الأقسام الرئيسية

الشبه الحقيقى بين مصر والثورة الإيرانية

. . ليست هناك تعليقات:

بقلم: فريد زكريا

faraed-zakaria-1603

10 فبراير 2011 11:51:32 ص بتوقيت القاهرة

هناك شبح يؤرق الغرب. ففى 1979، شهدت الولايات المتحدة ثورة شوارع فى الشرق الأوسط، ورأت حليفها القوى، شاه إيران رضا بهلوى، يطاح به لتخلفه جمهورية إسلامية ثيوقراطية. وهى الآن تشهد ثورة شوارع أخرى فى بلد آخر من بلدان الشرق الأوسط، ويبدو أن العديدين روعتهم هذه الذكرى. ولا تقتصر المخاوف من سيطرة الإسلاميين وفق «جلين بيك»، بتوقعاته أن يؤدى سقوط حسنى مبارك إلى صعود خلافة إسلامية تعتزم الهيمنة على العالم.

(بل إن توصية بيك السياسية للأمريكيين ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك: «خزنوا الطعام»). ويصف ساسة محافظون جادون مثل ميت رومنى وجون ماكين المعارضة الإسلامية المصرية بتعبيرات لا تختلف عن تعبيرات بيك.

ومن اليسار، كتب ريتشارد كوين فى واشنطن بوست: «من المؤكد أن حلم مصر الديمقراطية سوف يسفر عن كابوس». ويعتقد ليون ويزلتشيار أن الإسلاميين سوف يسعون للاستيلاء على السلطة على النمط البلشفى.

وربما يمكن تقبل كل هذه الآراء، بيد أنه لا توجد دلائل حتى الآن تدعم هذه السيناريوهات المرعبة.

فالمتظاهرون المصريون علمانيون؛ والإخوان المسلمون جماعة ضمن عديد من جماعات مشاركة لديها جميعا مطالب بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان. ومصر ليست إيران لعدة أسباب مهمة. فرجال الدين السنة فيها لا يقومون بأى دور هرمى أو سياسى على النحو الذى يقوم به أمثالهم فى إيران. والأهم، أن النظام الإيرانى ليس نموذجا يتمتع بشعبية فى العالم العربى. وقد رأى المصريون مبارك والملالى، ولا يريدون أيا منهما.

وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة بيو عام 2010 أن غالبية عظمى تؤيد إقامة حكم ديمقراطى.

وتصرف المخاوف من هذا السيناريو الوهمى أنظار الأمريكيين عن المشكلة الحقيقية فى مصر: الديكتاتورية العسكرية.

ومصر ليست نظاما قائما على شخصية مبارك، على الرغم من التقارير حول ثروته وجهوده الرامية لتكريس ابنه خليفة له.

ومنذ انقلاب الضباط عام 1952، ظلت مصر ديكتاتورية يحكمها الجيش لمصلحته. فقد جاء الرؤساء القليلون منذ ذلك الحين من قوات الجيش؛ وتتمتع القوات المسلحة بموازنات هائلة، واستقلال تام، وهى منخرطة فى كل جوانب المجتمع، بما فى ذلك امتلاك مساحات واسعة من الأراضى ومئات الشركات.

والآن، يقوم الجيش بتعزيز نفوذه. وخلال الأسبوع الماضى، تم الانقلاب على جهود مبارك لضم المدنيين ورجال الأعمال إلى الحكم وتحول رجال الأعمال فى الواقع إلى كباش فداء، تمت التضحية بهم حتى يستطيع الجنرالات أن يواصلوا الحكم.

وجاء الرجال الثلاثة الذين يديرون مصر الآن، نائب الرئيس، ورئيس الوزراء، ووزير الدفاع من الجيش، ونصف مجلس الوزراء عسكريون، وجاء نحو 80 فى المائة من المحافظين الأقوياء من القوات المسلحة. ويبدو أن الجيش قرر التضحية بمبارك، لكنه يحاول إدارة عملية التغيير، لضمان أن يظل متمتعا بكامل القوى. وعلينا أن نتذكر أن مصر مازال يحكمها قانون الطوارئ والمحاكم العسكرية.

ويعقد العديد من المعلقين مقارنات بين مصر وتركيا، حيث لعب الجيش دورا حاسما قى تحديث البلاد. غير أن الجيش فى تركيا تخلى عن السلطة كرها، لأن الاتحاد الأوروبى ظل يفرض ضغوطا مستمرة لإضعاف دور الجيش فى السياسة. ويكمن الخطر فى ألا تصبح مصر مثل تركيا، وإنما باكستان، حيث تكون هناك ديمقراطية زائفة، بينما يمتلك الجنرالات السلطة الحقيقية فى الخفاء.

ولا شك أن إدارة أوباما محقة فى العمل على إجراء انتقال سلس للسلطة. فخطر الفوضى حقيقى: آراء الإخوان المسلمين رجعية وخبيثة. وفى حالة عدم وجود دستور جديد، وإجراءات حماية قانونية، توجد مخاطر ظهور «ديمقراطية غير ليبرالية»، أو إجراء انتخابات حرة وعادلة فى ظل قوانين مصر الحالية التى ستؤدى إلى عواقب وخيمة بالنسبة للأقليات، وحقوق الإنسان، وغيرها من الحريات.

ويجب ألا يقتصر التغيير على مبارك فحسب، وإنما على النظام الذى كان يرأسه بأكمله.

ويجدر أن نتذكر السبب فى صعود التطرف الإسلامى والسخط المعادى لأمريكا فى الشرق الأوسط. حيث يرى العرب أن واشنطن ساندت الأنظمة الديكتاتورية الوحشية، التى تقمع شعوبها. كما يعتقدون أنها ظلت تتجاهل هذا القمع طالما كانت هذه الأنظمة تخدم السياسة الخارجية الأمريكية.

وإذا اعتبروا أن واشنطن تتوسط فى صفقة لإبقاء الديكتاتورية العسكرية فى مصر، بحكم القانون أو الأمر الواقع، فسينتج عن ذلك خيبة أمل عميقة وإحباط فى شوارع القاهرة.

ومع مرور الوقت، ستكون معارضة النظام والولايات المتحدة أكثر تشددا، وأكثر تدينا، وأشد عنفا. وربما يكون ذلك وجه الشبه الحقيقى مع القوى التى أدت إلى الثورة الإيرانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المدونة غير مسئولة عن أي تعليق يتم نشره على الموضوعات

اخر الاخبار - الأرشيف

المشاركات الشائعة

التسميات

full

footer