الأقسام الرئيسية

معضلة قانون الطوارئ في مصر

. . ليست هناك تعليقات:

ما منع قانون الطوارئ سيء الصيت مجزرة السياح في الأقصر ولا مذبحة الأبرياء في كنيسة القديسين. حان الوقت لإلغائه.

ميدل ايست أونلاين


بقلم: عادل الجوهري


إن إلغاء قانون الطوارئ المفروض منذ حوالي ثلاثون سنة هو أحد طلبات الثورة المصرية السلمية، وإن كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يتولى الحكم في مصر حالياً قد اتخذ خطوات في الاتجاه الصحيح بتعليق العمل بالدستور وإلغاء مجلسي الشعب والشورى، إلا أن ثوار التحرير يتعجلون إلغاء قانون الطوارئ الذي يمثل لهم حقبة سوداء في تاريخ مصر ويرون أنه إذا لم يُرفع عن رقابهم أمس قبل اليوم، فلا أمل يُرتجى في حياة طبيعية كريمة. وإن كان خلع الرئيس حسني مبارك يمثل لهم إنجازاً جباراً، فإن قانون الطوارئ في نظرهم ونظرنا هو العقبة الرئيسية أمام الشعور الكامل بالحرية. فالحرية بمعناها الحقيقي لا يمكن أن تتحقق إلا بإلغاء هذا القانون القاتل والجائر والمُذل لآدمية الإنسان.

والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي بيديه السلطة حالياً يعلم تماماً بهذه الرغبة الجارفة، ولديه كامل اليقين بأنه إن قام بتحقيقها فسوف يلقى الشكر والثناء والإعجاب من شعبه بصفة خاصة ومن جميع دول العالم بصفة عامة، فما الذي يؤخره في اتخاذ تلك الخطوة الهامة؟

من الواضح أن قانون الطوارئ والذي أسميته في مقال سابق "قانون هاتوه" يطلق يد وزارة الداخلية وضباطها وأمناء شرطتها وحتى مخبريها في التنكيل بمن تشاء وقت ما تشاء، وهو النهج الذي كان يوافق عليه مبارك ويدعمه بشدة، بما أدى إلى نشوء ثقافة في إدارة مصر مستمدة من هذا القانون السيئ، وقد أفرز ذلك فئات فوق القانون لا تخضع لأي عقاب مطلقاً، ومن يعيش فوق القانون لا يستطيع بين يوم وليلة أن يلتزم بالقانون.

هذه هي المعضلة التي تواجه المجلس الأعلى الحاكم الآن فهؤلاء الذين عاشوا فوق القانون ودون حساب طوال ثلاثون عاماً يعتبرون ذلك مكتسباً وحق من الحقوق ولا يريدون التخلي عنه أبداً، وهم الآن يضعون العراقيل أمام المجلس العسكري الحاكم كما يرعبون رئيس وزراء الحكومة المؤقتة الفريق أحمد شفيق بعواقب إلغاء قانون الطوارئ.

إن الشعب المصري تنفس الصعداء عندما تولى الجيش إدارة مصر واطمئن لأن وطنه أصبح أخيراً في أيدي أمينة، وأعتقد أن المجلس على قناعة بأن هذه الثورة لم يكن لها أن تكون بهذه القوة إلا بسبب القهر والإذلال الذي كانت تمارسه وزارة الداخلية وغيرها من أجهزة الدولة اعتماداً على قانون الطوارئ، كما أنه قد تبين جلياً خلال ثلاثون عاماً أن هذا القانون القاتل لم يمنع المجزرة التي تعرض لها السائحين الأجانب في الأقصر، كما لم يمنع أي من العمليات الإرهابية التي من الممكن أن نشك فيمن قام بالترتيب لها كالحادثة الأخيرة في كنيسة القديسين في الإسكندرية، ولذلك فإن تخوف المجلس الأعلى للقوات المسلحة من إلغاء قانون الطوارئ وتردده في ذلك ليس له أي مُبرر على الإطلاق.

إن كانت وزارة الداخلية وضباطها يهددون بترك العمل إذا ما تم رفع الطوارئ فهذا مؤشر خطير على أنهم لا يرغبون في الالتزام بالقانون، وإن كنا سندخل هذه المرحلة الهامة من التغيير في مصر بانتهاك القانون كما كان في السابق، فهذا يعني أن دماء الشهداء وجراح المصابين من أبناء الثورة ستذهب كلها سدى، فلن يكون في مصر استقرار أبداً طالما ظل هذا القانون سيفاً على رقاب المواطنين، كما أن الشعب لم يعد يرضى باستمراره، فمن يريد الاستقرار عليه التخلص من هذا القانون الذي يمثل وصمة عار في جبين الإنسانية.

أرجو أن يوفق المجلس العسكري في إدراك ذلك، فهو أمر جلي كالشمس ولا يحتاج لتفكير، اعتمدوا على الله وثقوا في أهلكم من شعب مصر، وارفعوا عنهم عار الذل، ولا تخشوا الانفلات الأمني الذي يهددونكم به، فسبق أن هددوا به الرئيس السابق إلى أن توحشوا، اقضوا على هذا الوحش الجريح ولا تمنحوه الفرصة ليُشفى، لأنه لو تمكن من الشفاء فسوف يأكلكم.

عادل الجوهري - محامٍ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer