتباهنا إلى أن البديلين المطروحين التعديل الجزئى والتعديل الشامل بوضع دستور جديد، لكل منهما ما له وما عليه، فقد صار كاتب هذه السطور أقرب إلى ترجيح خيار وضع دستور جديد، مخافة أن تفوت القائمين بإعداد مشروع التعديل نصوص يتضح فيما بعد أن تغييرها كان لازما وضروريا.
وعلى أى حال فإننا نبدأ بعرض النصوص التى أجمع الباحثون على ضرورة تعديلها من خاصة العلماء والخبراء، وعموم فئات الشعب، والنخبة المثقفة التى اشتغلت أعواما طويلة بالشئون الدستورية والقانونية على أهمية تعديلها، وعلى اتجاه التعديلات المطلوب إقرارها، تمكينا من بدء السير فى طريق الإصلاح بغير تردد أو انتظار.. ونعود فى الأسطر التالية إلى شرح هذه النصوص، وتقديم تصور مبدئى لكيفية تعديلها وصياغة هذا التعديل.. حتى يجد القارئ نفسه مشاركا عن علم ورؤية واضحة لهذا العنصر من عناصر الإصلاح السياسى المرتقب.
1ــ أما المادة 76 فقد أشرنا فى شأنها إلى عيبين كبيرين أولهما شكلى والآخر يتعلق بمضمونها وفحواها.. فهى أولا تقع فى صفحتين كاملتين ونصف الصفحة.. وهو أمر شاذ ومستغرب تماما.. حتى أن هذه المادة وحدها صارت مقارنة فى طولها لنصوص دستور كالدستور الأمريكى بأكمله.. فضلا عن أن العلم الدستورى وأصول صياغة النصوص الدستورية تقتضى النص على ما هو جوهرى وأساسى مع ترك التفصيلات والجزئيات لقوانين عادية تصدرها السلطة التشريعية تنفيذا وإعمالا للنصوص الدستورية، أما من حيث المضمون فإن المادة 76 وضعت سلسلة من القيود على حق المواطنين فى التقدم للترشيح لشغل منصب الرئاسة.. تكاد تصل بالمستقلين إلى تعجيزهم عن محاولة الترشح.. كما وضعت قيودا مشابهة على من يريد الترشح للرئاسة من رجال الأحزاب وشاغلى مواقعها القيادية.. وهو ما يصل عمليا إلى نقيض مبدأ «تداول السلطة» وإلى احتكار منصب رئاسة الدولة من شاغله الحالى الذى يملك توجيه الأمور كلها على النحو الذى يصل به إلى استدامة رئاسته.. حتى نسى الناس فى ظل هذا الوضع الذى يسمح به نص هذه المادة.. ولا نبالغ إذا قلنا إن اليأس والإحباط اللذين أحاطا بالأحزاب السياسية وبغير شاغلى المواقع القيادية فى الحزب الوطنى قد كانا من أسباب الغليان الذى سيطر على الحياة السياسية وتحول إلى انفجار شعبى حقيقى يحكمه الإصرار على إسقاط النظام والخروج من نفقه المظلم، وقد زاد من أسباب هذا الإصرار وذلك الغضب الشعبى غير المسبوق أن رئيس الدولة كان ــ فوق سلطاته شبه المطلقة ــ يشغل منصب رئيس الحزب الوطنى. فجمع فى يديه السلطة من طرفيها على نحو زاد من تهميش سائر الأحزاب، فى ظل ترتيبات أمنية تؤمن وصول مرشح الحزب الوطنى إلى رئاسة الدولة، كما أدى إلى وصول مرشحى الحزب الوطنى إلى الأغلبية العظمى من مقاعد مجلسى الشعب والشورى، وكان على العقلاء والحكماء من القادة وأعضاء الحزب الوطنى أن يدركوا من خلال تجاربهم توقعا ذكيا للسياق السياسى والمجتمعى الذى يحيط بهم.. ان إعلان ضياع كل فرص النجاح أمام من لا يتمتع بحماية الحزب الوطنى وحصانته من شأنه أن يفجر طاقة الغضب والرغبة الملحة فى الإصلاح، كما فاتهم ان تدارك الخطأ والاعتذار عنه والاستجابة لمطالب الجماهير وفصائل المعارضة كان ممكنا ولكن إمكانه فى الغد أو بعد الغد ليس مأمونا ولا مضمونا.. وان ثورة التغيير السياسى الشامل كانت أمرا مقضيا لا فكاك منه.. وربما جاءت هذه التغطية بعد ان بدأ الانفجار الشعبى يعبر عن نفسه، وتبدو معه فى الأفق حتمية التغيير السياسى الشامل.. ورفع الثائرون شعارا واضحا يحمل معنى بالإصرار على إسقاط النظام، وهو شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» وهو ما تحقق على نحو مذهل وسريع لا يعرف له سابقة فى تاريخنا القديم أو المعاصر.
2ــ أما المادة 77 فقد جرى تعديلها عام 1980 تعديلا يفتح الباب أمام تجديد الرئاسة لمدد ليس لها حد أقصى مما يحول النظام إلى ما يشبه النظام الملكى، أو نظام جمهورية مؤبدة وهو ما يتعارض أشد التعارض مع مبدأ تداول السلطة، ويفتح الباب لشرور لا آخر لها، فقد دلت تجارب الشعوب عبر التاريخ على أن السلطة المطلقة، ومثلها السلطة المؤبدة، مفسدة مطلقة.. لذلك يكون التعديل الضرورى لهذه المادة هو العودة بها إلى ما كانت عليه قبل عام 1980 وتعديل الفقرة الأخيرة منها لتعود كما كانت «ويجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدة واحدة أخرى».
3ــ أما المادة 88 فتنص فقرتها الثانية على أن «تتولى لجنة عليا تتمتع بالاستقلال والحيدة الإشراف على الانتخابات على النحو الذى ينظمه القانون» ويبين القانون اختصاصات اللجنة وطريقة تشكيلها وضمانات أعضائها على أن يكون من بين أعضائها أعضاء من هيئات قضائية حاليين وسابقين ودون مناقشة التفصيلات الأخرى التى بينتها هذه المادة فقد دلت التجربة على أن الإشراف القضائى هو أهم الضمانات التى تتيح للعملية الانتخابية نزاهتها وحيادتها وشفافيتها، وأن النظام المبين فى تلك المادة قد ظهرت نتائجه بالغة السوء فى الانتخابات التشريعية الأخيرة، ومهما كان من صعوبات تحقيق الإشراف القضائى الكامل، فإنها ثمن معقول لتوفير النزاهة لركن الأركان فى كل نظام ديمقراطى، وهو المشاركة الشعبية التى تستعصى على الترغيب والترهيب، وفى سياق أوضاعنا السياسية والاجتماعية فإن تزييف الإرادة الشعبية يفتح الباب واسعا أمام الفاسدين والمفسدين، ويجعل من الانتخابات بصورها المختلفة مهزلة يعلو فيها صوت المال وصوت التدخل السافر على أصوات الناخبين.
4ــ المادة 93 تحتاج هى الأخرى إلى تعديل، فهى تكلُ إلى مجلس الشعب مهمة الفصل فى صحة عضوية أعضائه، وتنص على اختصاص محكمة النقض بالتحقيق فى صحة الطعون المقدمة إلى المجلس بعد إحالتها إليه من رئيسه، إلى أن تقول وتعرض نتيجة التحقيق والرأى الذى انتهيت إليه المحكمة على المجلس للفصل فى صحة الطعن خلال ستين يوما من تاريخ عرض نتيجة التحقيق على المجلس، ولا تعتبر العضوية باطلة إلا بقرار يصدر بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس».
وهذا النظام الغريب ظاهر العوار والفساد، إذ هو يضع الأمر كله فى نهاية المطاف بين يدى المجلس الذى يتكون ــ فى معظم حالاته ــ من أعضاء حزب الأغلبية، ومن ثم يرجح أن يتحدد موقفه من نتيجة التحقيق الذى قامت به محكمة النقض، فى إطار ما روج له خلال السنوات الأخيرة من أن الحكومة هى حكومة الحزب، وأن الحزب هو حزب الحكومة.. كما راجت مقولة أشد سوءا تقول إن «المجلس سيد قراره» وهى عبارة انتزعت من سياقها التاريخى، وتحولت إلى مبدأ فاسد شديد الفساد لا مكان له فى ظل مبدأ أعلى منه مؤداه أن جميع السلطات فى «دولة القانون» هى سلطات مقيدة بقيود الدستور والمبادئ العامة الكلية للقانون.
5 ــ أما المادة 179، فلا رأى لنا فيها إلا أن نؤكد استحقاقها للإلغاء.. ذلك أنها وإن جاءت فى فصل مستقل هى المادة الوحيدة فيه وهو «الفصل السادس» وعنوانه مكافحة الإرهاب إلا أنها اشتملت على حكمين بالغى الخطورة عظيمى الضرر. أما الحكم الأول الذى يردده مسئولو الدولة عن حماية الأمن والنظام العام فى مواجهة الإرهاب، فهذا كله لا إشكال فيه، وإنما يبدأ الإشكال بقول النص: «وينظم القانون أحكاما خاصة بإجراءات الاستدلال والتحقيق التى تقتضيها ضرورة مواجهة هذه الأخطار وبحيث لا يحول الإجراء المنصوص عليه فى كل من الفقرة الأولى من المادة 41 والمادة 44 والفقرة الثانية من المادة 45 من الدستور دون تلك المواجهة..».
كما يزداد الآن سوءا وخطرا بما تقرره الفقرة الثانية من المادة حيث تقول «ولرئيس الجمهورية أن يحيل أى جريمة من جرائم الإرهاب إلى أى جهة قضاء منصوص عليها فى الدستور أو القانون».
ففى مغالطة صارخة تصف هذه المادة الضمانات الإجرائية الجوهرية التى نصت عليها المواد 41، 44، 45 بإنها «الإجراء» إيهاما بأنها أمر لا قيمة له ولا خطر منه، وأن التجاوز عنها أمر مقبول تماما. مما يكشف عن عوار صارخ يصفه الفقهاء ويعتبره القضاء فى أكثر من دولة بأنه إخفاء أو تستر تشريعى Covert Legislation وفى تقديرنا أنها بهذا مخالفة للدستور، ذلك أن الأحكام الواردة فى المواد 41، 44، 45 من الدستور تقرر إحدى الركائز الأساسية وبيان الحقوق والحريات وضماناتها المقررة فى الدستور.
فالمادة 41 تقرر أن «الحرية الشخصية حق طبيعى وهى مصونة لا تمس، وفى حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وحماية أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضى المختص أو النيابة العامة.. أما المادة 44 فتقرر أن «للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا بأمر قضائى مسبب وفقا لأحكام القانون، وأن المادة 45 تقرر أن لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون، وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وسرية مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائى.
وبعد ذلك تجىء المادة 179 فتوجه ضربة واحدة تحل عرى هذه الضمانات واصفة إياها جميعا بأنها «الإجراء المنصوص عليه فى تلك المواد الثلاث».
لقد كان واضعو هذا النص على بينة تامة من حقيقة هذه الضمانات وأهميتها كضوابط وشروط لشرعية تصرف الدولة تجاه المستفيدين من هذه الضمانات. ونحن ــ من جانبنا ــ نصل فى الحرص على سيادة القانون وإلزام الدولة ــ والأصل فيها أنها خصم شريف ــ بالتزام الضوابط التى قررها القانون فى هذه المواد الثلاث المحكمة.. ومع ذلك ادخل واضعوا هذا النص نوعا من الغش على قارئ المادة 179، وهو غش يكون ركنا من أركان العمد السيئ الذى يصير به الانحراف فى وضع نص المادة 179 «جريمة عمدية» من شأنها أن تصم هذه المادة كلها بالبطلان وأنها «انحراف» باستخدام سلطة تعديل الدستور، وهى سلطة منشأة وإن كان موضوعها نصوص الدستور أو هى بالتعبير الفرنسى الشائع Pouvoir Constituant Constitue خلافا للسلطة الأصلية التى وضعت الدستور والتى يسميها الفقه فى فرنسا Pouvoir originaire.
لهذا لا نرى علاجا لهذا العوار الدستورى الذى يصيب الحريات والحقوق المقررة بنصوص الدستور فى مقتل إلا أن يعدل عنه بإلغاء هذه المادة، ونضيف أن الفقرة الأخيرة من هذا النص الغريب تمنح رئيس الجمهورية أن يحيل أى جريمة من جرائم الإرهاب، وتعريفها فى القانون المصرى لايزال غامضا يضيق ويتسع وفقا لإرادة المشرع ويسمح عمليا بإحالة ما يرى المشرع أو السلطة التنفيذية إلى محاكم استثنائية لا يتوافر لها الحد الأدنى من ضمانات الحياد والاستقلال، وذلك عوار إضافى يستوجب التعجيل بإلغاء هذه المادة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات