الأقسام الرئيسية

رصيدنا لديكم يسمح

. . ليست هناك تعليقات:


بقلم يسرى فودة ٢٧/ ٢/ ٢٠١١

فارق النوم أعين المصريين ليلة أمس الأول عندما تواترت أنباء لم يصدقوها فى البداية عن مواجهة بين عناصر من القوات المسلحة والمتظاهرين فى شارع قصر العينى. تشير الشهادات الأولية إلى حالة من الذهول تملكت المتظاهرين عندما تحركت الشرطة العسكرية وبعض القوات الخاصة الملثمة لفض اعتصام زهاء مائتى متظاهر كانوا ينوون قضاء الليل فى سلام قرب مجلس الوزراء.

لكن الواضح الآن أن القصة لم تبدأ عند منتصف الليل بل قبل ذلك، ففى مقتبل المساء اتصلت بى الزميلة ريم ماجد، التى تصادف وجودها هناك، كى تنقل لى فى يوم إجازتى خبراً مزعجاً عن صديق مشترك علمت بعد ذلك بقية تفاصيله منه بشكل مباشر.

قرب المغرب كان هذا الصديق يحاول الدخول إلى شارع مجلس الشعب من ناحية الجامعة الأمريكية عندما منعه جنود الجيش. دخل معهم فى مناقشة حول حق التظاهر السلمى الذى التزمت به الحكومة والقوات المسلحة. زادت المناقشة حدة بانضمام أحد الضباط إليها، وبعد قليل وجد صديقنا نفسه داخل ساحة مجلس الشعب مطروحاً على الأرض وهم يوسعونه ضرباً وركلاً وشتماً بأقذع الألفاظ.

عند هذا الحد يبقى لدينا متسع كريم لقبول حجة انفعال اللحظة وتوتر الأعصاب وسط أجواء ضاغطة خاصة على أفراد جيش وجدوا أنفسهم فجأة فى موقف غير معتاد صار لهم فيه الآن نحو شهر ولا يعلمون متى ينتهى. لكن هذا الموقف، الذى يبدو صغيراً فى حجمه، ضخم فى معناه، ليس فقط فيما يتعلق بكرامة إنسان وبحقوقه الفطرية المشروعة، وإنما أيضاً فيما يتعلق بما هو أهم وأخطر: هل انتقلنا حقاً على المستوى الذهنى من عهد إلى عهد؟ هل مصر حقاً بعد ٢٥ يناير، كما سمعنا مراراً ممن بيدهم مقاليد الأمور، ليست كمصر قبله؟ وهل يريدون حقاً أن يعبروا بثورة صاروا يمتدحونها جهاراً إلى المستقبل أم أنهم يريدون العبور بنا حولها إلى الماضى؟

هذه وغيرها أسئلة صارت اليوم مشروعة، كنا نقاومها فى جزع مثلما كنا، ولا نزال، نفرط فى التعبير عن تقديرنا للقوات المسلحة الذى نكنه لها عن حق فى قلوبنا. يتألم المرء وهو يرى الآن أمامه هذه التساؤلات مفرودة على أرض ميدان التحرير، ويغمض عينيه لأنه لا يريد أن يصدق فيتضخم صداها فى أعماق النفس.

يسارع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وقد أدرك وقع ما حدث، إلى إصدار بيان يحمل لأول مرة فى بياناته عنواناً فرعياً باللون الأصفر: «اعتذار ورصيدنا لديكم يسمح». نعم، رصيدكم لدينا ضخم، لكنه - بعيداً عن الكم الضخم - ذلك النوع من الرصيد الذى لا نريد له أبداً أن يمس أو أن تقترب منه شائبة تشوبه. نعلم أنه ليس سهلاً على الجندى أن يعتذر، ونقدر لكم هذه الخطوة كل التقدير. كنتم معنا فى دعم ثورة بديعة يتغنى بها العالم من أقصاه إلى أقصاه. استمروا معنا حتى تبلغ أهدافها النبيلة من أجل بلادنا.

إن أقوى وأمضى سلاح فى ترسانة القوات المسلحة المصرية دائماً هو حب الشعب لها واحترامه لتاريخها المشرف. لا تتخلوا عن هذا السلاح، إنه حصن مصر الأخير.

yosri@yosrifouda.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer